يتحول هدوء قرية تكوروط الأمازيغية بمدينة تارودانت إلى صخب كل صيف، ويصبح ضريح وليها الشهير سيدي بوعيسى أوسليمان مقصد سكان القرية والقرى المجاورة، يجتمعون في محيطه ويقيمون موسماً سنوياً.
بالنسبة للمسلمين، فهم يظهرون بذلك الاحترام لولي صالح، يقال إنه عاش قبل سبعة أو ثمانية قرون، ورغم أنهم يجهلون الكثير عن شخصيته وحياته، فإنهم يتفقون حول بركاته وكراماته
وليس المسلمون وحدهم من يقدسون هذا الولي، بل يحرص اليهود المغاربة على زيارته في الخفاء أو العلن، فهم يعتقدون أنه منهم، ويتداولون حكايات مختلفة حوله، وبعضهم يعتقد أنه ابن الملك سليمان بن داوود، فيما تجزم فئة ثالثة بأنه “قديس” يهودي حسب معتقدهم اسمه رابي بعاشا بن شلومو.
يجتمع في الموسم السنوي أتباع الديانتين معاً، ويحرص المشرفون على الضريح على تنظيم واحترام قواعد الزيارة. يسمح لليهود بالنظر من بعيد ولكنهم ممنوعون من الدخول إلى داخل الضريح
الأولياء في المغرب يتبرك بهم المسلمون وتحترمهم اليهود
فصلت أطروحة دكتوراه أنجزها الأستاذ في علم الاجتماع حسن مجدي في جامعة باريس عنوانها “التبرك بالأولياء وحج اليهود بالمغرب” ظاهرة الأولياء في المغرب الذي يتبرك به المسلمين و تزوره اليهود.
وميز مجدي بين ثلاثة أصناف، فهناك أولياء تزورهم اليهود والمسلمون معاً، كل طرف ينسب الضريح إلى ولي منهم، وقد أحصى الباحث الفرنسي لويس فوانو في دراسة له حول الموضوع 31 ولياً في هذا الصنف، بينما وضع الباحث اليهودي إسخار بن عامي قائمة تضم 36 ولياً.
ومن بين هؤلاء الأولياء في المغرب: سيدي محمد الشريف في العرائش، وسيدي بوذهب بآسفي، وللاصافية بأكادير، وسيدي بلعباس بالقصر الكبير، وسيدي قاضي حاجة في العونات بدكالة، وسيدي إبراهيم وسيدي يعقوب وسيدي موسى أوصالح في بني وراين، وسيدي مول البرج في بزو، وسيدي يحيى بنيونس بوجدة، وسيدي يوسف الحاج بدبدو، وسيدي بوعيسى أوسليمان بتارودانت، وسيدي بولنوار في أولاد برحيل.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
وحكاية ضريح سيدي يحيى بن يونس بوجدة حكاية غريبة ومثيرة، فهو يوصف بأنه ولي أتباع الديانات الثلاث، وحسب كتاب معلمة المغرب فإن هناك اختلافاً بيناً في الروايات التي تتحدث عن أصله ونسبه، وأهمها روايتان: الأولى ترجح أنه كان من الحواريين أصحاب عيسى عليه السلام وقد آمن بالنبي محمد قبل بعثته، وهي الرواية التي اعتمدها جل الإخباريين. والله أعلم بالصواب
أما الرواية الثانية، فهي أنه من يهود قشتالة بالأندلس ويدعى يحيى بن دوسة، اضطر إلى الهجرة إلى المغرب إثر الحملة الاضطهادية التي أصابت المسلمين واليهود.
ولأتباع هذا الولي من المسلمين واليهود اعتقاد راسخ في كراماته ومنها على الخصوص الاستشفاء من الأمراض المزمنة ومن العقم.
أولياء مسلمون يعترف بهم اليهود
يزور اليهود أضرحة يدركون جيداً أن الأولياء المدفونين بها مسلمون، ويقومون بالزيارة علناً عندما يسمح لهم بذلك وفي الخفاء إذا لم يسمح لهم، وفي بعض الأحيان ينسبون هؤلاء الأولياء إلى أصل يهودي أو إلى رابط ما يربطهم باليهودية
ومن أشهرهم للاجميلة بطنجة، وسيدي بلعباس بسلا، ومولاي المكي بن محمد وسيدي مخلوف بالرباط، وسيدي علي بوغالب بالقصر الكبير، وسيدي علي بوسرغين بصفرو، وسيدي علي بلقاسم بقرية فلوش بدبدو.
بالمقابل، يوجد أولياء من بني اسرائيل يتبرك بهم المسلمون أيضاً، وعدّ فوانو 55 ولياً ضمن هذه القائمة، من بينهم: أبراهام طوليدانو بطنجة، وربي عمرم بن ديوان بوزان ويسميه المسلمون سيدي عمران، ومول الجبل الأخضر بين صفرو والبهاليل ويطلق المسلمون على الضريح اسم كهف اليهودي، وإسحاق بن وليد بتطوان، وضريح رابي سعديا عداتي قرب مدينة الناظور.
تقديس عبر الأجيال
بالنسبة للباحث في علم الاجتماع علي الشعباني، فإن زيارة الأضرحة جزء من الثقافة الشعبية بالمغرب، والتي كانت منتشرة في الماضي وما زالت إلى اليوم.
ويوجد بالمغرب ما يزيد على سبعة آلاف زاوية وضريح حسب آخر إحصاء رسمي لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ويعرف بأنه بلد المئة ألف ولي، إذ لا تكاد تخلو مدينة أو قرية من أضرحة لأولياء معروفين أو مجهولي الهوية.