الحمدُ لله ربِّ العالمين والصلاةُ والسلامُ على سيّدنا محمّدٍ الصادقِ الوعدِ الأمينِ وعلى إخوانِهِ النبيّينَ والمرسلينَ، فإنّ شهر شعبان الذي نحن فيه شهر عظيم عند الله وفيه ليلة عظيمة هي ليلة النصف من شعبان أي ليلة الخامس عشر منه، وقد جاء في فضلها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها و صوموا نهارها) رواه ابن ماجه.
وروى مسلم عن رسول الله قوله صلى الله عليه وسلم (أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل)، وأكثر ما يبلغ المرء تلك الليلة أن يقوم ليلها ويصوم نهـارها ويتقي الله فيها ويجد ويجتهد في العبادات والخيرات والمبرات، وتقوى الله معنـاها أداء الواجبات و اجتناب المحرمات، وينبغي للشخص في هذه الليلة كما ينبغي له في سائر الأوقات أن يتذكر أن الموت آت لا محالة وأن الناس سيبعثون ويحشرون ويسألون و يحاسبون فيفوز من آمن واتقى ويخسر من كفر وظلم.
فعلى الإنسان أن يعتني كل الاعتناء بالتزود للآخرة بجد واجتهاد زائدين وفي ذلك جاء قوله تعالى (ولا تنس نصيبك من الدنيا) أي لا تنس نصيبك لآخرتك من دنياك السريعة الزوال، فمن تزود لآخرته من هذه الدنيا فهو العاقل الفطن، ومن فاته التزود للآخرة من هذه الدنيا فقد فاته ما ينفعه النفع الحقيقي إذ لا تزود بعد الموت، وأما قراءة سورة يس المباركة ففيه سر عظيم في هذه الليلة كما في سائر الأوقات ولكن لم يرد عن رسول الله انه يستحب قراءتها في هذه الليلة خاصة.
وينبغي أن لا يعتقد أن ليلة النصف من شعبان هي الليلة التي يقول الله فيها (فيها يفرق كل أمر حكيم) سورة الدخان، وإن شاع عند بعض العوام أن هذه الليلة هي ليلة النصف من شعبان فهذا غير صحيح والصواب أن تلك الليلة هي ليلة القدر ومعنى (فيها يفرق كل أمر حكيم) أن الله تعالى يطلع ملائكته في هذه الليلة أي ليلة القدر على تفاصيل ما يحدث في هذه السنة إلى مثلها من العام القابل من موت وحياة وولادة وأرزاق ونحو ذلك.
ومما ينبغي التنبيه منه دعاء اعتاد بعض الناس على ترداده في هذه الليلة وهو (اللهم إن كنت كتبتني عندك في أم الكتاب محروما أو مطروداً أو مقتراً علي في الرزق فامح اللهم بفضلك شقاوتي وحرماني وطردي وإقتار رزقي …إلخ) فهذا اللفظ لم يثبت إسناداً، ولا يجوز اعتقاد أن الله يغير مشيئته بدعوة داع لأن هذا من اعتقده فسدت عقيدته فإن مشيئة الله أزلية أبدية لا يطرأ عليها تغير ولا تحول كسائر صفات الله، فلا يجوز أن يعتقد الإنسان أن الله تحدث له مشيئة شيء لم يكن شائيا له في الأزل، كما لا يجوز أن يقال انه حدث له علم شيء لم يكن عالما به في الأزل، مشيئة الله تعالى لا تتغير بدعوة داع ولا بصدقة متصدق أو نذر ناذر، فما علم الله وشاء في الأزل كونه لا بد أن يكون ولا يتغير ذلك مهما يحصل، وما علم الله أنه لا يكون فلا يدخل في الوجود مهما حصل.
وأما قول الله تعالى (يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ ۖ) فالمراد به الناسخ والمنسوخ كما قال ابن عباس رضي الله عنه، وليس ما قد يظن جاهل من ان المراد تغير مشيئة الله تعالى، فلو كان الله يغير مشيئته بدعوة داع لغيّرها لحبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم حيث إن الرسول قال (سألت ربي ثلاثا فأعطاني ثنتين ومنعني واحدة) وفي رواية (وقال لي يا محمد إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد) رواه مسلم، ومعناه أن مشيئة الله لا تتغيّر مهما يكن.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website