الأسئلة البسيطة البديهية هي دوما أصعب الأسئلة إجابة، وهذا يرجع في الأساس إلى أننا ننظر لأجوبتها كبديهيات، لا تحتاج منا أن نتوقف ونسألها لأنفسنا، ومن أهم وأبرز الأسئلة، تلك التي تتعلق وترتبط بمستقبلنا الأخروي في نهاية المطاف.
فلو أتينا إلى السؤال الأساسي في هذه التدوينة، وهو هل تحب الرسول محمد صلى الله عليه وسلم؟ أعرف أنك قد تسارع إلى اتهامي بالسذاجة، لطرح سؤال مثل هذا على مسلم يفترض به حب الرسول صلى الله عليه وسلم، بل إنه يسارع دوما إذا تعرض مقام النبي صلى الله عليه وسلم لأدنى تجريح، إلى قول فداك أبي وأمي يا رسول الله، ولا يتوقف عند ذلك، لكنه قد يلصق على سيارته لافتة تقول أيضا فداك أبي وأمي يا رسول الله.
هل بعد كل هذا يتبقى لديك من الجرأة ما يكفي لمجرد طرح مثل هذا السؤال على شخص بلغ في حب الرسول صلى الله عليه وسلم هذا المبلغ!؟، وهنا أسمح لي أن أقول لك إن كل ما قلته يا صديقي جميل، ولكنه يدفعني إلى تغيير سؤالي بعض الشيء من هل تحب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ماذا يعني بالنسبة إليك مفهوم حب الرسول صلى الله عليه وسلم؟
لن يتضح لنا القدر الواجب علينا من حب الرسول صلى الله عليه وسلم إلا إذا قرأنا الحديث الذي يرويه سيدنا عبد الله بن هشام رضي الله عنه عندما قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب، فقال له عمر: يا رسول الله، لأنت أحب إليَّ من كل شيء إلا من نفسي! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا والذي نفسي بيده، حتى أكون أحب إليك من نفسك))، فقال له عمر: فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((الآن يا عمر))؛ رواه البخاري.
هل أدركت الآن معنى حب الرسول صلى الله عليه وسلم، وعرفت أن الأمر ليس مجرد كلمات تقال، هل تأملت في مدى صدق الفاروق عمر رضي الله عنه عندما وضح أن الرسول صلى الله عليه وسلم أحب إليه من كل شيء إلا نفسه، كل شيء يعني المال والأولاد والأم والأب والزوجة والعمل والأصدقاء، مع أن هذا المقدار من الحب ليس بالقدر القليل ولا بالهين لمن يدرك معنى وخطورة وتبعات الكلمات والمشاعر، إلا أن المعصوم صلى الله عليه وسلم وضح له ولنا أن اكتمال الإيمان لا يكون إلا بحبه صلى الله عليه وسلم أكثر من نفوسنا التي بين جنوبنا.
إن فقهنا المعنى العميق لهذا الحوار الذي دار بين الرسول صلى الله عليه وسلم والفاروق عمر رضي الله عنه، لأدركنا أننا نحتاج إلى مراجعة شاملة ومستمرة لمشاعرنا تجاه رسولنا صلى الله عليه وسلم، يجب علينا أن نسأل أنفسنا باستمرار هل راجعت محبتي للرسول صلى الله عليه وسلم اليوم، وأرى أن هذه الحملة التي يجب أن نحملها على أنفسنا، ونستبدلها بمجرد حملة هل صليت على النبي صلى الله عليه وسلم اليوم، فلو وصلنا لدرجة الحب المطلوبة فلن نحتاج إلى من يذكرنا بترديد الصلاة عليه -مع عظم شأن هذا الترديد- فنحن نطمح للأعلى والأسمى، نطمح لمجتمع يقتضي بمن يحب ويتخذه كمثال أعلى ومرجعية لكل تصرف وسلوك.
ولكن، طالما أن الأمر ليس بهذه السهولة، فيجب علينا أن نبحث عن المعينات التي توصلنا إلى هذه الدرجة من الحب، أو تقربنا منها بقدر الإمكان، وأرى أن أول هذه المعينات أن نعرف من هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم ونقرأ سيرته بعناية، ونعرف تفاصيل حياته صلى الله عليه وسلم، فأنا لا أتصور أنك تحب من لا تعرف إلا اسمه وبعض التفاصيل الطفيفة عن حياته، هذا أمر غير منطقي، فيجب أن تدرس حياته بكل مراحلها، وهذا أمر يسير إن بدأت بكتب أهل العلم عن سيرة النبي ككتاب الشفا للقاضي عياض، اجعل هذا الأمر من أهداف شهر رمضان الكريم.
تأكد أنك كلما تعمقت في دراسة السيرة النبوية كلما عرفت عظمة الرسول صلى الله عليه وسلم كلما زادت محبته في قلبك، تلك المحبة التي إن صدقت فيها أوصلتك إلى محبة الله سبحانه وتعالى، هذه المحبة التي تباهى بها رب الكون جل وعلا عندما قال “وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ“. فاللهم أرزقنا حبك وحب نبيك صلى الله عليه وسلم.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
المصدر: الجزيرة نت