ينحني التاريخ لإرادة الإنسان عندما يُمارس بإيمان وثبات؛ كان عمر- رضي الله عنه- أحد هؤلاء الرجال؛ لقد عازم التاريخ على إرادته، تاركًا إرثًا نظرت إليه الأجيال اللاحقة كنموذج يحتذى به.

من هو عمر بن الخطاب

لقد كان أحد أعظم الفاتحين، ومديرًا حكيمًا، وحاكمًا عادلًا، وبانيًا ضخمًا، ورجلًا تقي أحب الله- عز وجل- بنفس القوة التي أحبها الغزاة الآخرون من أعيرة الذهب والثروة.

شكل عمر- رضي الله عنه- الصرح التاريخي للإسلام، وأي شيء أصبح الإسلام أو لم يصبح في القرون اللاحقة يرجع في المقام الأول إلى عمل هذه الشخصية التاريخية. في الواقع، كان عمر- رضي الله عنه- مهندس الحضارة الإسلامية

مواقف عمر بن الخطاب

1- معركتي اليرموك والقادسية

في عام 15 هـ (636 م)، ردت الإمبراطورية البيزنطية على المسلمين. وعلى الرغم من أن خالد بن الوليد- رضي الله عنه- لم يعد في القيادة رسميًا، إلا أنه كان يحظى باحترام كبير من قبل الجنود بسبب خبرته في الحرب. وبناءً على نصيحته، تراجعت القوات الإسلامية إلى نهر اليرموك.

هنا وقعت المعركة التي ستحدد مصير المنطقة لقرون قادمة. فاق عدد القوات البيزنطية النخبة أعداءهم، لكن خالد بن الوليد- رضي الله عنه- لم يكن غريباً عن القتال ضد الصعاب. عانى البيزنطيون من هزيمة ساحقة، حيث تم هزيمة الجيش بالذبح ولقي الكثيرون حتفهم بسبب الغرق في النهر. لم يصبح الموقف الإسلامي في سوريا بلا منازع فحسب، بل سيطروا أيضًا على بلاد الشام بعد فترة وجيزة. في وقتٍ لاحق من نفس العام، كانوا على أبواب القدس – ثالث أقدس مدينة إسلامية.

في نفس العام، على الجانب الآخر من الصحراء السورية، التقت القوات الإسلامية بقيادة سعد بن أبي وقاص- رضي الله عنه- بالإمبراطورية الساسانية العظيمة بقيادة زعيمهم رستم فرخزاد. أثبتت معركة القادسية أنها ميؤوس منها بالنسبة للعرب في البداية. لكن الموت المصيري لرستم أضعف معنويات قواته التي هُزمت بعد ذلك تمامًا. كانت قوات الراشدين قد ظهرت منتصرة على الصعاب المذهلة مرة أخرى. وهذا الانتصار وضع على الفور العراق بأكمله والعاصمة الساسانية قطسيفون تحت سيطرتهم. أمر عمر- رضي الله عنه- القوات بعدم التقدم إلى منطقة غير مألوفة لإيران، خشية هزيمتهم وتعكس مكاسبهم. لا يمكن المبالغة في أهمية هذين الانتصارين. تم سحق دفاعات القوات المعارضة ولم يعد بإمكانهم شن هجمات مضادة فعالة على مستويات مماثلة بعد الآن. بعد النجاح في اليرموك، وصل عمر إلى سوريا والشام في المقام الأول لتلقي استسلام القدس (التي كانت تحت الحصار) وأيضًا لإدارة الشؤون الداخلية في المنطقة.

فتح القدس

القدس مدينة مقدسة للمسلمين وهي أولى القبلتين. كما أنها المكان الذي أسرى منه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ليلة الإسراء والمعراج. واكتسبت القدس أهمية غير مسبوقة في الإسلام بعد ذلك. في عام 16 هـ (637 م)، عندما كانت القوات الإسلامية بقيادة أبو عبيدة بن الجراح- رضي الله عنه- على أبواب المدينة المقدسة، رأى بطريرك القدس: صفرونيوس، أنه لم يكن هناك قوة بيزنطية ستأتي لإغاثتهم، فرفع دعوى قضائية من أجل استسلام سلمي، شخصيًا لعمر- رضي الله عنه. كما اشترط بطريرك القدس أن يأتي الخليفة الراشدي من أجل أن يتسلَّم مفاتيح المدينة. دفع هذا عمر- رضي الله عنه- إلى مغادرة عاصمته دون أي حاشية وبطريقة غير رسمية تمامًا. وصل إلى سوريا حيث قدم شروطًا متساهلة للمدن التي تم فتحها حديثًا (كما فعل خالد أيضًا). ثم ذهب إلى القدس، حيث قام سفرونيوس بجولة إرشادية في المدينة، ثم سلمها له. قبل أكثر من خمسة قرون، في 70 م، طرد الرومان اليهود من المدينة المقدسة

فتح الشام ومصر

بعد تعزيز سيطرة عمر- رضي الله عنه- على سوريا والشام، في 19-20 هـ (640 م)، اقتنع عمرو بن العاص، أحد القادة العسكريين الذين تم إرسالهم إلى سوريا في عهد أبو بكر، بفتح مصر بحجة صد الاعتداءات البحرية البيزنطية على بلاد الشام. كان عمر، وهو رجل ذو طبيعة حذرة، مترددًا في البداية في المخاطرة بمثل هذا التعهد الكبير، لكنه في النهاية عازم على إرادة عمرو. ومعززًا من قبل قوات الخليفة تحت قيادة الزبير بن العوام، واجه عمرو الجيش البيزنطي، الذي هُزم بشكل حاسم في معركة هليوبوليس عام 19 هـ (640 م)، وبحلول عام 20 هـ (641 م)، تم فتح مصر.

الإدارة

مواقف عمر بن الخطاب، تذهب النجاحات العسكرية في حكم عمر- رضي الله عنه- إلى أن تبقى النقطة المحورية لأغلب التواريخ المكتوبة عنه. لكن مهاراته الإدارية تطغى بسهولة على الإنجازات التي تحققت في هذا المجال، ومن أهم سمات سياسة عمر ما يلي:

• قام بمنع شراء الأراضي في الأراضي المكتسبة حديثًا.
• قام بفصل القوات وإيوائهم بعيدًا عن السكان المحليين في مدن الحامية.
• تم إنشاء معاشات التقاعد وقوة الشرطة والمحاكم والبدلات من أجل التسهيل على الناس.
• تم إنشاء خزانة دائمة للدولة تسمى بيت المال.
• كذلك، تم تأسيس نظام قضائي لا هوادة فيه على أساس المعايير العليا للعدالة.

العدل

مواقف عمر بن الخطاب، كما قام بتوزيع الطعام على السكان المحليين خلال مجاعة في شبه الجزيرة العربية، وهذا بدوره أدى إلى إنقاذ حياة عدد لا يحصى من الناس. لم يكتفِ بتقديم القضاة وهيئات المحلفين للتعامل مع القضايا المحلية. بل استحدث أيضًا محاكم خاصة لمحاسبة المسؤولين عن إساءة استخدام السلطة. تم إدخال قوة شرطة للحفاظ على الانضباط في المدن، بدلاً من تسليم مثل هذا الواجب الدقيق للجيوش. ولتمويل هذه المؤسسات وإعالة الناس، تم إنشاء خزينة دائمة للدولة: بيت المال.

بسبب طبيعته العادلة، حصل على لقب فاروق الذي يميز بين الصواب والخطأ.