كثافة الزيارات المبرمجة لشخصيات دينية سعودية الى مشيخة الأزهر بعد الثورة تشي بدينامية من نوع ما، لا تمت بصلة الى مبادئ الاعتدال والانفتاح والتسامح، إذ لا أثر سابقاً في مراجعة فكرية أو فقهية وهابية تؤصّل لتحوّل جوهري في النظرة إزاء الآخر، والأزهر على وجه الخصوص..لم يصدر عن المؤسسة الدينية الرسمية في السعودية في هيئاتها العليا والدنيا ما يفيد بتخل عن الذات الوهابية أو توافق مع الفعل الأزهري..سوى، بطبيعة الحال، حفلة المجاملات الممجوجة.
ثمة عوامل ساعدت السعودية على الدخول الى حرم الأزهر، من بينها: وجود عدد من علماء الأزهر في الجامعات السعـودية وخـضوعهم تحـت تأثير المنهج الوهابي، تراخى الأزهر إزاء نشاط التيار الوهابي داخل الأزهر، حيث شكّل «جماعة النور» الطلابية، وأصبح له حصة وازنة في هيئة التدريس الأزهرية، يضاف الى ذلك عامل النشر للكتب الوهابية، فتوزيع كتب إبن تيمـية وإبن القيم في المجال العلمي الأزهري، تكاد تفوق كتب أتباع الإمام الشافعي أو الإمامين الأشعري والماتريدي للأسف
إن ما هو بيّن لنا اليوم، أن الانفتاح على الأزهر لا يعكس تحوّلاً في العقل السياسي أو الديني السعودي، فهو أشبه ما يكون بالمنطيق، على حد نيتشه، الذي يحاول تقليد غريمه في كل شيء، في محاولة لشّله عن الحركة، وهو ما تحاول السعودية، عبر انفتاحها على الأزهر، لجهة تبديل هويته وتاريخه وخطابه وأهدافه.. شيء واحد أثبتته السعودية، كما أثبت سقراط لنيتشه، أنها تملك قدرة فريدة على الفتنة.. هي تتجه نحو الرمز لتقحمه في لعبها مع خصومها.
في نظرة على الأعوام السابقة, استقبل شيخ الأزهر السابق أحمد الطيب وزير الأوقاف السعودي صالح بن عبد العزيز آل الشيخ، وما لفت في ختام اللقاء مفردات غير معهودة وردت في بيان منسوب الى مشيخة الأزهر. فقد أعلن رئيس المكتب الفني لشيخ الأزهر، حسن الشافعي، أنه تمّ (التفاهم بين علماء أهل السنة لتقوية الموقف الإسلامي، وخاصةً بين أهل السنة والجماعة، والتصدي لأية محاولاتٍ تهدف إلى المساس بالمجتمعات الإسلامية السنية تحت أي شعارٍ مخالف). تكرار مفردة (السنّة) بطريقة تغذي ذعراً مفتعلاً، نبّه الى بعض صوره عالم الاجتماع المصري سعد الدين ابراهيم في مقالته (لماذا يتصرف المسلمون السنّة كأنهم أقلية مذعورة؟). ولكن بالنسبة للطرف الوهابي السعودي، تستهدف المفردة قطيعة مع الآخر، وقطعاً مع الماضي الأزهري التقريبي، وشحن غريزة «المصارعة» في المجال الإسلامي.
وبخلاف المواقف الأكثر شيوعاً للوهابية السعودية من الأزهر، صرحاً ونهجاً، فإن الوزير آل الشيخ لم يتلعثم وهو يبوح بنقيض خلفيته العقدية بأن «السعودية وعلماءها ينظرون إلى الأزهر على أنه المرجعية الإسلامية الشامخة، وأن رمزية الأزهر لأهل السنة والجماعة لا تقبل المساس أو المزايدة على المستوى الديني والسياسي..»، ولم يغفل تمرير عبارات ذات دلالات خاصة مبيّتة حول دور الشيخ الأزهري في دعم الاسلام السنّي.
في اللقاء الذي جمع شيخ الأزهر وراشد الزهراني، مدير الأكاديمية الإسلامية الحقوقية بالسعودية، في 10 شباط الجاري شدّد الطيب على «وجوب الاهتمام بتوحيد صفوف أهل السنة والجماعة حفاظاً على وحدة الأمة من كل ما يمزق نسيجها، ويشتت شملها». وشدّد الزهراني على مرجعية الأزهر وأنها قلعة «يأوي اليها جمع المسلمين في أنحاء العالم، وفتاواهم وعلومهم مقدّرة عند أهل السنة والجماعة في كل مكان».
ما يطفو على السطح ليس كما يضمره القاع، فثمة إطراء سعودي ماكر محفوف بخديعة الاحتواء والاختراق لمؤسسة الأزهر والعبث بمنظومة إعداداته التاريخية والمعرفية.. ليس بريئاً ترديد المشايخ والمسؤولين السعوديين لمقولة أن الأزهر هو «المرجعية العليا للمسلمين السنّة»، فيما الأدبيات الوهابية تضجّ بعبارات مناقضة لها تماماً. ومن المؤّكد أن ليس لهذا الإطراء طابع تقويمي، فـضلاً عن أن يكون له هدف معياري، فهو ينزع نحو فتـح الطـريق المغلق بين خصمين لدودين. فشيخ الأزهر أحمد الطيب لم يكن على وفاق عقدي مع الوهابية السعـودية،إذ أن عقيدة أهل السنة تنص على أن الله موجود أزلاً و أبداً بلا مكان وأنه ليس جسم متحيز في السماء أو غير السماء, ولديه أفكار يحاربها أنصـار الدعوة الوهابية. ويرى الطيب أن الوهابيين متطرّفون فكرياً، بل له تصريح مشهور بأن «الوهابيين هم خوارج العـصر»، وقال بأن جمـهور المسـمين لم يكونوا على مذهب الوهابية، وأن من يعتبر بطلان الصلاة في مساجد فيها أضرحة، أو يجب هدم القبور، وتقصير الثياب، هم ليسوا من السلف بل هم من «غلاة المنتسبين للحنابلة»، ووصفهم بالتساهل بالتكفير، والتجسيم، وهما «أهم صفتين في هذا المذهب»، ويقصد به من عهد إبن تيمية وحتى عصرنا الحاضر.
ثمة أوضاع جديدة شهدتها مصر عكست نفسها على مؤسسة الأزهر..فحين تتبدّل اللهجة السعودية الاعلامية والدينية والسياسية حيال هذا الصرح، وبصورة مفاجئة، فلا بد أن ثمة دسيسة في مكان ما
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
واللبيب من الإشارة يفهم ..