Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
إِنَّ من أهداف الحكم الإِسلاميِّ الحرص على إِقامة قواعد النِّظام الإِسلاميِّ الَّتي تساهم في إِقامة المجتمع المسلم، ومن أهمِّ هذه القواعد العدلُ، والمساواة، ففي خطاب الفاروق للأمَّة أقرَّ هذه المبادئ، فعدالته، ومساواته تظهر في نصِّ خطابه الَّذي ألقاه على الأمَّة يوم تولِّيه منصب الخلافة؛ ولا شكَّ: أنَّ العدل في فكر الفاروق هو عدل الإِسلام؛ الذي هو الدِّعامة الرَّئيسية في إِقامة المجتمع الإِسلاميِّ، والحكم الإِسلاميِّ، فلا وجود للإِسلام في مجتمعٍ يسوده الظُّلم، ولا يعرف العدل.
ولقد كان الفاروق قدوةً في عدله، أسر القلوب، وبهر العقول، فالعدل في نظره دعوةٌ عمليَّةٌ للإِسلام، به تفتح قلوب النَّاس للإِيمان، وقد سار على ذات نهج الرَّسول (صلى الله عليه وسلم)، فكانت سياسته تقوم على العدل الشَّامل بين النَّاس، وقد نجح في ذلك على صعيد الواقع والتَّطبيق نجاحاً منقطع النَّظير، لا تكاد تصدِّقه العقول، حتَّى اقترن اسمه بالعدل، وبات من الصَّعب جدّاً على كلِّ مَنْ عرف شيئاً يسيراً من سيرته أن يفصل ما بين الاثنين، وقد ساعده على تحقيق ذلك النَّجاح الكبير عدَّةُ أسبابٍ ومجموعةٌ من العوامل. وهذه بعض مواقفه في إِقامته للعدل، والقسط بين النَّاس:
فقد حكم بالحقِّ لرجلٍ يهوديٍّ على مسلم، ولم يحمله كفر اليهوديِّ على ظلمه، والحيف عليه. أخرج الإِمام مالكٌ من طريق سعيد بن المسيِّب: أنَّ عمر بن الخطَّاب ـ رضي الله عنه ـ اختصم إِليه مسلمٌ، ويهوديٌّ، فرأى عمر: أنَّ الحقَّ لليهوديِّ، فقضى له، فقال له اليهوديُّ: والله لقد قضيت بالحقِّ! وكان رضي الله عنه يأمر عمَّاله أن يوافوه بالمواسم، فإِذا اجتمعوا؛ قال: أيُّها النَّاس! إِنِّي لم أبعث عمَّالي عليكم؛ ليصيبوا من أبشاركم، ولا من أموالكم، إِنَّما بعثتهم؛ ليحجزوا بينكم، وليقسموا فيئكم بينكم، فمن فُعِل به غير ذلك فليقُم، فما قام أحد إِلا رجلٌ واحدٌ قام، فقال: يا أمير المؤمنين! إِنَّ عاملك ضربني مئة سوطٍ. قال: فيم ضربته؟ قم فاقتصَّ منه، فقام عمرو بن العاص، فقال: يا أمير المؤمنين! إِنَّك إِن فعلت هذا يكثر عليك، ويكون سنَّةً يأخذ بها من بعدك، فقال: أنا لا أقيد؛ وقد رأيت رسول الله يقيد من نفسه! قال: فدعنا، فلنرضه، قال: دونكم، فأرضوه، فافتدى منه بمئتي دينارٍ، كلُّ سوطٍ بدينارين ولو لم يرضوه؛ لأقاده رضي الله عنه.
وجاء رجلٌ من أهل مصر يشكو ابن عمرو بن العاص واليه على مصر قائلاً: يا أمير المؤمنين! عائذٌ بك من الظُّلم. قال: عذت معاذًا. قال: سابقت ابن عمرو بن العاص، فسبقته، فجعل يضربني بالسَّوط، ويقول: أنا ابن الأكرمين. فكتب عمر إِلى عمرٍو ـ رضي الله عنهما ـ يأمره بالقدوم، ويقدم بابنه معه. فقدم عمرٌو، فقال عمر: أين المصريُّ؟ خذ السَّوط، فاضرب. فجعل يضربه بالسَّوط، ويقول عمر: اضرب ابن الأكرمين؟ قال أنس: فضرب، فوالله! لقد ضربه، ونحن نحبُّ ضربه، فما رفع عنه حتَّى تمنَّينا أن يرفع عنه، ثمَّ قال عمر للمصريِّ: اصنع على صلعة عمرو. فقال: يا أمير المؤمنين! إِنَّما ابنه الَّذي ضربني، وقد اشتفيت منه. فقال عمر لعمرٍو: مذ كم تعبَّدتم النَّاس وقد ولدتهم أمَّهاتهم أحراراً؟ قال: يا أمير المؤمنين! لم أعلم، ولم يأتني!
إِنَّ النَّاس جميعاً في نظر الإِسلام سواسيةٌ، الحاكم والمحكوم، الرِّجال والنساء، العرب والعجم، الأبيض والأسود، فلقد ألغى الإِسلام الفوارق بين النَّاس بسبب الجنس، واللَّون، أو النَّسب، أو الطَّبقة، والحكام والمحكومون كلُّهم في نظر الشَّرع سواءٌ ليكون الفرق بينهم هو التقوى، وجاءت ممارسة الفاروق لهذا المبدأ خير شاهدٍ، وهذه بعض المواقف الَّتي جسَّدت مبدأ المساواة في دولته:
فعن ابن عباسٍ: أنَّه قال: قدم عمر بن الخطَّاب حاجّاً، فصنع له صفوان بن أميَّة طعاماً، فجاؤوا بجفنةٍ يحملها أربعةٌ، فوضعت بين يدي القوم يأكلون، وقام الخدَّام، فقال عمر: أترغبونه عنهم؟ فقال سفيان بن عبد الله: لا والله يا أمير المؤمنين! ولكنَّا نستأثر عليهم، فغضب عمر غضباً شديداً، ثمَّ قال: ما لقوم يستأثرون على خدَّامهم، فعل الله بهم وفعل! ثمَّ قال للخدَّام: اجلسوا، فكلوا، فقعد الخدَّام يأكلون، ولم يأكل أمير المؤمنين.
وكذلك فإِنَّ عمر ـ رضي الله عنه ـ لم يأكل من الطَّعام ما لا يتيسَّر لجميع المسلمين، فقد كان يصوم الدَّهر، فكان زمن الرَّمادة إِذا أمسى أتي بخبز قد ثرد بالزَّيت، إِلى أن نحروا يوماً من الأيام جزوراً، فأطعمها الناس، وغرفوا له طيِّبها، فأتي به فإِذا قديدٌ من سنامٍ، ومن كبدٍ، فقال: أنَّى هذا؟ فقالوا: يا أمير المؤمنين! من الجزور التي نحرناها اليوم. فقال: بخٍ بخٍ، بئس الوالي أنا إِنْ أكلت طيِّبها، وأطعمت الناس كرادسها، ارفع هذه الجفنة، هات غير هذا الطَّعام، فأتي بخبزٍ وزيتٍ، فجعل يكسر بيده، ويثرد ذلك الخبز.
ولم يكن عمر ليطبِّق مبدأ المساواة في المدينة وحدها، من غير أن يعلِّمه لعمَّاله في الأقاليم، حتَّى في مسائل الطَّعام، والشَّراب. فعندما قدم عتبة بن فرقد أذربيجان؛ أتي بالخبيص، فلمَّا أكله وجد شيئاً حلواً طيِّباً، فقال: والله لو صنعت لأمير المؤمنين من هذا، فجعل له سفطين عظيمين، ثمَّ حملهما على بعيرٍ مع رجلين، فسرح بهما إِلى عمر. فلمَّا قدما عليه؛ فتحهما، فقال: أيُّ شيءٍ هذا؟ قالوا: خبيص. فذاقه، فإِذا هو شيءٌ حلوٌ. فقال: أكلُّ المسلمين يشبع من هذا في رحله؟ قال: لا. قال: أمَّا لا؛ فارددهما. ثمَّ كتب إِليه: أمَّا بعد: فإِنَّه ليس من كدِّ أبيك، ولا من كدِّ أمِّك. أَشْبِعِ المسلمين ممَّا تشبع منه في رحلك.
ومن صور تطبيق المساواة بين النَّاس ما قام به عمر عندما جاءه مالٌ، فجعل يقسمه بين النَّاس، فازدحموا عليه، فأقبل سعد بن أبي وقاص يزاحم النَّاس، حتَّى خلص إِليه، فعلاه بالدِّرَّة، وقال: إِنَّك أقبلت لا تهاب سلطان الله في الأرض، فأحببتُ أن أعلمك أنَّ سلطان الله لن يهابك. فإِذا عرفنا: أنَّ سعداً كان أحد العشرة المبشِّرين بالجنَّة، وأنَّه فاتح العراق، ومدائن كسرى، وأحد السِّتَّة، الَّذين عيَّنهم للشُّورى؛ لأنَّ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مات، وهو راضٍ عنهم، وأنَّه كان يقال له: فارس الإِسلام… عرفنا مبلغ التزام عمر بتطبيق المساواة.