اللهُ تعالى جعل في الضّعفاء من المؤمنينَ خيرًا وفي الأقوياء منهم خيرًا، لكن الْمُؤْمِنَ الْقَوِيَّ الذي ينفع نفسه وغيرَهُ بقوةِ جسدهِ وقوة حَزمه، ورأيه خيرٌ عند الله تعالى كعمرَ بنِ الخطّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجِزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا. وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ. فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ”. هذا حديثٌ صحيحٌ أخرجهُ مُسلمٌ. معناه الْمُؤْمِن الْقَوِيّ في العبَادةِ وخِدمةِ المسلمينَ، الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ هو من يصبر على مخالطة النّاس ودعوتهم إلى الخير، ويصبر على أذاهم. أمّا الآخَرُ تَقيٌّ لكن ليسَ لهُ قُوّةٌ لنَفع المسلمِينَ.
“الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ” المرادُ بالقُوّةِ هنَا عَزِيمةُ النّفسِ والقَريحة في أمُور الآخرة فيَكُونُ صاحِب هذا الوَصف أكثرَ إقْدامًا على العَدُوّ وأَسرَع خُروجًا إليه وذَهابًا إلى طلَبِه وأشَدّ عَزيمةً في الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكَر والصّبر على الأذى في كُلّ ذلكَ واحتِمَال المشَاقّ ابتغاءَ مَرضَاةِ الله وأَرغَب في الصّلاةِ والصّوم والأذكَار وسائرِ العِبادَات وأنشَط طَلبًا لها ومحَافظَةً علَيها ونَحو ذلكَ.
“وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ”، معناهُ في كُلٍّ مِنَ القَويّ والضّعيف خَيرٌ لاشتراكِهما في الإيمان مع ما يَأتي به الضّعِيف منَ العِبادات.
“احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ”، معناه احْرِصْ على طَاعَةِ الله تعالى والرّغبَة فيما عندَه واطلُب الإعانةَ مِنَ الله تعالى على ذلك ولا تَعجِز ولا تَكسَل عن طلَب الطّاعة ولا عن طلَب الإعانة.
وقال ابنُ حجَر العَسقَلانيّ في فتح الباري قالَ الطّبَريُّ: طريقُ الجمع بينَ هذا النّهي عن استِعمَالِ كَلِمَةِ “لو” وبَينَ مَا وَرد من الأحاديثِ الدّالّة على الجواز أنّ النّهيَ مَخصُوصٌ بالجزم بالفِعل الذي لم يقَعْ، فالمعنى لا تَقُل لشَىءٍ لم يقَع لو أني فعَلت كذا لوقَع، قاضيًا بتَحتُّم ذلك غيرَ مُضمرٍ في نَفسِك شَرطَ مَشِيئَةِ الله تعالى.
ومَا وَرَد مِن قَولِ لَوْ مَحمُولٌ على مَا إذا كان قائلُه موقِنًا بالشّرطِ المذكُور وهوَ أنّه لا يقَع شَيءٌ إلا بمشِيئَةِ الله تعالى وإرادَتِه وهو كقَولِ أبي بَكرٍ في الغَار لو أن أحَدَهُم رَفَع قَدَمَه لأبْصَرَنا، فجَزَم بذلكَ معَ تَيَقُّنِه أنَّ اللّهَ قَادرٌ على أنْ يَصرِفَ أَبْصَارَهُم عَنهُما بعَمًى أو غَيرِه ولكن جَرى على حُكم العَادَةِ الظّاهِرَة وهوَ مُوقِنٌ بأنّهم لو رفَعُوا أَقدَامَهُم لم يُبصِرُوهُما إلا بمشِيئَةِ اللهِ تَعالى. اهـ
ومعنى “فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ” أي إذَا قَالها الشّخصُ تَحسُّرًا على أَمرٍ مِن أمُور الدُّنيا تَفتَحُ عمَلَ الشّيطَان أي تَزيدُه طَمَعًا، أمّا لو قالها لأمرِ خَيرٍ فَاتَه لا تَكُونُ مَذمُومَةً كأن قالَ لَو تعَلَّمتُ في الصِّغَرِ لكَانَ خَيرًا لي، لو تَأتي مَذمُومَة وتَأتي غَيرَ مَذمُومَة.
وأما قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ “قَدَّرَ اللهُ، وَمَا شَاءَ فَعلَ” أيْ كُلّ ما يدخلُ في الوجود فهو بتقدير من اللهِ فلا يدخلُ في الكون ذرّة ولا أكبر من ذلك حتّى الخير والشّرّ لا يدخلُ في الوجود إلا بتقدير الله لا شك بخلق الله، قال اللهُ تعالى: (وخلقَ كُلَّ شَىْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا) سورة الفرقان 2.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website