كان من البديهي أن تجد الوهابية مع مهدها الأول مبررا سائغا ومقبولا لوجودها, لذا فقد كان السبب الأسهل والأقرب للتنفيذ هو إلقاء تهمة الشرك والكفر والبدعة على المسلمين الموحدين في الجزيرة العربية آنذاك, وذلك حتى يتسنى لهم التمسح بإقامة التوحيد المزعوم, ولهذا نجد أوصافا يسبغها أصحاب كتب التأريخ الموالية للوهابية على مؤسسها «محمد بن الوهاب» تكاد تصل إلى أنه نبي مرسل عندهم لإقامة التوحيد, فنجد «عثمان بن عبد الله بن بشر» مؤلف كتاب «عنوان المجد في تاريخ نجد» وبعد أن عدد مظاهر انتشار الشرك بزعمهم- في الجزيرة العربية نجده يورد قصة عن شيخهم «ابن عبد الوهاب» تعبر عن المقاصد الوهابية فى مرحلة النشوء والتكوين, فيقول: «وحكى أن الشيخ محمد وقف يوما عند الحجرة النبوية عند أناس يدعون ويستغيثون فرآه «محمد حياة» -شيخ معاصر له- فأتى إلى الشيخ وقال ما تقول, قال: إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون» عنوان المجد (36/1).
وهكذا نجد أن إلباس جريمة الشرك كانت دأبا وهدفا عند الوهابيين بدءا من شيخهم المؤسس. يقول عبد الله بن حميد -احد رموز الدين الوهابي- (الدرر 15/471) : “لكن لما رأيت ما عم وطم، من انقلاب الأكثرين عن دين الإسلام، وموالاتهم لعبدة الأوثان…”. وقال شاعر الوهابية سليمان بن سحمان:
يقول «ابن باز» مفتي الوهابية في إجابته على سؤال حول المسجد النبوي: «هنا شبهة يشبه بها عُبَّاد القبور، وهي: وجود قبر النبي في مسجده، والجواب عن ذلك: أن الصحابة رضى الله عنهم لم يدفنوه فى مسجده، وإنما دفنوه فى بيت عائشة رضى الله عنها، فلما وَسَّعَ الوليد بن عبد الملك مسجد النبي فى آخر القرن الأول أدخل الحجرة فى المسجد، وقد أساء فى ذلك، وأنكر عليه بعض أهل العلم، ولكنه اعتقد أن ذلك لا بأس به«. مجموع الفتاوى (5/389,388).
ثانيا – ابن عثيمين:
يقول في معرض إجابته عن ذات السؤال: «أما قبر النبي صلى الله عليه وسلم الذي شمله المسجد النبوي فمن المعلوم أن مسجد النبي بُنِىَ قبل موته فلم يُبْنَ على القبر، ومن المعلوم أيضا أن النبي لم يدفن فيه، وإنما دفن في بيته المنفصل عن المسجد، وفى عهد الوليد بن عبد الملك كتب إلى أميره على المدينة وهو عمر بن عبد العزيز فى سنة 88 من الهجرة أن يهدم المسجد النبوي ويضيف إليه حجر زوجات النبي، فجمع عمر وجوه الناس والفقهاء وقرأ عليهم كتاب أمير المؤمنين الوليد فشق عليهم ذلك، وقالوا: تَرْكُها على حالها أدعى للعبرة، ويحكى أن سعيد بن المسيب أنكر إدخال حجرة عائشة، كأنه خشي أن يتخذ القبر مسجدا»، الفتاوى (12/292).
ثالثا-الألباني:
أما إمامهم الألباني فكان واضحا صريحا لا يتحوط مثل سابقيه, ويكفينا نقل مقاطع مما قاله في ذلك فى كتابه «تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد» فيقول: «ولهذا نقطع بخطأ ما فعله الوليد بن الملك عفا الله عنه, ولئن كان مضطرا إلى توسيع المسجد, فإنه كان باستطاعته أن يوسعه من الجهات الأخرى دون أن يتعرض للحجرة الشريفة» تحذير الساجد (87,86).
استكمالا لاستغلال الجهل العام فى عقلية المجتمع المسلم يدلس الوهابيون على المسلمين بقولهم إن «أهل العلم أنكروا على الوليد بن عبد الملك دخول القبر فى المسجد», وهذا الكلام تدليس واضح فمن هم أهل العلم الذين أنكروا على الوليد دخول القبر فى المسجد وما هى أسماؤهم وفى أى ثبت أو مرجع وردت هذا الأسماء, ولكن الكذب والتدليس على خلق الله طابع مميز للوهابيين, فلم يرد ولو فى رواية ضعيفة أن فقهاء المدينة أو غيرهم أنكروا ذلك بدعوى الحرمة والشرك, بل لم يرد إنكار من الأساس على هذه التوسعة إلا لأسباب أخرى سنوضحها لاحقا.
ثم يدلس الوهابيون مرة أخرى بقولهم إن هذه التوسعة تمت بعد انقراض – انتهاء – عصر الصحابة بما يُفهم منه أن بقية العلماء والفقهاء فى المدينة سفهاء لا يعلمون من أمر دينهم شيئا ليتركوا أمرا جللا كهذا يحدث, والحقيقة أن هذا كذب من الناحيتين، فالأولى أن عصر الصحابة لم يكن انقرض عند توسعة المسجد عام 88 هـ, بل الحق أن بعض الصحابة كانوا أحياء فى ذلك الوقت مثل «أنس بن مالك» و«أبو الطفيل», وحتى لو لم يكونوا فى المدينة آنذاك فكان الأولى بهم فى أمر يخص بالتوحيد الذى جاء به النبى -على زعم الوهابيين- أن ينكروا هذا على «الوليد» ولو كان جبارا فى الأرض وإلا اتهمنا الصحابة بالخوف والخشية من السيف فى قول الحق وهذا ما لا يمكن تصوره, ولكن الحقيقة أنه لا الصحابة انقرضوا ولا الصحابة اعترضوا، لأن ذلك الوهم بالشرك والبدعة من دخول القبر فى داخل المسجد النبوى لم يكن مطروحا من الأصل فى فهم الصحابة, وكذلك لم يعترض فقهاء المدينة وهم الأئمة الكبار من التابعين لعلمهم أن الأمر لا يخص توحيدا ولا شركا ولا شيئا مما ابتدعه الوهابيون على مسجد النبى لإكمال الحبكة الدرامية لوجودهم على مسرح الأحداث كحراس للتوحيد والعقيدة, أو لعل الصحابة وكبار التابعين افتقدوا فى ذاك الزمان ابن عبد الوهاب وابن باز وابن عثيمين والألباني ليوضحوا لهم سوء مرد عملهم! وكذلك ليعلموا الصحابة والتابعين الأوائل دينهم الحق، ولمَ لا؟ حيث يعلم الوهابيون حقيقة التوحيد الخالص النقى أفضل بكثير من الصحابة والتابعين حسب معتقدهم العفن.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website