إنّ الله تبارك وتعالى رفع عنّا المؤاخذة بما عملناه خطأ أي بدون إرادة فإذا تكلم المسلم بكلمة جرت على لسانه ولم يقصد أن يقولها بالمرة وكانت هذه الكلمة كفرا فلا يقع في الكفر لأنها سبق لسان والله لا يؤاخذ الإنسان بما يجري على لسانه في حال سبق اللسان، ومثال ذلك إنسان من شدة فرحه أراد أن يدعو الله بدعاء “اللهم أنت ربي وأنا عبدك” فقال خطأ:”اللهم أنت عبدي وأنا ربك” حيث جرت تلك الكلمة على لسانه ولم يقصد أن يقولها بالمرة.ا
ومثال آخر على ذلك إنسان أراد أن يقول في الصلاة في دعاء التوجه “وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين” فيسبق لسانه فيقول “وما أنا من المسلمين” هذا هو الخطأ الذي أعفى الله عباده منه والمراد من قوله تعالى {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} وليس المقصود بالخطأ هنا أن يكون الإنسان جاهلا بالحكم فيقول كلمة بإرادة وتلك الكلمة فيها استخفاف بالله أو بدين الإسلام فإن تلك الكلمة تسمى خطأ بل تسمى عمدا ولو كان جاهلا بالحكم، وكذلك إن كان عارفا بالحكم لكنه متهاون بهذه الكلمة فإنه لا يعذر، وكذلك لو كان غاضبا أو لم يعتقد معنى الكلمة الكفرية فإنه لا يعذر. ولو كان الإنسان لا يؤاخذ إلا بما يقوله عن إعتقاد يوافق اللفظ ما قال الله تعالى في كتابه العزيز {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} ولكنه تعالى قال هذا القول ومعناه أن كل كلمة يتكلم بها البالغ العاقل بإرادة تكتب عليه سواء اعتقد معناها أو لم يعتقد وسواء نوى المعنى أو لم ينو.ا
وقال ابن عباس رضي الله عنه في تفسير قوله تعالى {يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ}أي أن الملك يكتب على العبد ما يتكلم به من حسنة أو سيئة أو مباح والمباح ما ليس بحسنة ولا سيئة كقول الإنسان اذهب وامش واشرب، قال رضي الله عنه: كل ذلك يكتب ثم يثبت الله تعالى ما كان من الكلام حسنة فيه ثواب كذكر الله وتعليم جاهل بدين الله ومؤانة غريب، ويثبت ما هو من المعاصي. ثم هذا الكتاب لا يذهب سدى بل يحفظ تحت العرش ويوم القيامة المؤمن يؤتى ذلك الكتاب بيمينه ومن أمامه أما الكافر فيؤتى كتابه الذي ليس فيه حسنة من الحسنات بل فيه الكفر والمعاصي من وراء ظهره. فأيّنا يسرّه أن يرى في ذلك الكتاب الذي يعرض عليه ويعطاه الكلمات التي هي من المعاصي. ولو فكّر الإنسان في عواقب أمره حينما يتكلم بالمعاصي حق التفكر لكفّ لسانه من الذي هو معصية ولاسيما الكفر لكونه استخفافا بالله أو دينه أو ملائكته أو رسله أو فيه استخفاف بالجنّة أو النار، فهذا لو فكر حق التفكير في بادئ الأمر لكفّ نفسه عن هذا النوع من الكلام. لكنّ أكثر الناس قلوبهم غافلة عن عواقب الأمور بعد الموت إنما تفكر بعواقب الأمور التي تعود عليها بالنفع أو الضرر في هذه الدنيا.ا
وما يزعمه بعض الناس الجاهلين بأنه إذا تكلم الإنسان بكلمة قبيحة كفرية فإنه لا يؤاخذ بذلك فهذا كفر مضاعف، وهؤلاء لا يستندون إلى نص من نصوص الفقهاء في مؤلفاتهم في المذاهب الأربعة بل هذا شىء سوّلته لهم أنفسهم وشياطينهم. وليس هناك في كتب الفقه أنه لو إنسان تلفظ بالكفر في حال الغضب لا يؤاخذ، ولا يوجد في حديث من أحاديث رسول الله، بل الآية {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} والآية صريحة ظاهرة بأن كل كلام يتكلم به الإنسان يكتب عليه، ومعنى”من قول” أيّ قول كان. وبعد بيان القرءان كيف يستمع لإنسان يدّعي الإسلام ويقول إنه لا يكفر من سبّ الله في حالة الغضب فلعنة الله على من قال ذلك. وأما قوله تعالى {لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ} فمعناه أنّ الذي يحلف بالله تعالى بلا إرادة لا يؤاخذ، والإيمان جمع يمين واليمين هو القسم، كالذي يسبق لسانه ويقول لا والله، بلى والله. والله تعالى ما قال عن الذي يسبه أو يسب دينه أنه لا يؤاخذ بذلك.ا
وكذلك من الكفر المضاعف قول بعض الناس لتبرير كفرهم وليدافعوا عن أنفسهم: أليس قال الله تعالى {لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ} فهذا على حسب زعمهم لغو. ومنهم من يقول إنه سبّ الله باللسان ولكن بدون نيّة، يحتجون بالقرءان الكريم لتبرير كفرهم، وهذا أيضا من الكفر المضاعف. ومنهم من يقول إنه كان في حالة الغضب حين كفره فلا مؤاخذة عليه وهذا تحريف وتكذيب لكتاب الله تعالى. وهذا الذي يفسر القرءان من غير علم ولو لم يؤد تفسيره إلى تحريم حلال أو تحليل حرام أو إباحة كفر إنما فيه انحراف عن التفسير الذي هو تفسير للقرءان يكون ملعونا ويلجم يوم القيامة بلجام من نار، فكيف ذاك الذي يقول عن سب الله في حال الغضب إنه ليس كفرا. إنّ هؤلاء لا يسمع لهم ومن سمع لهم وقبل كلامهم صار مثلهم كافرا ولو كانوا ممن يدّعون أنهم علماء وليسوا علماء ولا طلاب علم بل هم جهال متعالمون،ا وأدنى طالب علم شرعي لا يقول هذا القول السفيه وهو أنّ من سبّ الله في حالة الغضب لا يؤاخذ به ولا يكون كافرا، فإن كانوا يدعون العلم فليأتوا ببرهان ولن يأتوا به أبدا إنما يفترون على الله ودينه ويضلون عباد الله.ا
ومما يكذب هذا الإفتراء ما حدث في زمن العباسيين في المائة الثانية من الهجرة أنّ رجلا يسمى شداد بن الحكم وهو من تلاميذ الإمام زفر من أصحاب أبي حنيفة كانت له زوجة بعثت له ذات يوم في رمضان السَّحور على يد جاريته، ثم هذه الجارية أبطأت في الرجوع إلى زوجة سيدها فغارت واتهمت زوجها بأنه كان يواقعها، فلما رجع زوجها صارت تشاجره من شدة الغيرة واعتبرته يكذب عندما يقول: ما صار شىء، وأصرت على اتهامه فقال لها: أتعلمين الغيب، قالت: نعم. فكتب استفتاء إلى الإمام محمد بن الحسن بشأن إمرأته فكان الجواب أن يجدد النكاح لأنها كفرت، أي بعد أن تتشهد. لقد اعتبر قولها “نعم” جوابا لقول زوجها هل تعلمين الغيب كفرا وخروجا من الإسلام لأنها قالت نعم أي أعلم الغيب وهذا تكذيب لقوله تعالى: {قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ}.ا
نسأل الله أن يصرف عنّا ضرر المشوشين الذين يبيحون الكفر للناس.ا
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website