صفة الرحمة من أهم الصفات التي تجلّت في شخصية النبي، عليه الصلاة والسلام، لما في ذلك من كسب قلوب الناس، والتفافهم حوله، ودخولهم في الإسلام، وفضل من الله أنه بعث للنّاس رسولاً رحيماً بهم، ليّناً معهم، فهو أرحم بالمُسلمين من والديهم، لذلك وصفه الله -تعالى- بقوله: (حَريصٌ عَلَيكُم بِالمُؤمِنينَ رَءوفٌ رَحيمٌ)، أي كثير الرحمة بهم، يحبّ لهم الخير ويدلّهم عليه، ويكره لهم الشرّ ويجنّبهم إياه.
وحسب السيرة النبوية، فإن هناك مواقف كثيرة تجلّى فيها مظاهر رحمة النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بالمسلمين من أمّته من الضعفاء، والأطفال، والنساء، والمرضى، والأصحاب، وكذلك الحيوان والجماد، في العديد من المواقف، ومنها ما يأتي:
رحمة الرسول الكريم بالأطفال
هناك العديد من المواقف للنبي محمد عن رحمته بالأطفال، وأبرزها أنه إذا كان يُصلّي بالناس جماعةً وسمع بكاءَ طفلٍ، أسرع في الصلاة وخفّف منها، وكان، عليه الصلاة والسلام- يحمل الصّغار وهو يُصلّي، فإذا سجد يضعهم على الأرض، وإذا قام حمَلهم، كما فعل مع حفيدته أُمامة بنت زينب -رضي الله عنها-، وكان يصبر على أذاهم، ويبكي ويحزن لموتهم.
النبي يأمر بحسن معاملة الضعفاء
كان محمد، صلى الله عليه وسلم، يهتمّ بشأن الضعفاء، ويأمُر بحُسن مُعاملتهم، وأوصى بهم وبأداء حُقوقهم، فقال -عليه الصلاة والسلام- وهو يوصي الناس بالخدَم الذين يعملون عندهم: (إنَّ إخْوَانَكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أيْدِيكُمْ، فمَن كانَ أخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ ممَّا يَأْكُلُ، ولْيُلْبِسْهُ ممَّا يَلْبَسُ، ولَا تُكَلِّفُوهُمْ ما يَغْلِبُهُمْ، فإنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ ما يَغْلِبُهُمْ فأعِينُوهُمْ)
النبي محمد أرأف الناس بأزواجه وبناته
فقد كان عليه الصلاة والسلام، أرأف الناس بأهله وأزواجه وبناته، فكان عندما تأتي فاطمة -رضي الله عنها- إليه يقبّلها ويُجلسها في مكانه، وكان إذا أرادت أمّ المؤمنين صفية -رضي الله عنها- أن تركب على البعير، يجلس فيرفع لها ركبته لتصعد عليها وتركب البعير، وقد أكثر من الوصيّة بالنساء والبنات، فقال -عليه الصلاة والسلام-: (أَلَا واسْتَوْصُوا بالنساءِ خيرًا، فإنما هُنَّ عَوَانٌ عندَكم، ليس تَمْلِكُونَ منهن شيئًا غيرَ ذلك إِلَّا أن يَأْتِينَ بفاحشةٍ مُبَيِّنَةٍ)،
رحمة سيدنا محمد بجنوده وبالشُهداء أثناء المعارك
كان نبي الله يُعامل جُنوده كنفسه، ولا يُعاتبهم أو يُعاقبهم على أخطائهم في الحرب، ومن ذلك رحمته بالصحابة -رضي الله عنهم- في غزوة أُحد، وعدم مُحاكمتهم لأخطائهم في مُخالفتهم لأوامره، أمّا رحمته بالشُّهداء فقد تمثّلت في دفنهم دون إرسالهم إلى أهلهم، حتى لا يتألّموا على رؤيتهم، وكان يأمر الأهل الذين يأخذون شهداءهم أن يردّوهم إلى أماكنهم؛ حتّى يُدرك الناس فضلهم، ولتخفيف المُصاب والحزن على أهاليهم.
كيف تعامل الرسول برحمة مع الأسرى
كان -صلى الله عليه وسلم- يأمر بفكّ الأسير، وبيّن أنّ الرحمة بالأسير وفكّ أسره من أسباب دُخول الجنة، وترجم ذلك عمليّاً في أسرى بدر عندما استشار الصحابة،رضي الله عنهم- في شأن الأسرى، فأخذ برأي أبي بكر، رضي الله عنه، وذلك بأخذ الفدية منهم وتركهم، لِما رأى في ذلك من الرحمة والرأفة بهم، وراعى حال الأسرى المادّية، فمن لم يكن معه مال، افتداه النبي، وبعضهم من أطلق سراحه بلا فداء.
النبي أنهى عن التمثيل في جسد الأعداء
وضع النبيّ للمُسلمين مجموعةً من القواعد والضوابط في الجهاد التي لا يجوز لأحدٍ أن يتعدّاها، كالنهي عن التمثيل في جسد الأعداء، والنهي عن قتل النساء، والأطفال، وكبار السن، والمرضى، وتجاوزت هذه الرحمة حتى الجماد، فنهى النبي -عليه الصلاة والسلام- عن قتل الحيوان، أو حرق الأشجار، فقد قال -تعالى-: (وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ).
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
الرسول يوصي بالعناية والشفقة بالمريض
كان النبي يأمر بزيارة المرضى، والشفقة عليهم، والعناية بهم، وإدخال الفرح على قُلوبهم، وجاءت الكثير من الأحاديث النبويّة التي تحثّ على ذلك، كقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: (مَن عادَ مَرِيضًا لَمْ يَزَلْ في خُرْفَةِ الجَنَّةِ، قيلَ يا رَسولَ اللهِ، وما خُرْفَةُ الجَنَّةِ؟ قالَ: جَناها).
الرسول لم يرد أذى الكفار
لمّا جاء ملك الجبال للرسول عليه الصلاة والسلام، ليُطبق على الكفار الجبال بعد أن ردّوه، وقاتلوه، وعذّبوه، فلم يرضَ النبيّ ذلك، وقال له: (بَلْ أرْجُو أنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِن أصْلابِهِمْ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ وحْدَهُ، لا يُشْرِكُ به شيئًا)، وعندما دخل مكّة بعد أن فتحها مُتواضعاً، وعفوه عمّن آذاه من المشركين، وعمّن أخرجه وصحابته من ديارهم، وعدم الدُعاء عليهم، وحرصه على دُخولهم في الإسلام، فقد جاء عنه أنّه زار جاراً يهودياً له، وطلب منه الدُخول في الإسلام، فأسلم، وفرح النبي -عليه الصلاة والسلام- بإسلامه وإنقاذه من النار.
الرسول أنهى عن القسوة مع الحيوان
ينطلق الهدي النبوي للرحمة بالحيوان في توازن يجمع بين منفعة الإنسان، وبين الرحمة والرفق، فيأمر برحمة الحيوان وعدم القسوة معه، ومن ثم فلا يسمح بالعبث بالحيوانات أو إيذائها أو تكليفها ما يشق عليها، ولا يوافق على قول بعض جماعات الرفق بالحيوان المعاصرة التي تدعو إلى منع قتل الحيوانات بالكلية، تذرعاً بالرفق معها وحماية حقوقها، وكذلك بأنه لا يجوز تعذيبها ولا تجويعها، أو تكليفها ما لا تطيق، ولا اتخاذها هدفا يرمى إليه, وهو أمر لم ترق إليه البشرية في أي وقت من الأوقات، ولا حتى في عصرنا الحاضر، الذي كثرت فيه الكتابات عن الرفق بالحيوان.
النبي محمد يتحدث إلى جذع نخلة
إن النبي له مواقف مع الجمادات وأحداث كثيرة, فالجذع يحن على فراقه, والحصى يُسبِّح في كفه, والشجر تخط الأرض استجابة لطلبه، والماء ينبع من بين أصابعه، والحجر يُسلِّم عليه، والجبل يثبت من الاضطراب به وبصاحبيه، فهي معجزات، لصاحب الرسالة، وأدلة واضحة على صدق نبوته.
وعن جابر -رضي الله عنه، أَنَّ النبي (صلى الله عليه سلم) كان يخطب إلى جذع نخلة، فاتُخذ له منبرا، فلمَّا فارق الجذع، وغدا إلى المنبر الذي صُنع له، جزع الجذعُ فحنَّ له كما تحن الناقة، وفي لفظ فخار كخُوار الثور, وفي لفظ : فصاحت النخلة صياح الصبي حتى تصدع وانش، فنزل النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- فاحتضنه، فجعلت تئن أنينَ الصبي الذي يُسكَّن فسكن، وقال له الرسول (صلى الله عليه سلم): (اختر أَنْ أغرسك في المكان الذي كنت فيه، فتكون كما كنت، وإنْ شئت أَنْ أغرسك في الجنة، فتشرب من أنهارها وعيونها، فيحن نبتك وتثمر فيأكل منك الصالحون، فاختار الآخرة على الدنيا)