قرية مدفونة تحت الرمال في عُمان
قبل 30 عاماً من الآن، كان العُمانيون يسكنون قرية في وادي المر بولاية جعلان بني بو علي في محافظة جنوب الشرقية، لكن الآن لم يبق من القرية سوى مبانٍ ومنازل مبنية بالحجارة بأبواب خشبية بينما تغرقها الرمال من كل جانب.
الصور التي وثقها المصور ضمن مشروع لاكتشاف وتوثيق صحاري السلطنة أعادت الذكريات لبعض سكان القرية قبل أن تغطيها الرمال، إذ علق مواطن عُماني يدعى عبدالله العامري على الصور: “نعم هذه بيوتنا، واحد بيتنا والأخرى بيوت أعمامي، كنا نذهب إليها في بعض الأوقات من السنة جميعها بُنيت مطلع السبعينات، ولكن الزحف الرملي في نهاية الثمانينات جعل السكان تترك منازلها”.
كما ربطها آخر برواية الكاتب العُماني محمد عيد العريمي “بين الصحراء والماء” التي لخص فيها سيرته الذاتية التي يصور فيها الانتقال من بداوة الصحراء إلى حضارة المدن وتأثيرها الثقافي، وتركز هذه الرواية بشكلٍ خاص على وادي مر، حيث تقع هذه القرية المدفونة، التي أشارت لها الرواية أيضاً.
للمنازل المدفونة في الرمال تصميم معماري ميّز منازل وادي المر بولاية جعلان بني بو علي، مع أنه قريب لنمط العمارة في محافظات مرباط وظفار الواقعتان على الشريط الساحلي جنوب عُمان، وتبعد نحو ألف كيومتر عن القرية المدفونة.
قرية مدفونة تحت الرمال لكن في الإمارات
على بعد نحو 600 كيلومتر عن القرية العُمانية المدفونة، أي مسيرة 5 أيام سيراً، تقع قرية أخرى دفنتها الرمال، لكن خارج عمان، حيث تقع هذه القرية في صحراء الإمارات، وتحديداً على بعد 60 كيلومتراً من مدينة دبي، أي أقل من ساعة بالسيارة.
قرية المدام المهجورة ابتلعتها رمال الصحراء أيضاً، لكن الباقي من منازلها (13 منزلاً) ومسجدها الكبير يشهد على حياة كاملة كانت تزدهر بها القرية قبل أعوام قريبة، ويبدو أن أهلها تركوها على عجل، إذ تركوا الأبواب مفتوحة وبعض الأمتعة الشخصية المتناثرة، ثم أغرقتها الرياح بالرمال من كل الاتجاهات، إذ لا يحيط بالقرية أي جبال أو هضاب أو مبانٍ طويلة تحميها من الرياح من أي جانب.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
كيف دفنت القرى بالرمال؟
بالنسبة للقرية العُمانية ربما تكون الأمور أكثر غموضاً، إذ لم تعلن جهات رسمية بعد قصة غرقها بالرمال، لكن بالطبع قصتها ستكون شبيهة بقصة شبيهتها الإماراتية، التي كانت هناك محاولات رسمية لتفسير سر غرقها.
خصوصاً في ظل تداول أساطير خارقة للطبيعة عن الجنية “أم دويس” التي تختبئ في طرقات القرية لاستدراج ضحاياها من الرجال بعطورها، ومن ثم تقتلهم ببشاعة، و”أم دويس” هذه لديها قدمان كقدمي الحمار، ويداها عبارة عن زوج من الدويس (المناجل)، وعيناها كعيني قطة، وفق ما كان يتداوله سكان القرية، ومنهم أم محمد التي سكنت القرية في طفولتها، وهي قصة خرافية نقلتها حديثاً لصحيفة “الخليج”.
أما على الصعيد الرسمي، فقد أجرت مؤسسة الشارقة للفنون استشارة عامة لتتبع تاريخ القرية في عام 2018، ومن المعلومات الرئيسية التي عرفت عنها أنها ربما بنيت في منتصف السبعينيات إلى أوائل الثمانينات، قبل أن يهجرها أهلها بسبب العواصف الرملية الشرسة التي جعلت القرية غير قابلة للسكن.
إذ ذكر أحد سكانها لصحيفة “الخليج” أن أول من سكنها كانت عائلة الكتبي التي عاشت نحو 14 عاماً، من 1980 حتى 1994، قبل أن تهجرها بعد تعرضها لتيارات هوائية شديدة عام 1995. وقد وجه عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، الشيخ سلطان بن محمد القاسمي، بنقل أهالي الشعبيات إلى مناطق أحدث وأكثر استقراراً، بعد مطالبة أهلها بأماكن بعيدة عن تيارات الرمال.
لكن يبدو أن البنية التحتية للقرية لم تكن مجهزة بشكل يساعد أهلها على تحمل غضب رمال ورياح الصحراء. فلم تزود القرية بالكهرباء والماء، وهو سبب رئيسي ربما دفع الأهالي للرحيل، وفق صحيفة Gulf News الإماراتية التي تصدر بالإنجليزية.
فيما قال أحد سكان القرية السابقون، ويدعى راشد خلفان الكتبي، إن عدد السكان كان نحو 120 شخصاً، ما بين رجل وامرأة وأولاد، وكانوا يعيشون على تربية الجمال، والماعز، والأغنام، لكنه روى سبباً آخر دفعهم للرحيل عن القرية.
إذ ذكر في حديثه مع صحيفة الخليج: “أتذكر كنا نجتمع جميعاً في العيد ونقوم بذبح 5 رؤوس من الأغنام، والنساء يقمن بعمل الطعام، ونتجمع جميعاً، الرجال يأكلون معنا، والنساء والأطفال في مائدة أخرى، وكان الجميع يجتمعون، وكلهم أناس طيبون على فطرتهم كعادة أبناء الإمارات، ويستقبلون الضيف بالحب والترحاب.. منطقة تتجدد فيها الحياة ويعيش الناس مع بعضهم بعضاً بكل الوفاء والصدق، وعندما كبر أولادنا ودخلوا المدارس كان لابد أن ننتقل إلى مكان أكثر قرباً من المدارس”.
فيما يقول ياسر الششتاوي، أستاذ الهندسة المعمارية بجامعة كولومبيا، الذي درس إدخال “البيت الشعبي” في الإمارات منذ أواخر الستينيات، إن قرية المدام مثال نموذجي على البيت الشعبي، فهي مبنية على “نموذج مركب” مع مرفقات حول ساحات مفتوحة، وغرف قياسية، وإنه تم تجميع بعض المساكن الجديدة بشكل سريع، بحيث لم تكن البنية التحتية قائمة دائماً، ما أدى إلى تخلي البدو عنها.