قال عروة بن الزبير -رضي الله عنه- “ما رأيتُ أحدًا أعلم بالقرآن ولا بفرائضه ولا بحلالٍ، وبلا بحرامٍ، ولا بشعرٍ، ولا بحديثِ عربٍ، ولا بنسبٍ، من عائشة”.
كثيرٌ من النساء المسلمات في عصرنا الحالي لا يعلمن عن صفات أمهات المؤمنين ولا كيف كنّ ولا ماذا أنجزن. كثيرٌ من الأمهات لا يربّين بناتهن على الاقتداء بنساء الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولا يُعلّمهن صفات أمهات المؤمنين، حتى بات الكثير من النساء في عصرنا الحالي يعتقدن أنّ وجود المرأة يقتصر فقط على الزواج والإنجاب. أتمنّى ألا يتم فهمي هنا أنّني ضد الزواج أو الإنجاب، فعلى العكس تمامًا. أن أؤمن إيماناً شديدًا بأنّ للأم مهمة مقدّسة في هذه الحياة، وهي تأهيل أولادها وبناتها لما يعود بالخير على الأمة والوطن.
فمَن أفضل من أمهات المؤمنين كقدوة لنا ولأولادنا؟ وكيف لا نحكي لهم عن السيدة عائشة التي كانت تسقي الجرحى في يوم أُحد؟ وعن السيدة زينب التي عُرفت بكرمها وحبّها لمساعدة الفقراء والمساكين؟ وعن السيدة خديجة التي وقفت بجانب زوجها سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- في أيام الوحي وكانت أوّل من صّدقه..
خديجة.. الصدّيقة الأولى
كانت السيدة خديجة تاجرة ذات حسبٍ ومال وكان لها مكانتها في قريش، إلّا أنّها عندما عهدت صدق وأمانة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أرسلت له من يعرض عليه الزواج منها رغم فرق العمر الكبير بينهما (كانت هي تكبره بـ١٥ سنة). حزن النبي -صلى الله عليه وسلم- حزنًا شديدًا لفراقها حتى سُمّي العام الذي توفّت فيه بعام الحزن. عندما نزل الوحي على النبي -صلى الله عليه وسلم-
كانت السيدة خديجة هي أوّل من صدقه وآمن برسالته وأول من توضأ وصلّى. فقد قال شهاب الدين القسطلاني “كان أول من آمن بالله وصدّق صدّيقة النساء خديجة، فقامت بأعباء الصدّيقية، قال لها عليه السلام: خشيتُ على نفسي، فقالت له: أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدًا، ثم استدلت بما فيه من الصفات والأخلاق والشيم على أن من كان كذلك لا يُخزى أبدًا”
ولم تقف السيدة خديجة عند الإيمان برسالة النبي -صلى الله عليه وسلم- والتصديق بها فحسب، إلا أنّها وقفت بجانبه وآزرته حين كان يبلّغ الدعوة. حيث قال عبد الله بن عباس “كانت خديجة بنت خويلد أول من آمن بالله ورسوله، وصدق محمد رسول الله فيما جاء به عن ربه وآزره على أمره، فكان لا يسمع من المشركين شيئًا يكرهه من ردٍ عليه وتكذيبٍ له، إلا فرَّج الله عنه بها، تثبته وتصدقه وتخفف عنه، وتهوّن عليه ما يلقى من قومه”.
فهكذا كانت خديجة الزوجة الأولى للرسول -صلى الله عليه وسلم- وأم أولاده الستة دعمت زوجها وآزرته وضحّت بنفسها ومالها وبكل ما تملك في سبيل الله تعالى حتى أنّها تركت قبيلتها (بني أسد) والتحقت بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه أثناء حصار قريش لبني هاشم.
عائشة.. حبّ النبي
كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يحبُّ السيدة عائشة حبًّا كبيرًا حتى أنّها كانت أحب الناس إليه، فقد قال عمرو بن العاص “أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله: من أحبُّ الناسِ إليك؟ قال: عائشة” كما كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يداعبها ويسابقها فقالت رضي الله عنها “سابقني رسول الله فسبقته فلبثت حتى إذا أرهقني اللحم أي سمنت سابقني فسبقني فقال: هذه بتلك يشير إلى المرة الأولى”.
فها هو سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- والسيدة عائشة يمثّلان مثالًا جميلًا لحب الزوجين بعضهما بعضًا وللمودة التي كانت بينهما، فلم يكن الرسول -صلى الله عليه وسلم- يعاملها كزوجة فقط، فقد كانت أيضًا رفيقة وصديقة وطالبة لديه. حيث كانت عائشة رضي الله عنها تروي العديد من الأحاديث عن النبي مباشرة، حتى إنّ أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كانوا يلجؤون إليها ويأخذون من علمها، فقال أبو موسى الأشعري “ما أشكل علينا أصحاب رسول الله حديث قط إلا وجدنا عندها منه علمًا”.
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- “كَمُل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وفضل عائشة على النساء كفضلِ الثريدِ على سائرِ الطعامِ”. حيث وصل أثر السيدة عائشة إلى أن روى عنها الصحابة والتّابعين ٢٩٩ حديثًا عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- . كما كانت رضي الله عنها معلمة في إحدى أعظم مدرسة شهدتها المدينة المنوّرة في زاوية في المسجد النبوي.
أما عن فصاحتها وبلاغتها قال الأحنف بن قيس “سمعتُ خطبة أبي بكر الصّدّيق، وعُمر بن الخطّاب، وعُثمان بن عفّان، وعليّ بن أبي طالب، والخُلفاء هَلُمَّ جرًا إلى يومي هذا، فما سمِعتُ الكلامَ من فمِ مخلوقٍ أفخمَ ولا أحسنَ منهُ مِن في عائشة”، كانت عائشة رضي الله عنها شديدة الدفاع عن حقوق المرأة، وكانت النساء في عهد الرسول (صلى الله عليه وسلّم) يلجأن إليها من أجل أن تنقل مشاكلهن لرسول الله -صلى الله عليه وسلم.
فأين رجال الدين في هذه الأيام من حقوق المرأة؟ وأين العالمات المسلمات المدافعات عن حقوق المرأة التي كفلها القرآن وتحدّث عنها النبي عليه الصلاة والسلام؟
زينب.. أم المساكين
تزوجها النبي -صلى الله عليه وسلم- لحكمة والتي هي التزوج من زوجات الشهداء ورعايتهن. كانت السيدة زينب شديدة الكرم والجود تحب مساعدة الفقراء والمساكين والأيتام والأرامل وتتصدّق عليهم. كانت تبتعد عن كل ما قد يُغضب الرسول -صلى الله عليه وسلم- . حتى إنّها عندما توفيت دعا لها الرسول -صلى الله عليه وسلم- بدعاءٍ لم يدعه لأحد قبلها “اللهم أنت ربها وأنت خلقتها وأنت رزقتها وأنت هديتها وأنت قبضت روحها وأنت أعلم بسرها وعلانيتها جئنا شفعاء لها فاغفر لها ذنبها اللهم اغفر لها وارحمها واعف عنها وعافها واكرم نزلها ووسع مدخلها واغسلها بالماء والثلج والبرد ونقّها من الخطايا كما يُنقى الثوب الأبيض من الدنس وأبدلها داراً خيراً من دارها وأهلاً خيراً من أهلها وقها فتنة القبر وعذاب النار”.
أم سلمة.. الحكيمة الرشيدة
كانت السيدة أم سلمة من أجمل النساء وأشرفهن نسبًا. روت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- الكثير من الأحاديث كما كانت من فقيهات الصحابة حتى أنّهم كانوا يستفتونها بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- ، وحين توفي عليه السلام لزمت بيتها عابدة طائعة، فكان لها مكانة كبيرة في نفوس الصحابة، كما كانت السيدة أم سلمة من أوائل المهاجرين إلى الحبشة والمدينة، فإلى جانب الجمال، كانت رضي الله عنها حكيمة رشيدة مطيعة لله ورسوله.
هكذا كنّ نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- ، معلّمات، متصدّقات، حكيمات، وصامدات، هذه رسالة لكل أم وكل امرأة وكل صبية، أنتِ رمز للثبات، رمز للتضحية، رمز للقوة، رمز للعطاء، رمز للمحبة.
كوني أنتِ، شكّلي كيانكِ الخاص، لا تنطوي، لا تفقدي الثقة بنفسك، لا تقلّلي من شأنك. امشي في دربك حاملة معك الحياء والفطرة والكتاب. لا تدعي أحد يحطّمك ولا تتخلّي عن أحلامك. اجعلي لنفسك بصمة تتركيها وراءك. أنتِ أم وأخت وزوجة وابنة.. أنتِ معلمة ومكافحة ومناضلة.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website