وَأَمَّا وُفُورُ عَقْلِهِ وَذَكَاءُ لُبِّهِ وَقُوَّةُ حَوَاسِّهِ وَفَصَاحَةُ لِسَانِهِ وَاعْتِدَالُ حَرَكَاتِهِ وَحُسْنُ شَمَائِلِهِ فَلَا مِرْيَةَ أنَّهُ كَانَ أَعْقَلَ النَّاسِ وَأَذْكَاهُمْ، وَمَنْ تَأَمَّلَ تَدْبِيرَهُ أَمْرَ بَوَاطِنِ الْخَلْقِ وَظَوَاهِرِهِمْ وَسِيَاسَةَ العامة والخاصة مع عجب شَمَائِلِهِ وَبَدِيعِ سِيَرِهِ فَضْلًا عَمَّا أَفَاضَهُ مِنَ الْعِلمِ وَقَرَّرَهُ مِنَ الشَّرْعِ دُونَ تعلم سَبْقٍ وَلَا مُمَارَسَةٍ تَقَدَّمَتْ وَلَا مُطَالَعَةٍ لِلِْكُتُبِ مِنْهُ: لَمْ يَمْتَرِ فِي رُجْحَانِ عَقْلِهِ وَثُقُوبِ فَهْمِهِ لِأَوَّلِ بَدِيهَةٍ، وَهَذَا مِمَّا لَا يُحْتَاجُ إِلَى تَقْرِيرِهِ لِتَحَقُّقِهِ وَقَدْ قَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ قَرَأْتُ فِي أَحَدٍ وَسَبْعِينَ كِتَابًا فَوَجَدْتُ فِي جَمِيعِهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْجَحُ النَّاسِ عَقْلًا وأَفْضَلُهُمْ رَأْيًا وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى فَوَجَدْتُ فِي جَميعِهَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُعْطِ جَمِيعَ النَّاسِ مِنْ بَدْءِ الدُّنْيَا إِلَى انْقِضَائِهَا مِنَ الْعَقْلِ فِي جَنْبِ عَقْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَا كَحَبَّةِ رَمْلٍ مِنْ بَيْنِ رِمَالِ الدُّنْيَا، وَقَالَ مُجَاهِدٌ كان رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ فِي الصَّلَاةِ يَرَى مِنْ خَلْفِهِ كَمَا يَرَى مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَبِهِ فُسِّرَ قوله تعالى (وتقلبك في الساجدين) وَفِي الْمُوَطَّأِ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ (إِنَّي لأَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي) وَنَحْوُهُ عَنْ أَنسٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مِثْلُهُ قَالَتْ زِيَادَةٌ زَادَهُ اللهإِيَّاهَا فِي حُجَّتِهِ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ إِنِّي لأَنْظُرُ مِنْ وَرَائِي كَمَا أَنْظُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ وَفِي أُخْرَى إِنِّي لأُبْصِرُ مِنْ قَفَايَ كَمَا أُبْصِرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ وَحَكَى بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرَى فِي الظُّلْمَةِ كَمَا يَرَى فِي الضَّوْءِ
وَالْأَخْبَارُ كَثِيرَةٌ صَحِيحَةٌ فِي رُؤْيَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَلَائِكَةَ وَالشَّيَاطِينَ، ورفع النجاشي له حتى صلى عليه وبيت المقدس حين وصفه لقريش والكعبة حين بنى مسجده.
وقد حكي عنه صلى اللَّه عليه وسلم أنه كان يرى فِي الثُّرَيَّا أَحَدَ عَشَرَ نَجْمًا وَهَذِهِ كُلُّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى رُؤْيَةِ الْعَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِ وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى رَدِّهَا إِلَى الْعِلْمِ، وَالظَّوَاهِرِ تُخَالِفُهُ وَلَا إِحَالَةَ فِي ذَلِكَ وَهِيَ مِنْ خَوَاصِّ الْأَنْبِيَاءِ وَخِصَالِهِمْ كَمَا أَخْبَرَنَا أبو محمد عبد الله ابن أَحْمَدَ الْعَدْلُ مِنْ كِتَابِهِ حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْمُقْرِي الْفَرْغَانِيُّ حَدَّثَتْنَا أُمُّ الْقَاسِمِ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ عن أبها حَدَّثَنَا الشَّرِيفُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَسَنِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ حدثنا محمد بن أحمد بن مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْزُوقٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ وَثَّابٍ عَنْ أبى هرير رضي الله عنه عن النبي صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَمَّا تَجَلَّى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ كَانَ يُبْصِرُ النَّمْلَةَ عَلَى الصَّفَا فِي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ مَسِيرَةَ عَشْرَةِ فَرَاسِخَ) وَلَا يَبْعُدُ عَلَى هَذَا أنْ يَخْتَصَّ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ هَذَا الْبَابِ بَعْدَ الْإِسْرَاءِ وَالْحُظْوَةِ بِمَا رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى * وَقَدْ جَاءَتِ الأَخْبَارُ بِأنَّهُ صَرَعَ رُكَانَهَ أَشَدُّ أَهْلِ وَقْتِهِ وكَانَ دَعَاهُ إِلَى الْإِسْلَامِ وَصَارَعَ أبَا رُكَانَةَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وكَانَ شَدِيدًا وَعَاوَدَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كُلُّ ذَلِكَ يَصْرَعُهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم وقال أبو هريرة رضي الله عَنْهُ مَا رَأيْتُ أَحَدًا أَسْرَعَ مِنْ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَشْيِهِ كَأنَّمَا الْأَرْضَ تُطْوَى لَهُ، إِنَّا لَنُجْهِدُ أَنْفُسَنَا وَهُوَ غَيْرُ مكترث.
وَفِي صِفَتِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ ضَحِكَهُ كَانَ تَبَسُّمًا إذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ مَعًا وإذا مَشِي مَشِيَ تَقَلُّعًا كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website