كتب علي الشمري
المملكة العربية السعودية كانت قبل تأسيس الفكر الوهابي تعتبر نموذجا للتعايش المذهبي في العالم الاسلامي كله كونها تحتوي على كل المذاهب الاسلامية المتعايشة بأمن وسلام بعيدا عن التعصب الطائفي والمذهبي، وتسودها روح الالفة والتسامح، فقد كانت المدارس الاسلامية بكافة تنواعتها تحث على البحث والدراسة والتحاور واقامة المناظرات الدينية بطرق سلمية دون محاولة أي طرف أقصاء الطرف الاخر أو تهميشه، تاركين منهجية الاقصاء والاستبعاد للاخرين والاقرار بحق الجميع في الوجود والمشاركة.
هناك مثل عربي قديم يقول من نشأ على شيء شاب عليه، فالفكر الوهابي نشأ وترعرع في أحضان الجاسوسية البريطانية، متخذاً من التخريب والقتل السمة البارزة له، وما مذكرات الجاسوس البريطاني همفر مع مؤسس الحركة الوهابية محمد بن عبد الوهاب يوم ألتقى به لاول مرة في البصرة هي خير دليل على نهج الوهابية المعادي لكل المذاهب والاديان الاخرى، ومن البصرة بدأت العلاقة بين الفكر الوهابي ووزارة المستعمرات البريطانية وأنيطت به مهمة زعزعة كيان الدولة العثمانية لغرض أسقاطها، والمهمة الثانية هو القضاء على المذاهب الاسلامية الاخرى الموجودة في المملكة ( المذاهب السنية الاربعة، اضافة الى مذهب الامامية الاثنى عشرية والزيدية والاسماعيلية) وأتفق محمد بن عبد الوهاب مع محمد بن سعود على أن يؤسسوا كيان دولة وهابية، فبدأو بتطبيق الفكر الضال بدأ من نجد، أبن سعود هو الحاكم السياسي والعسكري كونه يمتلك النفوذ في نجد ومحمد بن عبد الوهاب المرشد الروحي والمفتي للكيان الجديد والتمويل المادي يأتي من بريطانيا العظمى في وقتها، وأول عمل قاموا به هو أحتلال شبه الجزيرة العربية والاحساء والكويت والحجاز واليمن وعمان، وفي حملاتهم هذه يقومون بقتل كل من يعتنق غير الفكر الوهابي، ومتخذين من شعار أحياء السنة والقران وعدم الاعتماد على المذاهب السنية الاربعة، وهدم قبور جميع الاولياء والصحابة . وهدم حتى الجوامع التي عليها النقوش والزخارف. وكأنما أوصى القران الكريم بقتل الاخرين وأنتهاك حرمة بني البشر؟ فأي أسلام هذا؟
بعدها أحتلوا مدينة كربلاء عام 1801م وهدموا قبة قبر الحسين عليه السلام وفي عام 1883 أحتلوا مكة والمدينة….. وفي حملاتهم هذه يفرضون الفكر الوهابي على السكان بقوة السيف، وليس بلغة الاقناع والمجادلة العلمية، متخذين من التكفير والتعصب والطائفية والارهاب الفكري منهجا لهم لبسط فكرهم، وعلى أثرها أنتقم الشيعة لضحاياهم فقاموا بقتل عبد العزيز بن محمد بن سعود زعيم الوهابيين السياسي وقائدهم وهو يصلي في مسجد الدرعية…
وفي عام 1818 نجحت القوات المصرية بقيادة أبراهيم باشا من محاصرة الدرعية عاصمة الدولة الوهابية وأحتلالها وقد أستسلم عبد الله الامير الوهابي وأعدم في أسطنبول سنة 1819م. وأنتهت بذلك حقبة مظلمة من الحكم الوهابي المعادي لكل التوجهات الاسلامية الحقيقة.
وفي نهاية الدولة العثمانية، تأسست من جديد في أوائل القرن العشرين (1902 – 1932م ) الدولة الوهابية تحت قيادة عبد العزيز بن سعود مؤسس المملكة السعودية الحديثة، وأول عمل دموي قام به هو المذبحة الدموية الرهيبة التي أقامها ضد الشيعة من قبيلة شمر في منطقة حائل، والتي كانت واقعة تحت سلطة بن رشيد التي أقامها في المنطقة الوسطى ( نجد) تاركهم على عقيدتهم من باب التسامح المذهبي، بينما عبد العزيز أل سعود أستخدم وجود أولئك الشيعة مبرراً دينياً له للحرب عليهم وقتلهم ومن جاورهم من المذاهب الاخرى.
الفكر الوهابي حديث العهد بالنسبة لباقي المذاهب الاسلامية الممتدة بجذورها الى أكثر من ألف عام، أما كيف أصبح هذا الفكر الضال هو المهيمن على الساحة السعودية ويحكمها دينيا وسياسيا؟ وهل هو الفكر ذو الاكثرية في المملكة؟ ومن هو يحمية ويرعاه؟ هذه الاسئلة وغيرها نتركها للقاري الكريم ولحرية التفكير… فالوهابية ورغم ما عملته من المجازر الدموية ضد المذاهب الاخرى فهي تعتبر الاقلية بالنسبة للمذاهب الاخرى الموجودة في المملكة، فالاسماعيلية القريبة على المذهب الشيعي الاثنا عشري موجودة في نجران، والزيدية هي الاخرى القريبة على الشيعة الاثنى عشرية موجودة في جيزان، والوهابية من سكان المملكة فهم موجودون في بريدا والقصيم والرياض. والصوفية ( الحنفية موجودة في الحجاز. والشيعة الاثنى عشرية في المنطقة الشرقية الحسا والقطيف) ورغم كل هذا فالمذهب الوهابي المدعوم من حكام المملكة هو المسيطر، لان مجلس شورى الدولة يتم تعيينه من قبل الملك، ومجلس الافتاء يتم تعيينه أيضا من قبل الملك، ولا حرية في أتخاذ القرار والافتاء ألا لمصلحة الملك، وأن الامير بندر بن سلطان هو من يغذي سياسة التصعيد المفتعلة ضد الشيعة وبقية المذاهب من أجل تصفيتها بالقمع والاضطهاد، وهذا هو دين العائلة المالكة من أول نشأتهم والى يومنا هذا، متخذين من شعارات التقارب بين الاديان والمؤتمرات الي رعوها وعقدوها وسيلة للتستر على جرائمهم التي لا تتوقف ضد البشرية عموماً والمسلمين خصوصاً…
وفي سبعينيات القرن الماضي يشهد العالم كله على السعودية وما أنتجته من الفكر المدمر المتمثل ببن لادن وطالبان، وما جرته على الشعوب من مأسي وويلات، وفي فترة صدام حسين، قدمت الوهابية من دعم لاذكاء نار الحرب المجنونة بين البلدان الإسلامية، والتي راح ضحيتها الملايين بين قتيل ومعوق ومفقود. وفي فترة ما بعد سقوط صدام حسين ولحين يومنا هذا، تبقىى الوهابية هي من تتأمر على النظام الجديد في العراق وتجنّد وترسل القطعان من البهائم الجهادية الى العراق للامعان والتفنن في قتل العراقيين الابرياء، وزعزعة الامن والاستقرار في العراق وسورية ودول المنطقة بأسرها.
وما نسمعه اليوم من قتل وتشريد للمدنيين في كل من باكستان وافغانستان والعراق وليبيا وسورية هو نتاج الفكر الوهابي وما تمخض عنه من حركات التطرف المنتشرة في عالمنا المعاصر، ولا علاج لمرض التطرف هذا، ألاّ بعلاج النظام في المملكة وكبح جماح التطرف الديني من خلال أقرا مبدأ التعايش على أساس المواطنة وتعزيز الاحترام المتبادل بين كل المذاهب الاسلامية الموجودة على ارض المملكة، عبر تعزيز الحوارات واللقاءات المستمرة فهي الكفيلة بأن تخفف من شدة الاحتقان المذهبي والتوتر الطائفي في المملكة والعالم بأسره لان المملكة هي الحاضنة الرئيسية لكل شرور التي تصيب البشرية في العالم، وهذا يتطلب جهد أممي ودولي لاقناع حكام المملكة لتغيير نهجها من خلال أعطاء الحريات في المملكة، وسياستها العدائية تجاه المذاهب الاخرى وما تنعكس سلبا على المذاهب في الدول الاخرى…
منشد مطلق المنشداوي – ماجستير آثار-
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
الوهابية
لقب أُطلق على أتباع محمد بن عبد الوهاب (1703-1791). وقد تحولت إلى اتجاه مذهبي داخل الفكر الإسلامي، له أنصاره ومؤيدوه وأفكاره التي تتّسم بالتشدّد الاعتقادي، والتصلّب في تطبيق الشريعة، بناء على تصوّر يقسّم العالم بشكل حاد إلى: عالم كافر مشرك، وعالم مؤمن مسلم. وعقيدة ” الولاء والبراء ” هي من المرتكزات الأساسية فيها، فكل ما في هذه المنظومة تفوح منه رائحة العنف والقتل والكراهية والمقاطعة والتبروء والإلغاء والتكفير والهدم والتحطيم، أي هي تنضح بكل القيم السلبية التي جهدت البشرية على مر العصور والدهور على نقدها ورفضها ونبذها والدعوة إلى نقائضها، لما فيه خير الإنسان وسعادة المجتمع الإنساني واستمراره، فكيف يمكن أن تُجمع كل هذه المفاهيم المدمرة في دعوة واحدة، ثم يدّعي أصحابها أن هدفهم الأمثل هو حماية العقيدة، وصون الدين، وبناء الإنسان وإصلاح المجتمعات؟
وهذا السؤال يصبح مبررا إذا شهدنا الأذى البالغ الذي ألحقه هذا التيار بسمعة الإسلام والمسلمين في العالم كله، ليس اقله تهمة الإرهاب واستسهال الانتحار التي التصقت بهم، أضف إلى ذلك الخوف والذعر والهلع والموت الذي نشره في أرجاء المعمورة. فهي تطرح نفسها بديلاً عن كل القوى والتيارات الأخرى العاملة على الساحة، فالمتبنّون لهذه الأفكار هم المسلمون الوحيدون، أما مخالفوهم فهم – حتى لو كانوا مسلمين – “كفرة”، وخارج دائرة الإسلام الإيمانية والسياسية، وهم الوحيدون الذين يملكون المشروع الشرعي لإنقاذ الأمة. وهذا المشروع الذي ذهب إلى أبعد الحدود في توظيف الدين في خدمة مصالح سياسية، قد ادعى امتلاك الحقيقة الدينية والسياسية، ولم يستحِ من الله عندما أضفى القداسة على أفكار واجتهادات هي نتاج العقل البشري غير المعصوم من الخطأ والزلل والانجرار وراء الهوى والانفعال، ولذلك فإن ما يأتي به قابل دائماً للتعديل والتصحيح وإعادة النظر والمعارضة، لذا لا يجوز أبدا أن نقلده فيما أخطأ فيه، شأنه شأن غيره من البشر، من علماء ودعاة وطلبة علم، فإذا كنا نقبل تخطئة أبي حنيفة والشافعي وأمثالهم « بل نرى بعض المتعصبين للشيخ يقبل بكل سهولة تخطئة كبار الصحابة كعمر وعلي وأبي ذر رضي الله عنهم وأمثالهم ولا يقبل مجرد تخطئة الشيخ، وهذا هو الغلو، وإن وجدنا في هذا الإنكار الأذى من هؤلاء الذين يقولون إنهم يحاربون الغلو في الصالحين » فكيف لا نقبل تخطئة محمد بن عبد الوهاب ؟ مع أنه أقل من هؤلاء علما وأثرا بإجماع المنصفين من أهل العلم.
وإطلاق هذا المصطلح ليس من باب الذم وإنما من باب كونه مصطلحا أطلقه أغلب المسلمين على « تيار فكري حركي دعوي له تاريخه وخصائصه ومصنفاته وشيوخه » كما أن بعضهم قد أرتضى هذا اللقب وأطلقوه على أنفسهم. كما أنه لا يشترط أن يقوم الشيخ نفسه بتسمية مذهبه، بل كل أئمة المذاهب فيما يعلم لم يسموا مذاهبهم، وإنما سمى الناس مذاهبهم بعد موتهم. فلا أحمد بن حنبل سمى المذهب الحنبلي ولا الشافعي سمى الشافعية ولا أبو حنيفة سمى المذهب الحنفي، ولا مالك سمى مذهبه، ولا جعفر الصادق سمى الإثني عشرية أو الإمامية ولا زيد سمى الزيدية ولا غيرهم من الأئمة المتبوعين أصحاب المذاهب سموا مذاهبهم، بل ولا سمى ذلك تلاميذهم الخاصين وإنما جاءت التسمية فيما بعد نتيجة استقراء خصائص كل مذهب.
غلاة ينهون عن الغلو!
ألا يخجل أولئك الذين يحاولون أن يركبوا الجملين جميعا، فيردون على أهل التكفير ويبقون على التكفير، يهاجمون من وقعوا في متشابه التكفير ويغلون في الدفاع عن أخطاء ابن تيمية وأئمة الدعوة في التكفير. إن كان هذا التناقض عن جهل، فلا مانع من التصحيح والرجوع عن الأخطاء، وإن كان تناقضهم عن علم وسياسة، فالله حرم التلون والظهور بوجهين، ونقول لهم: إن كنتم رادين على هؤلاء الشباب التكفيري، فعليكم أن يكون جوابكم مقنعا بنقد الأصول التي رجعوا إليها والعلماء الذين قعدوا لهذا التكفير والعنف، ضد علماء وحكام زمنهم. وان كنتم تدافعون عن ابن تيمية والشيخ محمد وعلماء الدعوة وترونهم مصيبين فيجب أن تدافعوا عن هؤلاء الشباب التكفيري، لأنهم مقلدون للعلماء الذين منعتم من نقدهم، وأخذوا من الكتب التي علمتموهم إياها وأوصيتموهم بها.
المصادر في معرفة الفكر التكفيري ومنهجه
بما أن محمد بن عبد الوهاب أورث كتبا وتيارا عريضا يهتف باسمه ويدعو لمنهجه، هذا التيار فيه الغلو والاعتدال، لكن تيار الاعتدال فيه مضطهد لا رأي له ولا صوت، أما تيار الغلو فهو الظاهر الغالب وبيده معظم الشؤون الإسلامية كالإفتاء والتدريس بالجامعات الشرعية وله خطبة المنبر والدروس والمحاضرات والأشرطة السمعية وهو التيار المدعوم رسمياً، وإن لم يتنبه المسلمين لحجم الغلو داخل التيار الوهابي، ربما لأنه كان مفيدا في الماضي لأنه ينطق عما يجب أن يسكت عنه ويسكت عن ما يجب أن ينطق به فقد آن الأوان ممن يعمون هؤلاء أن يتجنبوا تيار الغلو لأن الغلو ظلم، والظلم إن أفرحك ساعة أحزنك دهرا.
أما إنتاجه من كتب ورسائل مما طبعه الأتباع ونسبوه إليه ووثقوه عنه، كالكتاب المسمى التوحيد أو كتاب كشف الشبهات أو مسائل أهل الجاهلية، فبالرغم من التناقض في أقواله والوقوع في الأخطاء سواء كانت كبيرة أو صغيرة فقهية أو عقدية، ومن يمنع مراجعة هذه الأخطاء فقد غلا غلوا، بل أن جل دعوتهم ترتكز على نقض الغلو في الصالحين، وأن تقليد العلماء وإنكار تخطئتهم من باب اتخاذهم أربابا من دون الله، وهذا تناقض آخر.
وسنذكر من كلام محمد بن عبد الوهاب نفسه أو نقل كلام مقلديه مع توثيق ذلك من كتبهم، إضافة لفك العبارات التي في ظاهرها التورع عن التكفير لكن باطنها هو التكفير المحض، كترديدهم للعبارات العامة مثل: لا نكفر إلا من كفره الله ورسوله. فهذا كلام جميل في ظاهره وقد ينخدع به من لا يعرف حقيقة الكلام، فيستغرب لماذا انتشر عنهم التكفير! لكن عندما تقرأ تفسيراتهم يزول العجب، لأنك تجدهم يظنون أن الله ورسوله يكفرون المؤمنين الركع السجود.
قراءة في كشف الشبهات
هذا الكتاب يتميز بالوضوح وتلقين الحجج والبراهين، ولانتشاره بين كثير من طلبة العلم وأثره الواضح فيهم، وهو في الشهرة ككتابه الأخر المسمى «كتاب التوحيد». منهج الكتاب كله يصب في الغلو في التكفير بعبارات أكثرها غير صريح، وقد بالغ الشيخ في التكفير والتحذير من الشرك حتى أدخل في الشرك ما ليس شركا. فتجد في هذا الكتاب ملحوظات رئيسية واضحة على رسالة صغيرة مشهورة وهي من أكثر ما يفاخر به أتباعه من إنتاجه. من هذه الملاحظات الغلو في التكفير غلوا ظاهرا، مجتنبين الغلو من خصومه وأتباعه، فإنه لا يجوز شرعا أن نحمي محمد بن عبد الوهاب محملين أخطاءه الإسلام فنزعم أن هذا التكفير قد دلت عليه النصوص الشرعية، وأنه دين الله، فهذه الطريقة في تبرئته وتحميل الإسلام أخطاءه فيها خيانة للدين نفسه، يجب أن يبقى الدين فوق مستوى أن نربط مصيره بمصير من نحب من العلماء أو الحكام أو غيرهم، الدين ليس حكرا على أحد، وليس هناك قراءة واحدة، ولا اتفاق على كل النصوص تصحيحيا أو فهما، ولكن من تسمى بالإسلام ولو منافقا كاذبا، حرم دمه وماله وعرضه، وحفظت حقوقه، فكيف بمن ينتسب للإسلام صادقا مقيما للشعائر، مجتنبا الكبائر، ثم بعد هذا نلحقه بالكفار نتيجة فهم دليل أو تلفيق حجة، فهذا أمر خطير، له ثماره ونتائجه السيئة، وهذه التلفيقات التكفيرية يجب أن يكون الموقف منها واضحا في حال وزمان، فلا نغزلها اليوم لطمع وننكثها غدا لفزع. ولنتق الله فإننا إن جاملنا في إقرارها ذهب ديننا سدى، وإن أكلنا بها اليوم أكلتنا غدا.
قراءة في أقوال الشيخ من « الدرر السنية »
الدرر السنية في الأجوبة النجدية، جمع الشيخ عبد الرحمن بن محمد القاسم الحنبلي النجدي، الطبعة السادسة مزيدة ومنقحة،1417هـ. وقد عرف ابن القاسم هذا الكتاب بأنه « مجموعة رسائل ومسائل علماء نجد الأعلام من عصر الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى عصرنا هذا » علما بأن الشيخ عبد الرحمن ابن القاسم توفي عام 1392هـ. والنماذج التالية تدل على الغلو في التكفير، علماء نجد وقضاتها لا يعرفون الإسلام. علماء الحنابلة وغيرهم في عهد الشيخ كانوا مشركين شركا أكبر ينقل من الملة. المسلمون بنجد والحجاز يبكرون البعث. الحرمان الشريفان ديار كفر. تكفير الإمامية. تكفير أهل مكة والمدينة. تكفير البدو. تكفير قبيلة عنزة. تكفير قبيلة الظفير. تكفير أهل العيينة والدرعية. تكفير السواد الأعظم من المسلمين. تكفير من يتحرج من تكفير أهل لا إله إلا الله. تكفير الرازي صاحب التفسير. تكفير طوائف لا يجمعهم إلا خصومة الشيخ. تكفير أكثر أهل الشام. الفقه عين الشرك. أهل الوشم كفار. أهل سدير كفار. أهل الإحساء يعبدون الأصنام. أهل نجد يعبدون الحجر والشجر. وهكذا نجد أن منهج الشيخ بشكل عام وكل علماء الدعوة تقريبا، على التكفير، والغلو فيه وهذه اللغة في التكفير هي الغالبة من كلام الشيخ وأتباعه في التكفير. وهناك القليل على خلاف هذا المنهج.
هل تناقض الشيخ؟
نفى الشيخ عن نفسه أمورا أكثرها موجود في فتاواه، ولعل نفيه لها رجوع أو ذهول أو مناورة، ومنها: إنكاره أنه يبطل كتب المذاهب الأربعة، مع أنه في موضع أخر يسميها « عين الشرك ». كما إنكاره أنه يدعي الاجتهاد والخروج عن التقليد. وأنكر قوله اختلاف العلماء نقمة. إضافة إلى إنكاره بأنه يكفر من توسل بالصالحين. وأنكر أنه يكفر البويصري لقول يا أكرم الخلق. إنكار قوله أنه لو قدر على قبة رسول الله لهدمها، ولو قدر على الكعبة لأخذ ميزابها وجعل لها ميزاب من خشب. أنكر أنه يحرم زيارة قبر النبي. أنكر تحريمه لزيارة قبر الوالدين. أنكر أنه يكفر من يقسم بغير الله. أنكر أنه يكفر ابن الفارض. أنكر أنه يكفر ابن العربي، مع أن في مواضع أخرى يرى أنه أكفر من فرعون، بل يكفر من لم يكفره وطائفته. أنكر أنه يكفر جميع الناس إلا من تبعه. والكثير من الأمثلة مما تبرأ منه موجود في كتبه، وهذا يدل على قوة مخالفيه ودقة مأخذهم.
المسيرة تتواصل« هل الأتباع متفقون مع رأي الشيخ ؟ وهل راجعوا إنتاجه أم واصلوا المسيرة بخطئها وصوابها ؟ ».
جاء تلاميذ الشيخ ومقلدوه ليواصلوا التكفير فقالوا بتكفير من وافق أهل بلده في الظاهر وأن كان يرى خطئوهم ومحب الشيخ في الباطن، وتكفير قبائل قحطان والعجمان، وتكفير أهل حايل، وتكفير من خرج إلى البلدان إذا كان يرى إسلام أهلها، وتكفير ابن عربي وابن الفارض، وتكفير أهل مكة والمدينة، وتكفير الدولة العثمانية، بل وتكفير من لا يكفرها. وتنقسم المسيرة إلى قسمين:
1- ويؤكد غلو المتأخرين من الوهابية للغلو الذي صدر من الشيخ، مثل:
كفروا من وافق أهل بلده كالحجاز أو اليمن أو الشام، إضافة إلى تكفير المسافر إلى خارج بلاد الدعوة، كما كفروا ابن عربي وابن فارض، ناهيك عن التصريح بأن مكة والمدينة ديار كفر، وتكفيرهم للدولة العثمانية. وتكفيرهم لقبيلة قحطان وقبيلة العجمان واعتبروا أهل حايل كفار، ناهيك عن تكفيرهم للأشاعرة -السواد الأعظم من المسلمين السنة-، وتكفير الناس بالحرمين ومصر والشام واليمن والعراق ونجران وحضر موت، وتكفير من لم يكفر أهل مكة، تكفير من سمى الوهابية خوارج، ثم تكفير من بلغته الدعوة ولم يسلم، وتكفير من دخل في الدعوة وادعى أن آباءه ماتوا على الإسلام، وتكفير مانعي الزكاة، ومن قال لا إله إلا الله حال الحرب يقتل، وكفروا أولئك الذين يستخدمون الخدم الكفار في بيوتهم ومكاتبهم وأشغالهم، ثم أشاروا إلى أن من أكرم النصارى أو أثنى عليهم أو عاشرهم أو لم يعلن البراءة منهم فهو مرتد، وأخيراً تحريمهم السفر إلى بلاد المشركين للتجارة إلا أن يكون المسلم قويا له منعة.
2- مواقف المتأخرين من التعليم: لقد تشابهت أفكار المتأخرين من حيث الغلو، فقد اعتبروا المعلمون الذين تستقدمهم وزارة المعارف من الدول العربية فقد اعتبروهم ملحدون، وأشاروا إلى أن هؤلاء المعلمين القادمين قد جاؤا لقلع شجرة لا إله إلا الله التي جاء بها الشيخ محمد بن عبد الوهاب، « في هذا غلو ظاهر في الشيخ محمد، فشجرة لا إله إلا الله جاء بها محمد والأنبياء من قبله »، واعتبروهم من أفراخ الإفرنج وعباد الأولياء. كما أجازوا هجر كل من سافر إلى الدول المجاورة لغرض التعليم أو التجارة أو غيرها حتى يتوب، وكان الشخص القادم من تلك البلاد يغمس بالماء بثيابه بعد صلاة الجمعة ليمتنع عن السفر لبلاد المشركين. وفي فتاواهم تحريم ونهي عن كل العلوم غير الشرعية، كالرسم والرياضة والألعاب والحقوق والطبيعة والتعليم العصري وتعليم البنات. ونصحوا كل مسلم أن لا يدخل ابنه أو ابنته في هذه المدارس، كما اعتبروا إن فتح مدارس البنات مصيبة وطامة كبرى، واعتبروا كل شخص يرضى بهذه المدارس لا غيرة عنده ولا رجولة ولا دين.
كما حرموا لعب الكرة للطلاب وأنها من التشبه بأعداء الله، وذكروا أن أوجه تحريم الكرة أن فيها نوعا من المرح وقد قال الله عز وجل ﴿ولا تمشي في الأرض مرحا﴾ وهذا من المبالغة في اعتساف النصوص الشرعية للاستدلال بها على التحريم. كما اعتبروا التلفاز آلة بلاء وشر داعية إلى كل رذيلة ومجون، إضافة إلى مبالغتهم في تحريم الدخان حتى أوصلوه لدرجة الخمر، وأفتوا بجلد شاربه ثمانون جلدة. ومبالغتهم في تحريم التصوير بكافة أشكاله وأنواعه ماله ظل وما ليس له ظل وجعلوه أصل الشرك. واعتبروا لباس الشرطة من المحرمات، لأنه من التشبه. فهو مشابه للباس الإفرنج المشركين، وكذلك القبعة والبنطلون. وأخيراً جاء تحريمهم للضرب بالرجل على الأرض والتحية العسكرية والتصفيق الصادر من الرجال لأنه تشبه بالنساء وهو من جملة الأمور التي تدل على التخنث وهو من الكبائر.
تكفير الوهابيين لبعضهم
أصدر الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن فتوى يتبرأ منها من الأمير عبد الله بن فيصل لاستعانته بالدولة العثمانية « الكافرة » فلما تغلب على الرياض بايعه الشيخ عبد اللطيف ورأى أنه أسلم مجددا.
تبادل الاتهام بالكفر بين العلماء المؤيدين للملك عبد العزيز وبين جماعة فيصل الدويش، فقد أصدروا فتوى بتكفير الدويش والعجمان وإثبات ردتهم، فقد جاءت الفتوى من عدد من العلماء منهم محمد بن عبد اللطيف ومحمد بن إبراهيم وسليمان بن سحمان وصالح بن عبد العزيز، وقد أكدوا أنه « لاشك في كفرهم وردتهم…. وأن أعظم الأدلة على ردتهم دعواهم أنهم لم يدخلوا تحت إمرة ابن سعود إلا مكرهين ».
من أشهر معارضي الوهابية
ومن أشهر معارضي هذه الحركة هو سليمان بن سحيم بن أحمد بن سحيم الحنبلي النجدي « 1230 – 1181هـ » وهو من فقهاء أهل الرياض وكان والده فقيها أيضا ومن مخالفي الشيخ محمد، وهو من قبيلة عنزة وكان فقيها حنبليا فاضلا، خرج إلى بلدة الزبير بعد استيلاء الوهابية على الرياض ومات هناك، كفره الشيخ محمد بن عبد الوهاب كفر أكبر يخرج من الملة، بل أفحش الشيخ في ذمه فأطلق عليه « البهيم » وهذا تجاوز في الذم. أما سليمان بن عبد الوهاب التميمي النجدي « 1208هـ » وهو أخو الشيخ محمد لأبيه وأمه وكان أعلم منه، وهو فقيه حنبلي من قضاة نجد ومن علمائهم ومعتدليهم، وله كتاب « الصواعق الإلهية » في الرد على أخيه، وهو من أقوى الردود على الوهابية. وكان محمد بن عبد الرحمن بن عفالق الحنبلي الإحسائي « 1100 – 1164هـ » من علماء الإحساء الكبار، فقيها فاضلا له كتب في الفقه والفلك، كان السبب في صرف عثمان بن معمر أمير العيينة عن الشيخ محمد ومع أن الشيخ محمد كان عند ابن معمر لكن قوة حجج بن عفالق دفعت بن معمر للتخلي عن الشيخ ونصرته، وكون ابن عفالق استطاع أن يقنع ابن معمر بضعف حجج الشيخ وهو صهره وهذا يدل على ما يتمتع به ابن عفالق من قوة حجة وعلم، وقد كفره الشيخ كفرا أكبر يخرج من الملة. ويُعد عبد الله بن عيسى المويس التميمي «1175 هـ» من شيوخ نجد وفقيه أهل حريملة رحل إلى الشام وأخذ عن العلامة السفاريني، وهو الذي أستطاع أن يقنع الشيخ عبد الله بن سحيم بالتوقف عن تأييد الشيخ محمد بعد أن كان مؤيدا له، لذلك غضب عليه الشيخ فكفره. أما عبد الله بن أحمد بن سحيم «1175هـ» فقيه أهل المجمعة بالقصيم كان فقيها حنبليا وقاضيا لبلدان سدير كلها، لم يكن شديد المعارضة للوهابية لكنه يعارض غلوها غبي التكفير. ومن أشد معارضي هذه دعوة فقد كان عبد الله بن محمد بن عبد اللطيف الأحسائي وهو من شيوخ الشيخ محمد. أما محمد بن عبد الله بن فيروز الأحسائي «1216هـ» رحل إلى البصرة بعد استيلاء الوهابية على الإحساء في عهد عبد العزيز بن محمد، كان وأبوه وجده من العلماء الحنابلة وكانت له مكانه كبيرة عند السلطان العثماني، وكان يعارض الشيخ محمد بقوة، لذا كفره الشيخ كفرا أكبر ينقل عن ملة الإسلام.
ويعتبر محمد بن علي بن سلوم «1246هـ» من فقهاء الحنابلة وقد فر إلى البصرة من الوهابية مع شيخه بن فيروز الأحسائي. أما القاضي عثمان بن منصور الناصري «1282هـ» – الذي تولى القضاء في سدير وحائل في أيام تركي بن عبد الله وفيصل بن تركي فكان له رأي شديد في الوهابية فيرى أنهم من الخوارج وله كتب في الرد على غلوهم « جلاء الغمة عن تكفير هذه الأمة » لذلك أطلق علماء الوهابية فيه التكفير والذم الشديد.في حين يرى عثمان بن سند البصري «1250هـ» أن الوهابية تكفر عموم المسلمين. وكان محمد بن سليمان الكردي – مفتي الشافعية في المدينة المنورة – من معارضي دعوة الشيخ محمد، وله ردود « مسائل وأجوبه وردود على الخوارج ». أما الشيخ مربد بن أحمد التميمي «1171هـ» وهو واحداً من كبار علماء نجد، وتولى القضاة الوهابيون قتله في مدينة رغبة. وقد رد الشيخ أحمد بن علي النصراني القباني -وهو من سنة العراق – على الشيخ بكتاب « فصل الخطاب في رد ضلالات ابن عبد الوهاب ». ومن بين المعارضين أيضاً سيف بن أحمد العتيقي «1189هـ»، وصالح بن عبد الله الصائغ «1183هـ»، وعبد الله بن داوود الزبيري «1225هـ»، وعلوي بن أحمد الحداد الحضرمي «1232هـ»، ومحمد بن عبد الله كيران المغربي «1227هـ»، ومحمد بن الله بن حميد «1195هـ» إمام الحنابلة بمكة المكرمة، وعبد العزيز بن عبد الرحمن بن عدوان «1179هـ». وحسن بن عمر الشطي الدمشقي «1247هـ».
التكفير أبرز التهم التي وجهها العلماء للشيخ محمد
وهي أقوى وأصح وأبلغ وأخطر تهمة وجهها خصوم الشيخ له ولأتباعه، حتى أن أشد المدافعين عن الشيخ ودعوته من العلماء السلفيين لم يستطع إلا أن يقر بهذه التهمة، كالشوكاني ومنصور الحازمي وكذلك الشيخ السلفي محمد صديق حسن خان. ومن المحايدين الذين وصفوا الوهابية بالتكفير الشيخ أنور شاه كشميري. وأما المخالفون للوهابية فأقوالهم كثيرة جدا، نورد منها النماذج التالية:
فهذا الشيخ السني الحنبلي ابن عفالق يقول عن الشيخ أنه: « حلف يمينا فاجرة بأن اليهود والمشركين أحسن حالا من هذه الأمة »، والشيخ السني الحنبلي سليمان ابن سحيم يقول عن الشيخ: « ومن لم يوافقه في كل ما قال ويشهد أن ذلك حق، يقطع بكفره، ومن وافقه وصدقه في كل ما قال، قال أنت موحد ولو كان فاسقا محضا..».
والشيخ السني الحنبلي السلفي النجدي عثمان بن منصور يقول: « قد ابتلى الله أهل نجد بل جزيرة العرب من خرج عليهم وسعى بالتكفير للأمة خاصها وعامها… بتلفيقات ما أنزل الله بها من سلطان ». وكذلك الشيخ سليمان بن عبد الوهاب أخو الشيخ يقول: « كم أركان الإسلام يا محمد بن عبد الوهاب؟ قال: خمسة، قال: أنت جعلتها ستة، السادس: من لم يتبعك فليس بمسلم، هذا عندك ركن سادس من أركان الإسلام ».
وفي الختام نقول بأن محمد بن عبد الوهاب مرشد ومؤسس الفكر الوهابي والذي اعتمدته تنظيمات القاعدة وحركة طالبان وغيرها من المنظمات الإرهابية التكفيرية، وهو دليل على التحجر الفكري والتعصب الخطير، فالجهل – كما تعلمون – حبل يلتف على عنق صاحبه والجاهل عدو نفسه، والحركات السياسية التي تسترشد بهذه الآراء و بمثل هذا النمط من التفكير لا تقبل أي نقد أو إصلاح فكري لأنها تعتقد أنها تملك الحقيقة المطلقة… وما عداها كافر ! لذلك لابد من إلقاء المزيد من الأضواء على هذه الظاهرة الخطيرة لأنها من المواضيع المهمة والحيوية التي لم يجرؤ إلا القليل في الحديث عنها لما يتميز به هذا الحوار من خصوصية وحساسية وربما سوء فهم من الأخر ليصل إلى حد القمع وهدر الدم و التكفير، فقد برزت قضية تسييس الإسلام في العصر الحديث من بعض الأحزاب والحركات السياسية واتخذت من الإسلام منهاجا ودليل عمل لها للوصول إلى الحكم لتكون لها ولاية دينية وولاية سياسية بإشاعة الرعب والخوف بوسائل شتى وهو جوهر العمل الإرهابي الذي يعد فعلا جرميا عمديا.
هذه مقتطفات بلغت مرارتها حدا قاتلا من أوراق فصل ” الجهاد ” في شجرة التطرف ” القطبية ” إذا ما أضفنا إليها شوارد ” البيانات ” و” الإصدارات ” و” الكتيبات ” السوداء الأخرى، وعدم إدراك السلطات لخطورة حروفها وتعاليمها المتفجرة في قلب الأمة، واتباعها لسياسة “الإهمال” بحجة عدم إثارة الانتباه إليها، والتغاضي عن أهمية طرح تلك الأفكار ” الحبيسة ” وتفاصيل الأحداث الجارية من حولنا •• على بساط الحقيقة والتنوير• كل ذلك سينبت “لا دينيين” آخرين من أغصان شجرة التطرف •• والتطرف الفكري بالأساس!.
……………………………
المراجع:
1- الدرر السنية في الأجوبة النجدية.
2- موسوعة الأديان والمذاهب والفرق.
3-مصنفات ابن تيمية.
4- الإسلام وفلسفة الحكم.
5- تطور الفكر السياسي.
6-لإبانة عن أصول الديانة.
7- ابن تيمية واستئناف القول الفلسفي في الإسلام.
8- الدرر الكامنة.
9- البداية والنهاية.