“كما شاع وذاع عند أهل سوس أن تلك الجبال، أي الحائلة بين بلادهم وصحاري المغرب بقبلتها، مدفن ثلاثة من الأنبياء”، هذا ما كتبه محمد بن جعفر الكتاني سنة ١٨٤٩ كاشفا، لأول مرة، عن معلومة غير مألوفة لم تنتشر على نطاق واسع حتى بين المغاربة.
أسماء هؤلاء “الأنبياء”، كما أشار إلى ذلك الكتاني في مؤلفه، هي: “سيدنا دانييل”، “سيدنا شناول” و”سيدنا حزقيل”.
نبي بضواحي طاطا
هناك، بعمق مدينة طاطا الجنوبية، وتحديدا ببلدة “إسافن”، يستقر ضريح غير مألوف. سكان المنطقة يسمونه ضريح “سيدي نبي الله”. يلقبونه أيضا بـ”سيدي حزقيل” أو “Ezikiel”، كما يكتب بالأحرف اللاتينية.
يقولون إنه كان بين أنبياء بُعثوا في الشرق، إلى العبرانيين، قبل أن يرحل بعيدًا بآلاف الكيلومترات، ويدفن في بلدة بسيطة تقع في جنوب منطقة “سوس”، التي يأهلها جزء كبير من أمازيغ المغرب.
“سيدي حزقيل” أو “سيدي وَلْكْنَّاسْ”، كما يسمى عند عامة الناس بالمنطقة، “طوله الذي يزيد عن سبعة أمتار يثير الكثير من التساؤلات حول تاريخه وأصله، ليس الوحيد في المنطقة، بل هناك قبور أخرى بالطول نفسه تقريبا”، يقول رشيد كَرايد، أستاذ باحث في سر “أنبياء” هذه المنطقة.
ضريح النبي حزقيل
ويضيف: “لكنه الوحيد الذي أقيمت فوقه قبة يجتمع عندها العشرات من السكان المجاورين له (قبيلة آيت فيد) في كل عام إبان فصل الصيف في منتصف الطريق الواصل بين جماعة إسافن ودوار ‘تساوت’ بإقليم طاطا. ذهب البعض إلى القول بأصله من بني اسرائيل إذ اعتبروه نبي الله حزقيل”.
أرض الرسل
يشير الباحث رشيد كَرايد إلى أن الاعتقاد السائد عند سكان المنطقة أن النبي حزقيل المدفون هنا هو سبب بركة المنطقة رغم جذبها وقحطها. السبب، كما يقول، أنه النبي الذي ورد ذكره في القرآن في قصة الرجل الذي مر على قوم موتى فأحياهم الله.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
وبالفعل فقد فسر الطبري هذه الآية على أنها تشير إلى النبي حزقايل: “أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ الله مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ الله لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ” (الآية 243 من سورة البقرة).
من جهته، يقول رئيس جمعية تشرف على موسم “النبي حزقيل” السنوي، مسعود آيت عيسى، إن “النبي حزقيل هو من أنبياء الشرق القديم ولم يعرف سبب قدومه ومكوثه بالمغرب الأقصى.
موسم “سيدي نبي الله”
سنويًّا، ينظم كل شهر أغسطس موسم بهذه المنطقة. يحكي خالد الغزالي، أحد أبناء المنطقة، لـ”أصوات مغاربية”، أنه رغم القيظ الشديد الذي تشهده هذه البقعة من طاطا في تلك الفترة من السنة فإن عددًا كبيرًا من الزوار يفدون للتبرك والتوجه بالدعاء إلى الله تعالى متوسلين بنبي من الأنبياء لعل الله يستجيب لهم دعاءهم إكرامًا لهذا النبي، خصوصًا أبناء المنطقة الذين استقروا في مناطق بعيدة”.
الباحث رشيد كرايد يقول إنّ طقوسًا خاصة تمارس خلال هذا الموسم: “يقوم الناس بذبح بهيمة لإكرام ضيوف الموسم. نسمي الأمر عندنا ‘المعروف’، وهو واجب في ثقافة الناس في المنطقة، إذ يتعين عليهم وفادة ضيوف الموسم وإطعامهم وصلة رحمهم”.
يميز المكان أيضًا وجود مدرسة عتيقة بنيت قديمًا وارتبطت بضريح “النبي حزقيل” وتسمّت باسمه. يقول مديرها عبد الله أرسة إنّ “المدرسة اشتهرت بارتباطها بضريح النبي حزقيل. يقدم هنا طلبة من مختلف مناطق طاطا وتزنيت والبوج وحتى تنغير. يُحَفظ القرآن هنا وتدرس العلوم المرتبطة به”.
وتوجد هذه المدرسة العتيقة في قوائم وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية للتعليم العتيق تحت اسم مدرسة “سيدي حزقيل”، بيد أنه لم ترد أية إشارة إلى حقيقة دفين هذه المنطقة.