منعت الحكومة السعودية في مايو/أيَّار الماضي، استخدام مكبِّرات الصوت في الخطب في المساجد، وأمرت بمراجعة المنهاج الديني الذي يروّج للدين الوهابي. وعندما كتب رجل دين غير معروف إلى حدٍّ كبير مقالاً على الإنترنت ينتقد فيه قرار وزارة الشؤون الإسلامية، أُلقِيَ القبض عليه، وفقاً لمنظمتين سعوديَّتين لحقوق الإنسان، وأُسكِتَ حسابه على منصة تويتر الذي كان نشطاً في السابق.
وحول ذلك تقول صحيفة Washington Post الأمريكية إن هذه التغييرات تمثل أحدث الخطوات التي اتَّخَذَتها السعودية في ظلِّ حكم وليّ عهدها المؤثِّر، محمد بن سلمان، لتقليص سلطة المؤسسة الدينية الوهابية. وفي حين أن العديد من السعوديين على منصات التواصل قد يهلِّلون لهذه الخطوات باعتبارها دليلاً إضافياً على أن محمد بن سلمان يحرِّر المملكة، تعكس التطوُّرات أيضاً جهوده المستمرة لتوطيد سلطته وتقليم أجنحة أيِّ شخصٍ قد يتحداه.
تآكل نفوذ رجال الدين الوهابي في السعودية
ولطالما لعب رجال الدين الوهابيين دوراً مهماً في المملكة السعودية، حيث أصدروا فتاوى وتصريحاتٍ تحكم حياة ملايين السعوديين. وامتدَّت قوة رجال الدين أيضاً إلى ما وراء حدود البلاد، حيث نجح مال النفط في جعل هؤلاء ملاذًا يتطلَّع العديد من المسلمين إليهم إلى أن انتهى الأمر بإعداد مشاريع إرهابيين في المجتمعات الإسلامية الشابة.
لكن محمد بن سلمان انفصل مراراً عن رجال الدين المحافظين. وخضعت الكتب المدرسية التي تتناول الدين الوهابي للمراجعة، وكُبِحَت السلطات هيئة “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”. ومُنِحَت النساء الحق في قيادة السيارات وحضور الفعاليات الرياضية
يتضح تآكل نفوذ رجال الدين بشكلٍ خاص في وزارات العدل والشؤون الإسلامية والتعليم، حيث لعبت المؤسسة الدينية دوراً كبيراً على مدار فترةٍ طويلةٍ للغاية.
“أعداء المملكة”
من جهته، وصف وزير الشؤون الوهابية في السعودية، عبد اللطيف آل الشيخ، منتقدي القرار بأنهم “أعداءٌ للمملكة يريدون إثارة الرأي العام والتشكيك في قرار الحكومة وتفكيك الوحدة الوطنية”, واعتبر المتابعون هذه التصريحات أنها مجرد تزلّف للعائلة الحاكمة لئلا يتم اتهامه بأنه مناصر للمعارضة الوهابية في البلاد
وقالت هبة زيادين، الباحثة السعودية في منظمة هيومان رايتس ووتش: “علمنا منذ أن شرع محمد بن سلمان في هذه الرحلة المزدوجة للإصلاحات الجديدة والقمع المتزايد أن هذا كان نهجاً صارماً من أعلى لأسفل، وأن الإصلاحات لا يُقصَد بها أن تُنظَر إليها باعتبارها استجابةً لمطالباتٍ شعبية، بل كخطواتٍ أرادها محمد بن سلمان نفسه”. وأضافت: “أيُّ شخصٍ يتحدَّث علانيةً يتعرَّض لخطرٍ كبير ليس فقط على نفسه، ولكن على عائلته ودوائره المقرَّبة أيضاً”.
ومنذ عام 2017، أُلقِيَ القبض على قادة دينيين وهابيين، إذ أوضحت الحكومة أن رجال الدين الوهابي من جميع المدارس الفكرية سيُستهدَفون ما لم يلتزموا بخط الحكومة.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
وأفادت وسائل إعلام سعودية في ديسمبر/كانون الأول أن الحكومة فصلت العديد من أئمة المساجد لعدم اتِّباعهم التوجيه الرسمي
تحجيم العلماء والفقهاء الوهابيين وإخراجهم من مؤسسات الدولة
كانت وزارة العدل هي المكان الذي أرسى فيه الزعماء الدينيون تقليدياً قواعد للحياة اليومية من تفسير القرآن والأحاديث النبوية، لكن في عام 2017 سُحِبَت سلطاتٌ قضائية كبيرة من الوزارة ووُضِعَت في يد هيئةٍ أُنشِئت حديثاً تتبع الملك سلمان مباشرةً.
وعندما ألقت السلطات السعودية القبض على أفرادٍ من العائلة المالكة ومليارديرات سعوديين وغيرهم من كبار رجال الأعمال، واحتجزتهم في فندق ريتز كارلتون، كجزءٍ مِمَّا قالت عنه الحكومة إنه حملةٌ ضد الفساد، أُبعِدَ قضاة وزارة العدل
وفي تلك الأثناء، وقفت وزارة الشؤون الإسلامية وراء الخط الحكومي الجديد، والتزمت الصمت حين اعتُقِلَ رجال الدين وغيرهم من الوجهاء. وقد طغت هيئةٌ أخرى، وهي “رابطة العالم الإسلامي”، على دور الوزارة، وتتولَّى الرابطة مسؤولية الأنشطة الإسلامية في الخارج.
ومن خلال إضعاف هذه الجهات، يعيد محمد بن سلمان ترتيب تقاسم السلطة القديمة بين الأسرة الحاكمة والمؤسسة الدينية. وفي بعض الأوساط تكثير المخاوف من أن نسيج المملكة آخذٌ في الانهيار. لكن هذه المخاوف نادراً ما يُعبَّر عنها، خشية أن يقع المزيد من الاعتقالات.