لدخول الإسلام إلى غرب أفريقيا قصة طويلة جمعت بين الفتوحات العسكرية والتجارة والتصوف، إذ أسهم القادمون من الشمال الأفريقي من عرب وأمازيغ طيلة قرون طويلة في نشر الإسلام هناك ضمن عملية بطيئة، لم يُخطَّط لها مثل الفتوحات الأولى، ولكنها رغم ذلك أحدثت تغييرا جذريا في صفوف تلك الشعوب الوثنية بمناطق “صونغاي” و”تمبكتو” و”غانه” و”فولو” و”كوكو” وغيرها من المناطق التي تقع اليوم في النيجر ومالي وموريتانيا والسنغال بالصحراء الكبرى، وحتى غانا ونيجيريا على سواحل الأطلنطي الجنوبية.
لقد كان فتح المسلمين لمصر وبلاد المغرب في القرن الأول الهجري/السابع والثامن الميلادي من أهم الأسباب التي جعلتهم مهتمين بمعرفة أحوال هذه الشعوب القاطنة في وسط أفريقيا وغربها رغم حياتها الشديدة البدائية الموغلة في الوثنية وعبادة الأصنام. وبوسعنا أن نرى إشارات مبكرة على ذلك عند المؤرخين المسلمين الأقدمين، مثل “المسعودي” في القرن الرابع الهجري في كتابه “مروج الذهب” الذي وصف فيه أهل السودان الأقصى بالعُراة قائلا: “وتتصل أقاصي السودان العُراة بآخر بلاد ولد إدريس بن إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام من أرض المغرب”[1]، وإدريس هذا مؤسس دولة الأدارسة في المغرب الأقصى في القرن الثامن الميلادي الذي كان مُعاصرا للدولة العباسية في عصرها الباكر زمن هارون الرشيد.
تلك الشعوب، وإن كانت غارقة في البدائية والوثنية آنذاك، لكنها شكَّلت ممالك وشبه دول خضعت لقوانين القبيلة والزعامة، وحافظت على هذه القوانين لمئات السنين، فيقول عنهم المسعودي (346هـ): “وأما غير هؤلاء من الحبشة الذين قدَّمنا ذكرهم ممن أمعنَ (استوطن) في المغرب (غرب أفريقيا) مثل الزغاوة والكوكو والقراقر ومديدة ومريس والمبرس والملانة والقوماطي ودويلة والقرمة، فلكل واحد من هؤلاء وغيرهم من أنواع الأحابش مُلك ودار مملكة”[2].
في ظل هذه البدائية والوثنية أطل الإسلام بنوره على هذه الشعوب عبر مسيرة زمنية طويلة جمعت ما بين أساليب الفتوح والتجارة والتصوف، فكيف كانت قصة الإسلام مع غرب أفريقيا؟ وكيف أقبلت تلك الشعوب على المسلمين فاتحين كانوا أم تجارا أم متصوفة؟ ذلك ما سنراه في سطورنا الآتية.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website