لم يكن ظهوراً عادياً للموقوف السعودي خالد المولد المنتسب للدين الوهابي، مع الإعلامي داود الشريان على شاشة الـ MBC، وهو المتهم بقضايا تتعلق بالإرهاب، فالفرصة الطويلة والمريحة التي أتاحها الشريان لضيفه، كانت هي بطل اللقاء وليس المولد ذاته، وقد كنا أمام حالة خاصة، تتجسد فيها مواصفات الوهابي متكامل الصفات، دون أن تخلو منها تضاريس حياتية تقود إلى الطريق التي سار عليها المولد في محطاته المختلفة.
شاب سعودي، من عامة الناس، ولد في مدينة مقدسة على بعد أمتار من قبر النبي، لوالد كان يعمل في سقاية الحجّاج وزوار المدينة المنورة، ليعمل مع والده في مهنة أقرب إلى الطقس الديني منها إلى الوظيفة، وليعبر من أنفاق المخدرات والجهاد، من ثم يتتلمذ على أيدي المشايخ الوهابية هناك حتى يصل إلى قناعة تقول بضرورة هدم قبر النبي.
لم يكن صعباً على الشريان أن يستضيف المولد، وهو سجين لدى السلطات السعودية، ولكن الصعوبة كانت في الحصول على سجين يتحدث بحرية، يمنحها لنفسه، دون خوف من المحاسبة، وهذا ما فعله المولد، فقد بدا مسترخياً تماماً، متمسكاً بقناعاته حول تكفير الدولة والمجتمع، مدعماً أفكاره بالعلل والأسانيد الوهابية، ولم يتردد بالقول إنه يعتبر الشريان ذاته كافرا، وأنه يتوجب عليه أن يستتيبه أولاً، فإن تاب، كان بها، وإن لم يتب، توجب قتله بلا جدال، وحين سأله صاحب برنامج “الثامنة” الذي يهتم بقضايا المجتمع السعودي “وكيف ستقتلني؟” قال المولد “بالرصاص، أو بالسكين، أو بما تيسّر، وإن لم يتيسّر شيء فخنقاً”.
وقد أثار ظهور المولد على الشاشة خلال الأيام الماضية، جدلاً واسعاً في الساحة السعودية، ففريق من المعلقين اعتبره مجرد مريض نفسي يتحدث بلا حسابات، ولا حدود عقلية، بينما عدّه فريق آخر أخطر من مجرد مضطرب نفسياً، كما أكّد استشاري الطب النفسي السعودي طارق الحبيب في تغريدات له على موقع تويتر، والذي أضاف أن المولد “ليس مريضا نفسيا في تقييمه له وإن كانت حالته أخطر من المرض النفسي”
ليبقى السؤال الذي افتتح بوابته الشريان في حواره مع المولد، هل بالفعل ينطلق عناصر القاعدة وداعش من خلل نفسي؟ أم أن النمط الفكري الوهابي الذي يتبعونه هو بحد ذاته يتطلب انخراطاً نفسياً قريباً من الاضطراب؟
القيمة الحقيقية لما قاله خالد المولد، ليست في آرائه الشخصية، ولا في مسيرة حياته، بل في الفكر الوهابي الذي ينطلق منه، والذي قال عنه صراحة إنه فكر ينظر إلى حال المجتمعات الإسلامية اليوم على أنها مجتمعات فتنوية، وعليه فإن هذا يقتضي من القائمين على الأمر فيها، تدارك تلك الفتنة والعودة إلى الحق، أو الرضوخ لحكم الجهاد، والجهاد سيكون بالقتل، والذي هو مبرر بالنسبة إلى المولد فـ “الفتنة أشدّ من القتل”، ولذلك فقد ناشد خالد المولد العقلاء كي يتحركوا ويناصحوا الدولة، قبل أن يتم إعلان الجهاد ضد الدولة وحينها، كما قال، سيسيل الدم للرّكب.
هل يمهد ولي العهد السعودي للتخلي عن الفكر الوهابي؟ لقراءة هذا المقال اضغط هنا
ما دامت المعاهد الدينية والكليات الشرعية في الخليج عامة وفي السعودية خاصة تدرس المنهاج الوهابي وتدرّسه، الذي يتحدث عن ضرورة اعتناق افكار محمد بن عبد الوهاب وابن تيمية، وعن حاكمية المتغلب، وعن التكفير بأنواعه، والتجسيم والتشبيه, فإن أعداد المؤمنين بهذا الفكر ستبقى تتزايد، دون أن تمكن معها الإحاطة بالأمر أمنياً، أو تحت شعار محاربة الإرهاب، فالضغط سيزيد من ردود الفعل لديهم، وهم أصلاً يتغذون على المظلومية بنظرهم، وهكذا ندخل في دائرة مستدامة من العنف والعنف المضاد يشعل كل منهما فتيل الأخرى كل مرة.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website