في القرن السادس عشر، وتحديداً في عام 1521، كانت أوروبا على موعدٍ مع أشدّ السلاطين عُوداً رغم صغر سنّه، وأقواهم وأكثرهم سلطاناً في الدولة العثمانية؛ السلطان سليمان القانوني، الذي كانت بداية عهده بفتح بلغراد، وكان عمره حينها 26 عاماً فقط.
نظرة على العالم في ذلك الوقت
في محيط البحر المتوسّط كان هناك ثلاث كتل كبرى، الأولى هي الدولة العثمانية وعاصمتها إسطنبول، بعدما فتحها محمد الفاتح عام 1453 وأعلنها عاصمةً لدولته، ولكنّ هذه الدولة تمدّدت في عهد حفيده سليم الأوّل، حين قضى على دولة المماليك، وورث نفوذهم الضخم على مصر والشام وبعض سواحل شمال إفريقيا وبلاد الحجاز.
على الجانب الآخر كانت الدولة الصفوية في إيران، والتي هزم سليم الأوّل ملكها الشاه إسماعيل الصفوي في معركة جالديران عام 1514، لكنّه لم يستول عليها تماماً كما فعل مع دولة المماليك عام 1517.
وفي الجانب الغربيّ كان هناك صراعٌ ضخم على عرش الإمبراطورية الرومانية. وكان طرفا الصراع هما شارل الخامس ملك إسبانيا، وفرانسوا الأوّل ملك فرنسا، وحلفاؤهما.
فاز شارل الخامس، ملك إسبانيا، بعرش الإمبراطورية الرومانية في النهاية، فضمّ إلى إسبانيا صقلية ونابولي والنمسا وألمانيا وجزءاً كبيراً من إيطاليا.
أمّا بقيّة أوروبا فقد خسر فرنسوا الأول عرش الإمبراطورية الرومانية، لكنّه ظلّ ملك فرنسا، وظل منافساً لشارل الخامس. بينما كانت البابوية تصارع جمهورية البندقية التجارية، والبرتغاليون كانوا منهمكين في معاركهم فيما وراء البحار، واكتشافاتهم الجغرافية.
خلقت هذه الأجواء بين تلك الدول صراعاً أوروبياً- أوروبياً. البابا غير راضٍ عن شارل الخامس، ويخاف من نفوذه، وكذلك البندقية وكذلك فرنسا، بدرجاتٍ متفاوتة ومختلفة من العداوة.
وعندما توفي السلطان سليم الأوّل عام 1520، انطلق ابنه الشاب سليمان إلى العاصمة إسطنبول ليتولى السلطنة، وفي أوّل احتكاكٍ مباشر بينه وبين شؤون السلطنة، خرج الوالي العثماني جان بردي الغزالي في بلاد الشام عليه، فأرسل له جيشاً هزمه في ضواحي دمشق، وأعادها للسلطنة.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
لكنّه كان على موعدٍ آخر، سيجعله إمّا أحد أقوى ملوك وسلاطين أوروبا، أو أضعفهم.
قتل السفير العثماني ينتهي بفتح بلغراد
هناك ثلاثة تقسيمات لأوروبا: أوروبا الغربية، والوسطى، والشرقية. تاريخياً كانت أوروبا الشرقية هي درع الدفاع الأوّل ضد الهجمات التي تأتي من آسيا، ولهذا كانت دول مثل المجر وصربيا ورومانيا أكثر عرضةً للغزوات أو للصدامات بين مختلف الحضارات عبر التاريخ.
ولهذا فقد لعب شارل الخامس لعبةً سياسية ذكية، فمن مقر حكمه في غرب أوروبا أرسل أخاه فرديناند زوجاً لأخت لويس ملك المجر، وكان ينوي تتويجه ملكاً بعد وفاة لويس هذا لأنّه بلا أولاد. وبهذا فقد أصبحت مهمّة الدفاع عن أوروبا الشرقية ضد الدولة العثمانية مهمّة فرديناند، أخي شارل الخامس، ملك الإمبراطورية الرومانية .
كان الصراع بين العثمانيين ودول شرق أوروبا قد بدأ منذ زمنٍ طويل، فمراد الثاني أبومحمد الفاتح هزم المجريين وهزموه في معركتين منفصلتين، وهكذا كانت الحرب دواليك بين دول شرق أوروبا والعثمانيين. لكن لم يتبقَّ من دول أوروبا الشرقية غير المجر بعد زوال دول الصرب والبلغاريين.
وبهذا لم يبق صراع في شرق أوروبا مع العثمانيين سوى المجر. ومن ناحية أخرى فإنّ هزيمة المجر تفتح الباب للعثمانيين للتوغُّل في وسط أوروبا، بدايةً من صربيا الحالية وصولاً إلى فيينا في النمسا.
ويبدو أنّ ملك المجر لويس قد قوي بزواج فرديناند أخي الإمبراطور شارل الخامس بأخته. فقد أرسل له السلطان سليمان القانوني رسولاً يعلمه بارتقائه العرش خلفاً لأبيه سليم الأوّل، ويطالبه بدفع الجزية المفروضة عليه وفق اتفاقٍ سابق بين الدولة العثمانية والمجر، فما كان من لويس إلا أن قطع رأس رسول السلطان سليمان القانوني.
في عرف ذلك الزمان يعتبر قتل الرسول إعلاناً واضحاً للحرب، وبهذا تحرّك السلطان سليمان القانوني ليتجهّز للحرب، فتجهّز للحرب في شتاء عام 1521، وسار على رأسه الجيش بنفسه، وسار الجيش على ثلاثة محاور كلّها مؤدية إلى بلغراد، ليشتت انتباه العدوّ.
وبلغراد هي عاصمة دولة صربيا الآن، وكانت في ذلك الوقت أقوى قلاع المجر على الحدود العثمانية، وكانت هي أيضاً مفتاح العثمانيين لدخول وسط أوروبا.
علم المجريون بتحرُّكات الجيش العثماني، فاستغاثوا بالدول الأوروبيّة، لكنّ هذه الدول تركت المجر تواجه مصيرها وحدها، فقد انشغل شارل الخامس بالقضاء على بعض التمردات في إسبانيا، بينما كان ملك فرنسا في شبه تحالفٍ مع العثمانيين، لأنّهم القوة الوحيدة القادرة على مساندته ضدّ شارل الخامس، ونصحه بعض ملوك أوروبا بعقد هدنةٍ مع السلطان سليمان لكسب بعض الوقت.
في طريق الجيوش العثمانية سيطروا على مدينة شابتس، الواقعة على نهر الدانوب، وحين وصلت الجيوش العثمانية نصبوا مدافعهم نحو قلعة بلغراد الحصينة، ونفذ العثمانيون عمليات اقتحامٍ منظمة، وتمكنوا من الدخول إلى بلغراد بعدما نسفوا أكبر برج في تحصيناتها.
بعد شهرين ونصف الشهر من الحصار، دخل السلطان سليمان القانوني المدينة، وصلّى في إحدى كنائسها وحوّلها مسجداً على العادةً في ذلك الزمن، من تحويل بعض الكنائس لمساجد في المدن التي فتحت عنوةً.
بسقوط بلغراد، انهار ذلك الحاجز الضخم الذي كان يعيق تقدم العثمانيين إلى وسط أوروبا. لكنّه أيضاً جعل بعض الملوك الأوروبيين يتحدون ضد العثمانيين خلال خمس سنوات، ليواجهوا سليمان القانوني مرة أخرى في موقعة موهاكس، التي انتهت بتقسيم المجر بين العثمانيين والإمبراطورية النمساوية لعدة قرون لاحقة.