الحَمْدُ لِلَّه خَالِقِ الأَكْوَانِ، المَوْجُودِ أَزَلاً وَأَبَداً بِلا مَكَان، الدَّائم الباَقِي الَّذِي تَنَزَّهَ عنِ التَّغَيُّر وَالتَّطَوُّرِ والعُيوب والنُّقصَان، سُبْحانه ليس كمِثله شيء وهو السَّميع البصير. وصلّى الله على حبيب قلوبنا سيّدنا محمَّدٍ وعلى ءاله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً على مرِّ العُصور والأزْمان. أمَّا بعد،
أيُّها المُسْلِمون،
احذروا من فرقةٍ ضالّةٍ اتَّخَذَتْ من التَّجسيم والتَّشبيه ديناً ومن الطَّعْنِ بالنَّبيِّ وبالصَّالحين سبيلاً ومن تكفير المسلمين بنسبتهم إلى الإشراك مذهباً. فَأعْرضَتْ عن طاعة الله ورسوله واتَّبَعَتْ غيرَ سبيل المؤمنين. إنَّها فِرْقَة “الوَهَّـابِـيـَّة” الذي أنشأ دعوتها منذ 250 سنة رجلٌ من نَجْد الحِجاز يُقال له محمَّد بن عبد الوهَّاب وتبعه على ذلك بعض الغَوْغاء مِنَ الـمَفْتونِين فرَوَّجوا لِفِتنتِه وكان بسبَبِ ما سُخِّرَتْ لَها مِن وَسائلَ وجِهاتٍ مَأْجُورة أَنْ بَلَغَ شَرُّها العَدِيد من بلاد المسلمين فاشتعلت نار الفتنة وظهر خُطَباءُ السُّوء وعَمَّتِ البلِيَّة. وَقَدْ حَذَّرَنا رسول الله صلّى الله عليْه وسلّم من فتنة هذا الرَّجُل لمَّا ذُكِرَ له ناحِيَة نَجْدِ الْحِجَازِ لِيَدْعُوَ لـها بالبركَةِ فلم يُجِبْهم لِذَلِكَ وَقَال : (مِنْها يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَان) أي قُوَّةُ فِتْنَتِهِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
وَهَذِهِ الطَّائفَة اتَّخَذَتْ لِنَفْسِهَا تَسْمِياتٍ أُخْرى مُزَوَّرَة بِغَرَضِ التَّمْوِيه على النَّاس مِثْل “السَّــلَــفِيَّــة” وَ”أنْصــار السُّــنَّــة” وَغَيْر ذَلِك.
وَليُعْلَمَ أَنَّ مُحَمَّد بن عبد الوهَّاب الَّذي ظهر في القرن الثَّاني عشر الهِجْرِيّ كَانَ مُتَّبِعاً لِسلفه في التَّشبيه والتَّشْويش على المسلمين الشَّاذَّ ابن تيمية المُخالفَ لأهل السُّنَّة والجَماعَة بل وزاد عليه سَخَافَةً وَقُبْحاً وَوَقَاحَةً. وَيذكُرُ أَهْلُ العِلمِ أنَّ مُحَمَّد بن عبد الوَهَّاب كان عاقّاً لِوالدِهِ الشَّيخ عبد الوهَّاب بن سليمان الذي كان غضْبانَ عليه وكان يتفرَّسُ فيهِ ويقولُ للناَّس : يا ما تَرَوْنَ مِنْ مُحَمَّدٍ مِنَ الشَّرِّ. فقَدَّرَ الله أن صار ما صار. وكذلك تبرَّأَ مِنْهُ أَخُوهُ الشَّيخ سليْمانُ الَّذي كان مِنْ أهْلِ العِلْمِ وكانَ يُنْكِرُ عَلَيْهِ إنْكاراً شَدِيداً في كلِّ ما يفْعَلُهُ أو يَأْمُرُ بِه وَردَّ عَلَيْهِ ردّاً جَيِّداً بالآياتِ والآثار وسمّى رَدَّهُ على أخِيه “فَصْل الخِطَابِ فِي الرَّدِّ عَلى مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَهَّاب”. وَكانَ يُصَرِّحُ بتَكْفيرِ الأُمَّة وَيُسَمِّي المُسْلِمين مُشْرِكِين وَيَسْتَحِلُّ دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ فَتسَلَّطَ على أَهْلِ البَوَادِي وَصارُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ مَنْ لمْ يَعْتَقِدْ ما قاله ابنُ عَبْد الوَهَّاب فَهُوَ كَافرٌ مُشْرِكٌ مَهْدُور الدَّمِ والمالِ. وَلِذَلِكَ أرْسَلَ منْ يَقْتُلُ أخاهُ الشَّيخ سُلَيْمان وَيغْتالُه لأنَّه كانَ مُنافِياً لهُ في دَعْوَتِهِ لكن سلَّمَهُ الله مِنْ شَرِّهِ وَمكْرِهِ.
وَمِنْ قَبائحِهِ أنَّهُ كان يُكَفِّرُ المُتَوَسِّلين بالأنبياء والأوْلياء والمُتَبَرِّكين بآثارِهِمْ وكان يقول بتَكْفيرِ منْ يَقُول : “يَا مُحَمَّد” بعْدَ وَفاتِهِ صلّى الله عليْه وسلّم. وَكَانَ يَنْهى عَنِ الصَّلاةِ على النَّبِيِّ وَكَانَ يَتَأَذَّى مِن سَماعِها وَيَنْهَى عَنِ الجَهْرِ بِهَا على المَنَائِرِ وَيُؤْذِي منْ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَيُعاقِبُهُ أشَدَّ العِقاب وَرُبَّما قَتَلَهُ. وَكَانَ يَقُول : إنَّ الرَّبابةَ فِي بيْتِ الزَّانِية أقَلُّ إثْماً مِمَّن يُنادي بالصَّلاةِ على النَّبِيِّ على المنائر. وَيُلبِسُ على أتْباعِهِ بِأنَّ ذَلِكَ كُلّه مُحافَظَة على التَّوْحيد. وكان يَنْتَقِصُ مِنَ النَّبِيِّ هُوَ وَجَماعَتُه وَقَدْ قالَ قائلُهُمْ فِي حَضْرَتِهِ : عَصايَ هَذِهِ خَيِرٌ مِنْ مُحَمَّد لأَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِهَا في قَتْلِ الحَيَّة وَنَحْوِهَا وَأَمَّا مُحَمَّد فقَدْ مَاتَ وَلمْ يَبْقَ فِيه نَفْعٌ أصْلاً. وَكَانَ قَدْ أَحْرَقَ كَثِيراً مِنْ كُتُبِ الفِقْهِ والتَّفْسير وَالحَدِيث مِمَّا هُوَ مُخالِفٌ لأباطيلهِ. ومِنْ قَبائحِه أيضاً أنَّهُ مَنَعَ قراءةَ المَوْلِد الشَّريف ومنعَ النَّاسَ مِنْ زِيارةِ قَبْرِ النَّبِيِّ صلّى الله عليْه وسلّم.
وَمِنْ أَعْظم جرائمه وأتْباعهِ قَتْلهم النَّاس حِينَ دَخَلوا الطَّائف قتْلاً عامّاً حَتَّى استَأْصَلُوا الكَبير والصَّغِير وَصارُوا يَذْبَحُونَ على صَدْرِ الأُمِّ طِفْلَهَا الرَّضِيع وَقَتَلُوا الرَّجُلَ في المَسْجِدِ وَهُوَ رَاكِعٌ أَوْ سَاجِد حَتَّى أَفْنَوْا المُسْلِمِين في ذَلِكَ البَلَد وَنَهَبُوا الأمْوَالَ والنُّقُود وطَرَحوا المصاحِفَ ونُسَخَ البُخاريِّ وَمُسْلِم وبقِيَّة كتب الفقْه والحَديث في الأزِقَّة وَهُمْ يَدُوسُونَهَا بِأرْجُلِهمْ. وَمِنْ عَجِيب أمرهم أنَّهُم يمَوِّهُونَ على النَّاس بٍدَعْوى تَوْحِيدِ الله فَيُكَفِّرونَ منْ قالَ لا إله إلاَّ الله مُحمَّد رسول الله مِمَّنْ لم يكُنْ على شاكِلَتِهِمْ لأنَّهُ يَتَوَسَّلُ بِالنَّبِيِّ الأَمْر الَّذي يعْتَبِرُونهُ شِرْكاً مَعَ أنَّهُمْ يُفْصِحُونَ عَنِ اسْتِوَاءِ اللهِ عَلى العَرْشِ بِمِثْلِ الجُلُوسِ وَ يُثْبِتُونَ لَهُ اليَدَ وَالوَجْهَ بِمَعْنى الجَارِحة وَيُثْبِتُونَ لَهُ الجِهَةَ وَيَدَّعُونَ أنَّ نُزُولَهُ إلى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حَقِيقِيٌّ أَيْ بِذَاتِهِ فَيُجَسِّمُونَهُ تَعَالَى عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُون عُلُوّاً كَبِيراً. فَأَيْنَ تَنْزِيه الله تعالى بعد جَعْلِهِ جِسْماً يَشْتَرِكُ فِيهِ مَعَهُ حَتَّى أخَسّ المَخْلُوقَات.
وَلَدى التَّتَبُّعِ لِكُتُبِ دُعَاتِهِمْ وبعد الاستِقْراء والبحْثِ معهُم يَتبيَّن لِكُلِّ ذِي بَصِيرَةٍ بِشَكْلٍ واضِحٍ أنَّهُم فَرْعٌ جَديد من فرُوع الحَشَوِيَّة المُجَسِّمَة. فَهُم يجْعَلُون الله تَعالى جِسْماً محْدُوداً شَبيهاً بِالمَخْلوقين، ويُثْبِتُون لَهُ الأعْضَاء والجوارِح وَالسُّكون وَالصُّعُود والهُبوط وَالقُعُود وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ مَعَاني البَشَرِ.
ويذكر أهل العلم ممّن أرّخ في ذكر الوهابية (انظر كتاب مفتي مكة في زمانه الشيخ السيد أحمد بن زيني دحلان) أنّ عساكر المسلمين قدمت من مصر بأمر الوالي فكسرت شوكة الوهابيين وقضت عليهم وأجلتهم عن الحرمين ثمّ خربت بلادهم وأراحت المسلمين من شرهم وذلك عام 1233 هـ كما أشار إلى ذلك الفقيه الحنفيّ الشّهير وقد ذكر مثل ذلك ابن عابدين في حاشيته على الدّرّ المختار (ج4/ص262) تحت عنوان : “مطلبٌ في أتباع ابن عبد الوهّاب الخوارج في زماننا”. ثمّ عادت فتنتهم من جديد مع أوائل هذا العصر بتأييد من دوائر المؤامرات لاستكمال البرنامج الّذي أعدّته لتخريب بلاد المسلمين وما زالت فتنتهم قائمة حتّى يومنا هذا. نسأل الله أن يسلّم المسلمين منها.
وَلَقَدْ كَانَ من نتيجة عمل هذه الطَّائفة القائم على الدَّعوة الفاسدة والمدعوم بالأموال الطَّائلة تفريق كلمة المسلمين وبثّ عقائدَ فاسدةٍ وانتشار أتباعٍ ضلُّوا وَأضَلُّوا فصرَّحوا بالتشبيه لِزَيْغِ قلوبهم عن الحقّ واتّباعِهم للمتشابه ابتغاء الفتْنة والميل الفاسد وصار في بعض البلاد يتجرَّأ الأبناء الذين تتلمذوا عندهم أن يقولوا لآبائهم وأمّهاتهم : “نحن أولاد الزنى لأنكم ولدتمونا على الشرك”. وقد تجرّأ بعضهم على محاولة قتل أبيه لأنّه ممّن يتوسّل بالنّبيّ صلّى الله عليْه وسلّم.
وفيما يلي نذكر بعضاً من هؤلاء المفتونين مع بيان بعض مقالاتهم الفاسدة والرّدّ عليها بإيجاز بما ورد عن علماء أهل السُّنَّة :
1 – يقول أحد رؤوس الوهّابية عبد العزيز بن باز في كتاب سمَّاه “تنبيهات هامّة على ما كتبه الشيخ محمَّد علي الصّابوني في صفات الله عزّ وجلّ” : ثمّ ذكر الصابونيّ هداه الله تنزيه الله سبحانه عن الجسم والحدقة والصماخ واللسان والحنجرة وهذا ليس بمذهب أهل السّنّة.اهـ
انظر كيف ينكرون على أهل السّنّة تنزيه الله عن الجسم وصفات البشر لأنهم كحال زعيمهم محمد بن عبد الوهاب وسلفه ابن تيمية، مجسّمة مُشَبِّهَةٌ يزعمون لله الصورة والقعود على العرش ويقولون إنّ كلامه صوت وحرف والعياذ بالله تعالى.
وقد صرّح أيضاً العثيمين بذلك في كتابه المسمّى زوراً “عقيدة أهل السّنّة” قائلاً : “إنّ لله عينين حقيقيَّتَيْن” وقد قال قائلهم في رسالة له للحصول على الدكتوراه في جامعاتهم (إنّ الله يضع قدمه في النار لكنها لا تحترق).
أمّا أهل السنّة والجماعة فيتمسّكون بقوله تعالى {ليس كمثله شيء} وبقول الأئمّة (مهما تصورت ببالك فالله بخلاف ذلك) وقول الإمام الطَّحاوِيّ (وَمَنْ وَصَفَ الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر) – اطلب أقوال علماء أهل السنة في تنزيه الله عن المكان ومشابهة المخلوقين من مراكز أهل السنة في فرنس.
2- من أباطيلهم أنهم يزعمون التحيّز لله تعالى في السّماء وأحيانا يقولون بنسبة القعود له على العرش. من هؤلاء ابن باز الذي قال في مجلة الحج عدد جمادى الأولى 1415 هـ ص 73 و74 يقول “إنّ الله سبحانه وتعالى مستو على عرشه بذاته” وقول زعيمهم ابن تيمية “إنّ الله يجلس على الكرسيّ وقد أخلى منه مكانا يقعد فيه معه رسول الله” ثم يُخطِّئ ابن باز الحافظ ابن حجر عند تعليقه على كتابه فتح الباري لقوله إن أهل السنّة متفقون على أن الله تعالى موجود بلا مكان. أما المدعو ناصر الألباني فيشبِّه الله تعالى بالقبة المحيطة بالشئ مفسّراً إحاطة الله بكل شئ بالإحاطة الحسيّة بالعالم وذلك في كتابه المسمّى صحيح الترغيب والترهيب للحافظ المنذري.
أما أهل السنة فيقولون إن الله موجود بلا مكان ويستدلّون لذلك بقول النبيّ صلّى الله عليْه وسلّم ((كان الله ولم يكن شيء غيره)) وقول سيّدنا علي رضي الله عنه (كان الله ولا مكان وهو الآن على ما عليه كان) وقول الطحاوي (تعالى عن الحدود والغايات والأركان والأعضاء والأدوات ولا تحويه الجهات الستّ كسائر المبتدعات) ولا مجال هنا لسرد الأدلة مطولاً.
3- ومن مزاعمهم الباطلة إنكار التأويل على أهل السنة في الآيات المتشابهة ويزعمون أنه ليس أحد من السلف قد أوّل بل حمل المتشابه على ظاهره كما قال أبو بكر الجزائري في كتابه المسمّى “منهاج المسلم” وكما قال المدعو محمد جميل زينو في ما يسمّى “منهاج الفرقة الناجية والطائفة المنصورة” ص 8 “التأويل هو صرف ظاهر الآيات والأحاديث الصحيحة إلى معنى ءاخر باطل“.
الردّ على هذا البهتان هو أنّ علماء أهل السنة أوّلوا ومن بينهم بعض السلف كابن عبّاس وأحمد بن حنبل ومالك بن أنس ومجاهد والبخاري فمثلا يقول البخاري في صحيحه عند تفسير سورة القصص في قوله تعالى {كُلُّ شَئٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ} قال (إِلاَّ مُلْكَهُ) ويقول أحمد بن حنبل في قوله تعالى {وَجَاءَ رَبُّكَ} جاءت قدرته (أي أثر من آثار قدرته). ويُكَذّبهم أيضا حديث النبيّ صلّى الله عليْه وسلّم في دعائه لابن عباس (اللّهم علِّمه الحكمة وتأويل الكتاب) رواه ابن ماجه.
– 4 يُكفِّر محمد بن عبد الوهّاب وأتباعه من بعده من يقول يا محمد بعد وفاته صلّى الله عليْه وسلّم ويعتبرون ذلك شركاً وعبادة لغير الله.
الردّ على هذا الضلال هو أنّ الصحابي الجليل عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال عندما خدرت رِجْلُه (أي أصابها مرض) : يَا مُحَمَّد فذهب خدر رجله كأنما نشط من عقال. روى ذلك البخاري في الأدب المفرد وابن السنّيّ والنووي وغيرهم حتى ابن تيمية استحسنه أيضاً في كتابه الكلم الطيب (ص120) وبذلك يتضح تكفير الوهابية لابن عمر والبخاري والنووي بل ولزعيمهم ابن تيمية الذين يسمونه مع ذلك كَذِباً شيخ الإسلام. أليس هذا تناقض وتعارض وتذبذب!!
5 – الوهّابية يُكفِّرون المـتوسِّلين بالأنبياء والأولياء والصالحين وكذا المتبرّكين بآثارهم الشريفة. يقول أحد خلفائهم محمد أحمد باشميل في كتابه المسمى “كيف نفهم التوحيد” (ص 16) “عجيب وغريب أن يكون أبو جهل وأبو لهب أكثر توحيداً لله وأخلص إيماناً به من المسلمين الذين يتوسلون بالأولياء والصالحين ويستشفعون بهم إلى الله” اهـ. ويقول المدعو عبد الرحمن آل الشيخ حفيد محمد ابن عبد الوهاب في كتابه المسمى “فتح المجيد” بتكفير أهل مصر وأهل الشام وأهل اليمن وأهل العراق وغيرها من البلاد الإسلامية لعبادتهم قبور الصالحين على زعمه.
الردّ الناقض لدعواهم الكاشف لزيغهم هو أنّ النبيّ صلّى الله عليْه وسلّم مُعَلِّمَ النّاسِ الهدى، علَّم التوسّل للرجل الأعمى وقصته مشهورة وفيه (اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيّك محمّدٍ نبيِّ الرحمة يَـا محمّد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي لتقضى لي، إلى آخر الحديث) رواه الطبراني والبيهقي وابن حجر والترمذيّ والحاكم والذّهبيّ وذكره ابن كثير في البداية والنهاية وغيرهم.
فانظر أيها المنصف وتبصّر كيف كفّروا المسلمين قاطبة وكيف دافعوا عن أبي جهل وأبي لهب وجعلوهما من الموحّدين المؤمنبن وقد كانا من أشدّ الناس عداوة لله ولرسوله صلّى الله عليْه وسلّم.
– 6 يقولون بتحريم السفر بقصد زيارة قبر النبيّ صلّى الله عليْه وسلّم راجع الكتاب المسمى “فتاوى إسلامية” لابن باز والعثيمين والجبرين (ص 97)، وعلى مثل ذلك كان زعيمهم ابن عبد الوهاب ومعلّمهم الأول ابن تيمية.
أما أهل السنة من علماء وحفاظ ومحدثين وفقهاء من المذاهب الأربعة وعامة المسلمين فمتفقون على جواز ذلك بل هو من أعظم القربات إلى الله تعالى. يقول النبي صلّى الله عليْه وسلّم ((من زار قبري وجبت له شفاعتي)) رواه الدارقطني ويقول عليه الصلاة والسلام ((ليَهبِطنَّ عيسى بن مريم حَكَماً مُقْسطاً، وَلَيَسلُكَنَّ فَجّاً حاجّاً أو معتمراً، وليَأتِيَنَّ قبري حتى يسلِّمَ عليَّ، ولأردنَّ عليه)) صححه الحاكم ووافقه الذهبي. وقد شنّع علماء الإسلام على ابن تيمية لفتواه الفاسدة بمنع الزيارة كالحافظ السبكي في كتابه شفاء السقام في زيارة خير الأنام والحافظ ابن حجر الذي قال : “وهذا من أبشع المسائل المنسوبة إليه (أي ابن تيمية)”. وقد ردّ الذهبي على ابن تيمية أيضا وبيّن مشروعيّة السفر بقصد الزّيارة في كتابه سير أعلام النبلاء (ج 1 – ص 484 – 485).
– 7 يقولون بتحريم عمل المولد النبوي الشريف كما أفتى ابن باز والعثيمين والجبرين في الكتاب المسمى “فتاوى إسلامية” (ص 47) وقال داعيتهم أبو بكر الجزائري : إنّ الذبيحة التي تذبح لإطعام الناس في المولد أحرم من الخنزير -قالها في “درس” في المسجد النبوي-.
ردُّ أهل الحقّ على وقاحتهم وسوء أدبهم وجرأتهم في الباطل هو أنّ عمل المولد بدعة حسنة (كما أنّ اجتماع الناس خلف قارئ واحد في تراويح رمضان بدعة حسنة استحدثها سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال عنها : نعمت البدعة هذه. رواه الإمام مالك في الموطّأ) ودرج المسلمون على عمل المولد النبوي الشريف منذ القرن السادس الهجري وقد استحسن ذلك علماء الإسلام في كل البلاد الإسلامية وأجاب الحافظ ابن حجر والحافظ السيوطي والسخاوي بجواز ذلك لما فيه من إظهار البِشر والفرح بولادته عليه الصلاة والسلام وجمعِ الناس على قراءة القرءان وشئ من سيرته ووعظهم وعمل المدائح المحركة للقلوب في حبه صلّى الله عليْه وسلّم وحب أصحابه وحث الهمم للعمل للدين.
ومن العجيب أنهم يحرمون على المسلمين الاحتفال بمولد النبيّ في حين أنهم يقيمون الاحتفالات والندوات لتدارس سيرة زعيمهم محمد بن عبد الوهاب في ذكرى مولده !! كما أشار إليه الدكتور محمّد سعيد رمضان البوطي في كتابه : “هذا والدي”. وهم بتحريمهم لعمل المولد اعترضوا على زعيمهم الأول ابن تيمية وضلّلوه (وهم بعد ذلك يسمونه زوراً شيخ الإسلام)، إذ يقول ابن تيمية في كتابه المسمى اقتضاء الصراط المستقيم (ص 297) : فتعظيم المولد واتخاذه موسما، قد يفعله بعض الناس ويكون له فيه أجر عظيم لحسن قصده وتعظيمه لرسول الله حبه صلّى الله عليْه وسلّم ” اهـ.
– 8 الوهابية يُحرِّمون الصلاة على النبي جهراً بعد الأذان ويزعمون أنّ فاعلها يُقتل كما تجرّأ وتعدّى على حدود الله زعيمهم ابن عبد الوهاب مع مؤذن أعمى حسَنِ الصوت كان صلّى على النبي جهراً بعد الأذان فأمر بقتله (روى ذلك مفتي الشافعية في مكة المكرمة أحمد بن زيني دحلان) وحدث في دمشق في مسجد الدقاق منذ أكثر من أربعين سنة أنّ أحد أتباع ناصر الألباني من الوهابية اعترض على المؤذن السنّيّ لأنّه جهر بالصلاة على النبيّ بعد الأذان وقال له والعياذ بالله من سوء المقال ومن سوء الحال : هذا حرام، هذا كالذي ينكح أمّه. فحصل ضرب وشجار في المسجد ثم رُفع الأمر إلى مفتي سوريا أبو اليسر عابدين فنَهى الـمُسمَّى ناصر الألباني وجماعته من التدريس وهدّده بالنفي من سوريا.
– 9 الوهّابية يحرّمون تعليق الحروز التي فيها شيء من القرءان ويقولون، والعياذ بالله، إنه من أنواع الشرك. هذه الفتوى التي ما أنزل الله بها من سلطان موجودة في الكتاب المسمّى “فتاوى إسلامية” لابن باز والعثيمين والجبرين (ص27).
ردّ أهل السنة على هذه الأباطيل هو أنّ تعليق الحروز التي فيها شيء من القرءان جائز بدليل أنّ الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يعلّقونها على أولادهم. وفي كتاب “العلل ومعرفة الرجال” وهو كتاب مسائل عن الإمام أحمد جمعها ابنه عبد الله، (ص 278-279) : قال عبد الله : حدّثني أبي (أي الإمام أحمد) عن الشعبيّ قال : لا بأس بالتعويذ من القرءان يُعلَّق على الإنسان. اهـ.
– 10 ومن شذوذهم قولهم بإنكار نبوّة ءادم وشيث وإدريس عليهم السلام. قال ذلك زعيمهم محمد بن عبد الوهاب في كتابه المسمى الأصول الثلاثة (ص 15) فزعم أن أول الرسل والأنبياء نوح عليه السلام. وقال مثل ذلك أحد دعاة طائفتهم المدعوّ أبو بكر الجزائريّ في كتابه الّذي سمّاه زوراً “منهاج المسلم” وهو في الحقيقة ضدّ منهاج المسلم.
ردّ أهل السنة مأخوذ من القرءان قوله تعالى {إنّ الله اصطفى ءادم} والأحاديث الواردة عن رسول الله في صحيح ابن حبان والبيهقي في الدلائل وابن حجر في الفتح وغيرهم. ومن الأدلّة أيضاً اجماع الأمّة على ذلك كما نقله ابن حزم في مراتب الإجماع فقال : (إنّ المخالف في ذلك متّفق على كفره)ا.هـ.
– 11 ومن شذوذهم عن عقيدة المسلمين أيضاً موافقتهم لرأي شيخهم الأوّل ابن تيمية القائل بفناء النار وانقطاع العذاب عن الكفار في الآخرة. كما نقل عنه تلميذه ابن القيّم في كتابه مراح الأرواح وهذا لا يخفى أنّه تكذيب للقرآن لقوله تعالى {إنّ الله لعن الكافرين وأعدّ لهم سعيراً خالدين فيها أبداً لا يجدون وليّاً ولا نصيراً}.
– 12 وأمّا موقفهم من المذاهب الإسلامية والطّرق الصّوفيّة منهم يقولون بذمّ التّصرّف وأهله ويحرّمون طرق أهل الله ويعتبرونها بدعة ضلالة فيقول ابن باز في كتابه المسمّى (فتاوي إسلاميّة ص 162) : (ونحذّر ممّا أحدث أهل الطّرق من تصوّف مدخوله أوراد مبتدعة وأذكار غير مشروعة وأدعية فيها شرك بالله أو ما هو ذريعة إليه) ويقول المدعوّ علي بن محمّد بن سنان في ما يسمّى “المجموع المفيد من عقيدة التّوحيد” ص55 يقول : (أيّها المسلمون لا ينفع إسلامكم إلاّ إذا أعلنتم الحرب الشّعواء على هذه الطّرق)ا.هـ. ولذلك يسخرون بالسّيّد أحمد البدويّ وبالسّيّد الرّفاعيّ وغيرهم. بل وامتدّت أياديهم الأثيمة لهدم مقامقت الصّالحين. وأمّا عن المذاهب الإسلاميّة فيدعون النّاس للخروج عن المذهبيّة بدعوى السّلفيّة ويقولون أيضاً إنّ تقليد المذاهب شرك. والقصد في هذا كلّه الطّعن بالمشايخ وعلماء المسلمين وتشكيك النّاس بهم والدّعوة إلى اتّباع الهوى والغلوّ والخروج عن الدّين.
هذا غيض من فيض والكلام عن المخالفات والضلالات التي جاءت بها الوهابية طويل لا مجال لحصره هنا ونذكر بعض تلك المخالفات على سبيل السرد ولنا بيانات أخرى حول كل موضوع في المستقبل إن شاء الله. من ذلك : تحريمهم قراءة القرءان على الميت المسلم، تحريمهم تلقين الميت المسلم، تحريمهم للتسبيح بالسبحة، تحريم الألباني لبس الذهب المحلّق على النّساء كالخاتم والعقد وتحريم الألباني الوضوء بأكثر من مُدّ أي ملء كفّين معتدلتين. كما يحرّم الألبانيّ قيام رمضان بأكثر من 13 ركعة ودعا أيضاً لهدم القبّة الخضراء. هذا ويحرّم الوهابية قبحهم الله قول لا إله إلا الله عند حمل جنازة الميت المسلم لدفنه.
وقبل أن نختم نبيّن لك أيّها القارئ يا من تشتاق لمعرفة الحقّ وندعوك للتّساؤل معنا : كيف تبنّى بعض فئات حزب الإخوان (إن لم نقل كلّهم) كأمثال المولويّ والغنّوشيّ والقرضاويّ وغيرهم مواقف التّأييد والدّعم للحركة الوهّابيّة في حين أنّ زعماء الوهّابيّة يصرّحون بتكفير رموز “الإخوان” وتضليلهم !؟ ففي مجلة المجلّة الناطقة باسم الوهابية العدد830 بتاريخ 7-13/01/1996 (ص 10 و11) : تأييداً لفتوى ابن باز في تكفير حزب الإخوان يقولون : “إن مرشد الإخوان السابق عمر التلمساني من الدعاة إلى الشرك ومثله الشيخ حسن البنا لأنه كان صوفياً من أهل الطريقة الشاذلية وكذلك سعيد حوّى “الداعي المشهور” لأنه مدح الطريقة الرِّفاعيّة وكذلك مصطفى السباعي”. ويقول ابن باز شيخ الوهابية لمجلة المجلّة السعودية عدد 806 بتاريخ 23-29/07/1995 : “الإخوان المسلمون لا يعتقدون العقيدة الصحيحة (وذلك لأنهم لا يعتقدون عقيدة الوهابية)”.
أليس هذا مدعاة للاستغراب والتعجّب !! بلى. لكن من أراد أن يفهم سيؤدّي به البحث إلى حقيقة واضحة صريحة وهي أنّ هؤلاء “القطبيين” بعيدون عن العلم بل وجريئون أيضاً في الباطل ويجمعهم مع الوهّابيّة التّخبّط والجهل والتّكبّر على الحقّ والشّذوذ عن منهج أهل السنة والجماعة وحبّ المال وشهوة السلطة والحكم.
ونسجّل موقفنا لكلّ ذي بصيرة أننا نلتزم منهج الاعتدال بل وننكر على الفئات القطبيّة المتطرّفة التي نهجت منهج سيد قطب المكفر للبشرية بجملتها بما فيهم المؤذنين الذين يرددون على المآذن كلمات لا اله إلا الله والتي تسببت ببث الخراب في بلاد المسلمين بدعوى الجهاد كما يزعمون.
وإليك يا من رميت نفسك في ركاب الدعوة القطبية ونزعت نزعة الدفاع عن الوهابية الحقيقة التالية وهي أن الوهابية أيضاً يكفرون المدعوّ سيد قطب كما صرّح أحد دعاتها واسمه عبدالله بن محمّد الدّويش في كتابه المسمّى “المورد الزلال في الردّ على الظِّلال” (ص 315) .
وأخيراً وليس آخراً نذكرُ وبدون تعليق الأمور التالية :
– ما قاله ابن باز في كتابه المسمى “الرسائل والفتاوى النسائيّة” (ص 29-41) يقول : إنّه من الواجب قفل باب تعليم النساء للذكور ولو في المرحلة الإبتدائية. اهـ.
– ونذكر أيضاً ما نقلته مجلة الكفاح العربي العدد904 بتاريخ 27/11/1995 أن الشيخ الدكتاتور ابن باز يُكَفِّر من يقول إنّ الأرض تدور وأنّه يجب قتله لأنه ضال ومرتدّ !!
– وهذا الألباني يوجب على أهل فلسطين المسلمين الخروج منها (مجلّة اللواء الأردنية بتاريخ 17/07/ 1992 ص16)، ويقول بتحريم زيارة الأحياء للأموات يوم العيد بدعوى أنها بدعة قبيحة ويقول بتحريم زيارة الأحياء للأحياء يوم العيد وإنّه ليس من السنة في شئ بل يزعم أنّ هذا من البدع.
المصادر والوثائق:
صحيح البخاري : تفسير سورة القصص، الإمام البخاري
الأدب المفرد، الإمام البخاري
شفاء السقام في زيارة خير الأنام، الحافظ تقي الدين السبكي
الموطّأ، الإمام مالك
العلل ومعرفة الرجال، للإمام أحمد
السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة لمفتي الحنابلة في مكة المكرمة الشيخ محمد بن عبدالله ابن حميد الحنبلي المتوفى سنة 1295 هـ.
فصل الخطاب في الرد على محمد بن عبد الوهاب، للشيخ سليمان بن عبد الوهاب
حاشية رد المحتار على الدر المختار لابن عابدين (ج4/ص262)
الدولة العثمانية من كتاب الفتوحات الأسلامية لمفتي الشافعية في مكة المكرمة الشيخ السيد أحمد بن زيني دحلان (ج2/ص229)
روضة المحتاجين لمعرفة قواعد الدين للشيخ رضوان العدل بيبرس الشافعي من علماء الأزهر الشريف
الدليل الكافي في الرد على الوهابي للشيخ مصباح بن أحمد شبقلو
المقالات الوفية في الرد على الوهابية للشيخ حسن بن حسن خزبك الشافعي
الميزان العدل لتمييز الحق من الباطل للشيخ عبد القادر عيسى دياب
الفجر الصادق في الرد على منكري التوسل والكرامات والخوارق لعلامة العراق حضرة جميل أفندي صدقي الزهاوي طبع بمطبعة الواعظ بمصر سنة 1323 هـ
اتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد الأمان لأحمد بن أبي الضياف التونسي (ج3/ص85)
أمراء البلد الحرام لمفتي الشافعية في مكة المكرمة
الشهب المرمية على مدعي السلفية للسيد أحمد غنام الرشيد من الكويت
هذا والدي للدكتور محمد سعيد رمضان البوطي
المعييار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى أهل إفريقية والأندلس والمغرب للشيخ أبي العباس أحمد بن يحيى الونشريسي
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website