بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على سيّدنا رسول الله وبعد
منذ أن نشأت الطائفة الوهابية الضالة وهي تموّه وتزوّر معاني الأقوال، فتفسّره بالمستشنع المحال،
لتغرّ الأغمار والجهال،
ولكن هذا الدين ثابت في كل حال، وله في كل ساحة فرسانٌ هم الرجال الرجال.
ومن جملةِ ما يفترونه على الأئمة تفسيرُهم قولَ الإمامِ مالكِ بن أنس رضي الله عنه “الاستواءُ معلومٌ والكيف غيرُ معقول“.
وحديثُ الإمام مالكٍ هذا مشهور عنه، رواه البيهقي في الأسماء والصفات وغيره.
المعنى واضح، أما الوهابية فيلجَئون إلى رواية لا تصح عنه وهي لفظةُ “والكيفُ مجهولٌ“،
وتفسّرها الوهابية بأن الكيف موجود لكنه مجهول لا نعرفه، والعياذ بالله.
هذا كفر فظيعٌ ومعناه أن الله متكيِّفٌ وهذه صفات المخلوقات، ولا يصح هذا الإمام مالك.
أما من أوردها من الأئمة فعلى معنى “الحقيقة”، لأنها وردت في اللغة بمعنى الحقيقة، قال الشاعر:
كيفيةُ المرءِ ليسَ المرءُ يُدركها … فكيف كيفيّةُ الجبارِ في القِدَمِ
هنا الكيفية تعني الحقيقة بلا أدنى شك، لأن المرءَ يعرفُ كيفيتهُ وإنما المراد حقيقتُه كما هو واضح.
فالذين أوردوا عبارة “والكيف مجهول” من الأئمة مرادهم هذا،
وإن كان لا يصح استعمال هذه العبارة لأن ظاهرها موهم وهو وهم مدفوع بالدليل الشرعي الصحيح.
والقاعدة تقول إن الجمع بين الأدلة واجب
وإن الجمع مقدَّمٌ على الترجيح بالإجماع ما نقله الحافظ ابن حجر في فتح الباري، وكما قال الحافظ العراقي في ألفيته:
وخيرُ ما فسّرتَه بالواردِ …. كالدخِ بالدخَانِ لابن صائدِ
فلا مجال لهم بالتمسك بعبارة مروية لا تصح،
ثم تفسيرها بعبارة أخرى عن الإمام مالك حرّفوا معناه وهي قوله “والكيفُ غيرُ معقول“،
يقولون يعني أن الكيف موجود لكن نحن لا نعقله، نحن لا ندركه، هكذا يفسرونها والعياذ بالله.
والرد عليهم بأن يقال:
أولا: عبارة “الكيف مجهول” لا تصح
ثانيا: عبارة “الكيف غير معقول” تعني لا يُتَصَوّر في حق الله، كما أنه لا يُعقَلُ شريكٌ لله،
فلو قال الإمام مالك: “الشريك لله غير معقول” هل كانوا يفسرونها بأن لله شريكا لكن نحن لا نعقله، نحن لا ندركه؟
ثالثا: عبارة “والكيفُ مرفوع” صحيحة عنه الإمام مالك وهي تزيل كلَّ إشكال وتُبطل حجج الوهابية،
لأنّ المرفوع معناه غير موجود، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: “رُفِعَ القلمُ عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ
فالجمع – على سبيل التنزل ومجاراة الخصم – يدل على أن المراد من كلمة “غير معقول” أي مستحيل لا يُتصوَّر غير موجود، كما تبيّنه الكلمة الأخرى “مرفوع“.
أما عبارة “والكيف مجهول” فلا داعي للخوض فيها أكثر من هذا وقد ظهر الحق، مع العلم بأنها لا تصح عن الإمام مالك.
وبالنصوصِ الآتيةِ يظهر تدليسُ الوهابيةِ المجسمةِ:
1- قول الإمام الحافظ الخطابي كما نقله عنه في الفتح:
وليس قولنا إن الله على العرش أي مماس له أو متمكن فيه أو متحيز في جهة من جهاته بل هو خبر جاء به التوقيف، فقلنا به (((ونفينا عنه التكييف))) إذ ليس كمثله شىء وبالله التوفيق.انتهى
فالتكييف ذاته منفي لا اسم الاستفهام بمعنى أنه لا نقول “كيف” كما زعمت الوهابية
2- قول الإمام الكبير البغوي كما نقله في تحفة الأحوذي:
وقال البغوي في شرح السنة: القدم والرجل المذكوران في هذا الحديث من صفات الله (((المنزهة عن التكييف والتشبيه))).انتهى
3- قول القاضي عياض:
(((واتفقوا على تحريم التكييف)))
إذن فالتكييف ممتنع بالإجماع، بخلاف ما يفترونه أن الله له كيف لكن مجهول، هذا قول هؤلاء المجسمة قاتلهم الله.
4- قول الإمام العظيم الحافظ ابن عساكر رضي الله عنه في تبيين كذب المفتري:
فإذا وجدوا – أي أتباع الإمام الأشعري – من يقول بالتجسيم (((أو التكييف من المجسمة والمشبهة))) ولقوا من يصفه بصفات المحدثات
(((من القائلين بالحدود والجهة))) فحينئذ يسلكون طريق التأويل ويثبتون تنزيهه بأوضح الدليل ويبالغون في إثبات التقديس له والتنزيه خوفا من وقوع من لا يعلم في ظلم التشبيه فإذا ءامنوا من ذلك رأوا أن السكوت أسلم وترك الخوض في التأويل إلا عند الحاجة أحزم وما مثالهم في ذلك إلا مثل الطبيب الحاذق الذي يداوي كل داء من الأدواء بالدواء الموافق فإذا تحقق غلبة البرودة على المريض داواه بالأدوية الحارة. انتهى
فالتكييف صفة المجسمة المشبهة وليس صفةَ علماء أهل السنة،
فكذبهم مكشوف والحمد لله.
5- قول الحافظ ابن حجر العسقلاني عن حديث النزول:
ومنهم من أجراه على ما ورد مؤمنا به على طريق الإجمال
(((منزها الله تعالى عن الكيفية والتشبيه وهم جمهور السلف)))،
ونقله البيهقي، وغيره عن الأئمة الأربعة والسفيانين والحمادين والأوزاعي والليث وغيرهم.انتهى
فهذا نص صريح عن السلف أنهم “نزّهوا الله” عن الكيف،
والتنزه في اللغة يعني التقدُّس والتطهّر من كذا، فالحق واضح.
6- إقرار النووي والإمام السيوطي للإجماع الذي نقله القاضي عياض على تحريم التكييف،
وهذا يدل على أنه إجماع معتبر حق.
7- وهي القاضية، قول إمامهم المحبوب ابن عبد البر في التمهيد عند ذكر حديث النزول:
” ليس نزوله بذاته بشىء “عند أهل الفهم” من أهل السنة لأن هذا كيفية.”انتهى
فظهر أنهم ليسوا من أهل السنة ولا من أهل الفهم
وقد أسفر الصبح لذي عينين والحمد لله أن قدّرنا على إتمام هذا الرد الذي لا يترك لهم شبهة واحدة.
والله تعالى أعلم وأحكم
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website