وقد كانت الثورة العربية أحد أهم الأحداث التي جرت في مطلع القرن الماضي، وذلك لما ترتب عليها من تقسيم للوطن العربي وترسيخ سيطرة الاستعمار، وتوجيه ضربة قاسية أسهمت في نهاية الدولة العثمانية. فما هي أسباب الثورة العربية الكبرى، وما أهم أحداثها وأبرز نتائجها؟
أسباب قيام الثورة العربية الكبرى
وبالطبع بعض السياسة القمعية، كما حدثت مجاعة عام 1915 ضربت مناطق واسعة من سوريا العثمانية، نتيجة مصادرة المحاصيل والأملاك لخدمة المجهود الحربي، وهروب الشباب من الأراضي الزراعية في الريف إلى المغترب هرباً من التجنيد الإجباري، حيث لقي عشرات الآلاف حتفهم جوعاً، وفي حلب وحدها لقي 60-80 ألفاً حتفهم بالمجاعة، أما في جبل لبنان فمات ثلث السكان بالمجاعة.
أما ثانيها فيتمثّل في شعور بريطانيا بالمخاوف الكبيرة تجاه إعلان الدولة العثمانية دخولها الحرب العالمية الأولى إلى جانب ألمانيا، في 29 أكتوبر/تشرين الأول 1914، وذلك لأنّ إعلان الجهاد الإسلامي سيثير المسلمين ضد بريطانيا.
كما أنّ فوز الدولة العثمانية يعني أن تعود الوحدة الإسلامية وتزيد رقعة المسلمين الذين يتبعون السلطان العثماني ويعتبرونه خليفتهم، حتى ولو لم يكن صاحب القرار الفعلي، الأمر الذي يهدد بقاء الاستعمار البريطاني في مصر والهند وربما في آسيا كاملة.
ويتضح هذا التخوُّف في مذكرةٍ استراتيجية أعدَّتها الدائرة السياسية البريطانية في حكومة الهند البريطانية، قائلة إن المخاطر تتمثل في “الخوف من ثورة المسلمين في مصر والهند ضد الوجود البريطاني، وإحياء فكرة الوحدة الإسلامية مجدداً”، كما أوصت المذكرة بإنهاء تلك المخاطر عبر إضعاف الحكومة العثمانية بشكل صريح، قبل أن تبعث روح وفكرة الوحدة الإسلامية من جديد.
لذلك اقترح وزير الحربية هربرت كتشنر، والذي كان يشغل سابقاً منصب القنصل البريطاني المعتمد في القاهرة قبل أن يحل محله السير هنري مكماهون في القاهرة، أن تبدأ حكومة ومخابرات بلاده في البحث عن بديلٍ للخليفة العثماني، بشرط أن يمتلك مقوِّماتٍ مُقنِعَة لعموم المسلمين، ليضمنوا عدم ثورة العرب والمسلمين عليهم، في المناطق التي يحكمونها.
وهنا اختار الإنجليز شريف مكة، الحسين بن علي، كونه من نسل النبيّ وسيجعله ذلك مناسباً، بسبب امتلاكه سلطة روحية كبيرة على المسلمين، كما أنه كان أميراً لمكّة العثمانيّة في عهد السلطان عبدالحميد الثاني، وبعدما أطاحت حكومة الاتحاد والترقِّي التركيّة بالسلطان عبدالحميد، كانت تنوي كذلك الإطاحة بالشريف حسين من إمارته لمكّة، وهذا ما كان يدركه الشريف حسين نفسه الذي كانت علاقته متوترة مع الحكومة التركية الجديدة.
بدأ الإنجليز في مراسلة الحسين بن علي، لتشجيعه على الثورة ضد الوجود العثماني في الحجاز، واعدين إياه بمنصب الخليفة، وفي 30 أغسطس/آب 1915، أرسل المندوب السامي البريطاني في مصر، مكماهون، إلى الشريف رسالة تحريضية قائلاً له: “إن جلالة ملك بريطانيا العظمى يرحب باسترداد الخلافة إلى يد عربيٍّ صميم من فروع تلك الدوحة النبوية المباركة”.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
وهذا يلخص العامل الثالث الذي أدى لقيام الثورة، ألا وهو رغبة الشريف حسين بن علي في أن يتوج ملكاً، ومن بعده أبناؤه، على العرب، وفقاً لوعود بريطانيا له وإقامة دولة عربية كبرى تشمل مختلف أرجاء الوطن العربي باستثناء مصر والشمال الإفريقي.
أحداث الثورة العربية الكبرى
وفي منتصف الحرب العالمية الأولى، وتحديداً في 10 يونيو/حزيران 1916، اندلعت الثورة العربية الكبرى ضد الدولة العثمانية، بدأت في الحجاز، حينما أعلنها الشريف الحسين بن علي في مدينة مكة، وامتدت في نطاقٍ محدود إلى جدة والطائف والمدينة وبلاد الشام والعراق.
أمدَّت بريطانيا الشريف حسين بالمال والسلاح، فقد زودته بحوالي 71 ألف بندقية وأكثر من 40 مليون طلقة خلال أول عام فقط من الثورة، وكان البريطانيون يتوقعون بأن هذا الدعم سيكون مرحلياً؛ نظراً لأن الشريف حسين وابنه فيصل أكدا للإنجليز أن جميع العرب سينضمُّون لثورتهم، وكذلك قرابة نصف جنود الجيش العثماني (باعتبار أن نصف الجيش عربي) إن لم يكن أكثر من ذلك، لكنّ هذا لم يحدث أبداً.
بدأت المعارك الحربية التي يقودها الجيش البريطاني بشكلٍ فعلي في جدة، 13 يونيو/حزيران، وانهزمت الحامية العثمانيّة وتمت السيطرة على مكة في 9 يوليو/تموز في عام 1916، وبعد شهرين تقريباً تمت السيطرة على ثغري “الليث” و”المويلح” على البحر الأحمر، وعمل الشريف على تعزيز قبضته على الحجاز والموانئ الساحلية، وصد الهجمات العثمانية المضادة، لكنّ الجيش العثماني كان يُرسل التعزيزات على طول سكة حديد الحجاز بالكامل لتحصين المحطات.
ومع كل ذلك لم تستطع الثورة العربية أن تكون ذات قوة في بدايتها من الناحية العسكرية والسياسية، لدرجة أن الحكومة البريطانية أصبحت غير مقتنعة بدعم هذه الثورة بشكلٍ كافٍ.
ومنذ ذلك الوقت حتى نهاية الثورة، تولى القيادة العسكرية بالتنسيق مع الجنرال جلبرت كلايتون وضابط المخابرات العسكرية البريطانية في مصر (كانت مصر حينها تحت الانتداب البريطاني) للحصول على الدعم العسكري.
في هذه الأثناء، استولى الأمير فيصل مع لورنس على ميناء الوجه على البحر الأحمر، ومع بداية عام 1917 بدأت قواتهم في مهاجمة وتنظيم ضربات لخطوط سكك الحديد العثمانية في مناطق مختلفة، وتدمير الجسور وقطع خطوط الهواتف، ثم بدأوا بمهاجمة بعض المدن واحتلالها مثل محافظة الوجه في تبوك في شمال الحجاز، في 25 يناير/كانون الثاني 1917.
وفي 6 يوليو/تموز استطاع الاستيلاء على العقبة وقلعة المدوَّرة إلى الشرق، وامتدت عملياته إلى الأردن وسوريا ومصر، وفي شهر أكتوبر/تشرين الأول استطاع تدمير أجزاء كبيرة من قطار الحجاز العثماني الواصل بين دمشق والمدينة، الأمر الذي شلّ حركة الجيش العثماني في الشرق.
وفي بداية عام 1918، توجَّه لورنس إلى سوريا بالتنسيق أيضاً مع القوات البريطانية لدحر القوات العثمانية هناك، وفي يوم 1 أكتوبر/تشرين الأول، دخلت القوات البريطانية بقيادة لورنس العرب مع حلفائها العرب وجنود من أستراليا ونيوزيلندا، بعد أن حسمت المعركة بانتصار الحلفاء على العثمانيين، وتسليم دمشق لمن أصبح لاحقاً “ملك الحجاز”، فيصل الأول بن الشريف حسين.
نتائج الثورة العربية الكبرى
بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، كشفت بريطانيا عن وجهها الحقيقي، ولم تفِ بأيٍّ من وعودها التي وعد بها مكماهون أو لورنس، حيث لم يصبح الشريف حسين ملكاً على العرب ولا على أيِّ دولةٍ عربية، وبقي في الحجاز كما كان شريفاً لمكّة، بل إنّ البريطانيين كانوا من الخلف يدعمون منافسه عبدالعزيز آل سعود والحركة الوهابية المتطرفة التي عملوا على إنشاءها، الذي فاز في نهاية الأمر، وطرد الشريف من بلاد الحجاز كلّها، وأسس الدولة السعودية الحالية.
فكان آل سعود والوهابيون -بدعم من المكتب البريطاني في الهند- يجهزون للاستيلاء على الحجاز، فأقبلت جيوش آل سعود فاستولت على الطائف؛ ما نشر الذعر في مكة، فقرر الشريف الاستنجاد بالإنجليز، ولكنهم أخبروه بأنهم أعلنوا حيادهم، فقرر التخلي عن عرشه لابنه علي بن الحسين، وأبحر للعقبة داعماً لابنه علي بن الحسين، الذي ظن أن الدعم سيأتي له من الأردن وسوريا، لمساندته أمام عبدالعزيز آل سعود، الذي وسع مناطقه في الحجاز.
ولكن في النهاية هُزم علي بن الحسين، فغادر للهند ثم للعراق، ومات هناك وقد انتقل الشريف حسين من العقبة للبتراء واستقر بها عدة أشهر، ولكن ابنه عبدالله أخبره بأن الإنجليز قالوا إن وجوده في شبه الجزيرة يعرضه لخطر آل سعود، فقرر الإبحار إلى جزيرة قبرص، وأقام بها حتى مرض فعاد إلى عمَّان -عاصمة الأردن- واستقر هناك حتى توفي ودُفن في القدس.
أما ابنه الأمير فيصل فأعلن تأسيس حكومة عربية في دمشق عام 1918، وأصبح ملكاً على سوريا، إلا أنه وبموجب اتفاقية سايكس-بيكو زحفت الجيوش الفرنسية باتجاه دمشق، بعد أن نزلت بالساحل اللبناني، واحتلّت سوريا في 24 يوليو/تموز 1920، وطردت الملك فيصل من هناك، وفي 23 يونيو/حزيران 1921 وصل الأمير فيصل إلى العراق وتوج ملكاً عليها بترشيحٍ من الإنجليز.
أما الأمير عبدالله الأول، نجل الشريف حسين، فقد وصل إلى مَعان عام 1920، حيث لقي ترحيباً من أهالي شرق الأردن، ونشر جنده وأسَّس إمارة شرق الأردن عام 1921، التي نعرفها اليوم باسم المملكة الأردنية الهاشميّة.