تركُ تكفير أهل القبلة ممّن ثبت إسلامهم بالقطع إلا من وقع الكفر عليه منهم بالقطع
قال الملا علي القاري : قد قال علماؤنا : إذا وُجد تسعة وتسعون وجها تشير إلى تكفير مسلم، ووجه واحد إلى إبقائه على إسلامه فينبغي للمفتي والقاضي أن يعمل بذلك الوجه، وهو مستفاد من قوله صلى الله عليه وسلم : (ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن وجدتم للمسلم مخرجا فخلوا سبيله، فإن الإمام لأن يخطئ في العفو خير له من أن يخطئ في العقوبة) رواه الترمذي وغيره والحاكم وصححه. اهـ شرح الشفا ج2/502 .
وقال أيضا : “ذكروا أنّ المسألة المتعلقة بالكفر إذا كان لها تسعة وتسعون احتمالاً للكفر واحتمال واحد في نفيه، فالأولى للمفتي والقاضي أن يعمل بالاحتمال النافي، لأنً الخطأ في إبقاء ألف كافر أهون من الخطأ في إفناء مسلم واحد”. شرح الفقيه الأكبر: ص62.
وقال أيضا : وهذه نزعةٌ جسيمةٌ وجرأةٌ عظيمةٌ ، فإن عبارة آحاد الناس إذا احتملت تسعة وتسعين وجهاً من الحمل على الكفر . ووجهاً واحداً على خلافه لا يحل أن يحكم بارتداده. مرقاة المفاتيح ص 709 .
ونقل القاضي عياض رحمه الله عن العلماء المحققين قولهم: يجب الاحتراز من التكفير في أهل التأويل فإن استباحة دماء المصلين الموحدين خطر، والخطأ في ترك ألف كافر أهون من الخطأ في سفك محجمة من دم مسلم واحد. اهـ الشفا في حقوق المصطفى ج2/277
وقال أبو حامد الغزالي : “والذي ينبغي الاحتراز منه :”التكفير” ما وجد إليه سبيلا، فإن استباحة الدماء والأموال من المصلين إلى القبلة، المصرحين بقول لا إله إلا الله محمد رسول الله خطأٌ، والخطأ في ترك ألفِ كافر في الحياة أهون من الخطأ في سفك دمٍ لمسلم” الاقتصاد في الاعتقاد : (269) ، وعنه فتح الباري : (12/314)
وقال أيضًا : ومهما حصل تردد فالتوقف عن التكفير أولى، والمبادرة إلى التكفير إنما تغلب على طباع من يغلب عليهم الجهل. فيصل التفرقة – ضمن مجموع رسائل الغزالي (248).
وقال أيضا : “فإذا رأيتَ الفقيهَ الذي بضاعته الفقهُ يخوض في التكفير والتضليل فأعرِض عنه”. فيصل التفرقة .
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
وقال الزرقاني : ولقد قرَّر علـماؤنا أن الكلـمة إذا احتملت الكفر من تسعة وتسعين وجهاً، ثم احتملت الإيمان من وجه واحد، حُملت علـى أحسن الـمـحامل، وهو الإيمان، وهذا موضوع مفروغٌ منه ومن التدلـيل علـيه. اهـ. مناهل العرفان (2/35)
وقال ابن عبد البر: “القرآن والسنة ينهيان عن تفسيق المسلم وتكفيره ببيان لا إشكال فيه، ومن جهة النظر الصحيح الذي لا مدفع له، أن كلَّ من ثبت له عقدُ الإسلام في وقت بإجماع من المسلمين…ولا يخرج من الإسلام المتفق عليه إلا باتفاق آخر … ( التمهيد : (17/22).اهـ
وقال أبو العباس القرطبي : “وباب التكفير باب خطير، أقدم عليه كثير من الناس فسقطوا، وتوقف فيه الفحول فسلموا، ولا نعدل بالسلامة شيئا” المفهم : (3111)، وعنه فتح الباري : (12/300).
ونقل عن ابن بطال قوله : لِأَنَّ مَنْ ثَبَتَ لَهُ عَقْد الْإِسْلَام بِيَقِينٍ لَمْ يَخْرُج مِنْهُ إِلَّا بِيَقِينٍ . فتح الباري : (12/300).
ونقل ابن عابدين عن الفتاوى الصغرى : الكفر شيء عظيم فلا أجعل المؤمن كافرا متى وجدت رواية أنه لا يكفر.
وعن الخلاصة وغيرها : إذا كان في المسألة وجوه توجب الكفر، ووجه واحد يمنعه فعلى المفتي أن يميل إلى الوجه الذي يمنع التكفير تحسينا للظن بالمسلم، إلا إذا صرح بإرادة موجب الكفر فلا ينفعه التأويل”. حاشية ابن عابدين (4/224)
وعن البحر لابن نجيم : (والذي تحرر أن لا يفتي بكفر مسلم أمكن حمل كلامه على محمل حسن أو كان في كفره اختلاف، ولو رواية ضعيفة، فعلى هذا فأكثر ألفاظ التكفير المذكورة لا يفتى بالتكفير فيها، وقد ألزمت نفسي أن لا أفتي بشيء منها” البحر الرائق – (5 / 135)
وقال ابن حجر الهيتمي: “ينبغي للمفتي أن يحتاط في التكفير ما أمكنه لعظيم خطره، وغلبة عدم قصده، سيما من العوام، ومازال أئمتنا (يعني الشافعية) على ذلك قديما وحديثا” ( تحفة المحتاج : (4/84).
وقال الألوسي-رحمه الله تعالى : فالتكفير لمن شهد الشهادتين خطر جداً، وفي الحديث: “من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما، فإن كان كما قال وإلا حارت عليه..” . ..فالعصمة مقطوع بها مع الاتيان بالشهادة، ولا ترتفع ويستباح خلافها إلا بقاطع ولا قاطع في حق المبتدعة الذين لا يجحدون ما علم ضرورة …ولِخطر التكفير قيل ينبغي للمفتي الاحتياط في ذلك ما أمكنه حتى إنه ينبغي له أن يؤول كلام من تلفظ بما ظاهره الكفر، وإن بعُد قصد المتلفِّظ نفسه عن ذلك المؤوَّل به، ولا ينبغي أن يُكتفى بالظاهر، فيُفتِي بالكفر، فإن معناه أصلاً محققاً وهو الإيمان، فلا نرفعه إلا بيقين. (جهود الألوسي في الرد على الرافضة) (ص:639/642).
وقال غيره : “اعلم أن الحكم على الرجل المسلم بخروجه عن دين الإسلام، ودخوله في الكفر لا ينبغي لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يُقدِم عليه إلا ببرهان أوضح من الشمس، فإنه قد ثبت في الأحاديث الصحيحة المروية من طريق جماعة من الصحابة – رضي الله عنهم – أن “من قال لأخيه : يا كافر، فقد باء بها أحدهما”…ففي هذه الأحاديث وما ورد موردها أعظم زاجر، وأكبر واعظ عن التسرع في التكفير”.
ـ قال ابن العربي المالكي : “الجاهل والمخطئ من هذه الأمة، ولو عمل من الكفر والشرك ما يكون صاحبه مشركاً أو كافراً، فإنّه يعذر بالجهل والخطأ حتى تتبيّن له الحجة التي يكفر تاركها بياناً واضحاً ما يلتبس على مثله، وينكر ما هو معلوم بالضرورة من دين الإسلام، مما أجمعوا عليه إجماعاً قطعيّاً يعرفه كلّ المسلمين من غير نظرٍ وتأمّلٍ.. ولم يخالف في ذلك إلا أهل البدع “(محاسن التأويل للقاسمي (5/1307 ـ 1308) ).