عندما كاد الإسلام أن يصبح الدين الوطني للصين! تعرّف على سوتشو “مدينة المساجد المنسيَّة”
في هذه المدينة كان هناك عشرات المساجد لم يتبقَّ منهم سوى مسجد واحد ..
لا بدّ أنّك تعرف بحالة مسلمي الإيغور وما يتعرّضون له من حملات اعتقال جماعية واستهداف عنصريّ من قبل الحكومة الصينية الحالية. وهي حالات استهداف توصف على نطاق عالمي بأنّها حوّلت مقاطعة شينجيانغ وقاطنيها المسلمين إلى “معسكر اعتقال هائل”. ولكن هل كان الإسلام في الصين دائماً هكذا؟
في الحقيقة لا، لم يكن وضع الإسلام في الصين هكذا دائماً. الباحثة في العلوم السياسية أليساندرا كابيليتي نشرت منذ فترة مقالاً عن مدينة سوتشو الصينية، تلك المدينة التي سمّتها “مدينة المساجد المنسية”، تأخذنا أليساندرا في جولةٍ داخل هذه المدينة ومساجدها العريقة التي لم يبقَ منها إلا مسجدٌ واحد فقط الآن هو مسجد تايبينفانج.
الإسلام والصين.. قصة المعركة الوحيدة بين الإمبراطوريتين التي غيرت تاريخ العلوم
عندما توسّعت رقعة الدولة الإسلامية الأولى فشملت بقايا الإمبراطورية الساسانية الفارسية، كان من الطبيعي أن تحتكّ بالمناطق التي بعدها، وهي في هذه الحالة آسيا الوسطى، التي تتكون حالياً من دول أوزبكستان وتركمانستان وكازاخستان وطاجكستان وقيرغيزستان.
كانت آسيا الوسطى – ولا زالت – مسرحاً للكثير من الأحداث بسبب جغرافيتها، فهي تقع على خطوط التجارة بين الصين وأوروبا من خلال خطّ الحرير الشمالي. هذه الميزة جعلت المتحكّم في هذه الدول يتحكّم في خطوط التجارة الشمالية بين الصين وأوروبا.
وفي عام ٢٠١٣ أعلن الرئيسي الصيني من كازاخستان عن مبادرة دولته المعروفة باسم “الحزام والطريق” وهي المبادرة التي تحاول إحياء “خط الحرير” القديمة.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
ولهذا كان من الطبيعي أن تحاول الصين السيطرة على هذه المناطق وتلك الطرق التجارية التي تقع في هذه المنطقة. بينما كانت الدولة الأموية الشابة قد بدأت تتوسّع في آسيا الوسطى، فقد بدأ الإسلام في الانتشار هناك، وهكذا كان الاحتكاك مع الإمبراطورية الصينية في ذلك الوقت حتميّاً.
انتهت الدولة الأموية وبرزت على أنقاضها الدولة العباسية، وهنا بدأ الاحتكاك يتصاعد بين الجانبين مرةً أخرى بسبب آسيا الوسطى. فقد طلب ملك فرغانة (في أوزباكستان حالياً) المساعدة من الإمبراطورية الصينية، التي لبّت نداءه وقطعت رأس حاكم تشاك الذي هرّب ابنه وطلب الدعم من الدولة العباسية. التي ارتأت أنّ الفرصة سانحة لضرب النفوذ الصيني في آسيا الوسطى.
أمر الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور بالتحضير لحملة عسكرية كبيرة، وتحرك الجيش بقيادة أبو مسلم الخراساني إلى سمرقند، والتقى الجيش العباسي والصيني عام ٧٥١ بالقرب من نهر تالاس الذي سُميت المعركة باسمه.
كانت نتيجة المعركة هزيمة الجيش الصيني، وكانت أهم نتائج هذه الحرب أنّ النفوذ الصيني في آسيا الوسطى قد بدأ في التآكل في مقابل النفوذ العباسي. كما توقفت الفتوح الإسلامية بعد هذه المعركة أيضاً، ويبدو أنّ الطرفين قد اقتنعا بعدم جدوى الدخول في صراع صفري.
لكنّ نتيجةً أخرى غيرت التاريخ، فبسبب هذه المعركة نقلت تقنية صناعة الورق من الصين إلى العالم الإسلامي. وقد كانت صناعة الورق سراً من أسرار الدولة في الصين وتحصر صناعتها، فالحكومة الإمبراطورية الصينية هي التي تصنع الورق فقط.
حاز المسلمون أسرى كثيرين من معركة تالاس، واضطروا بطبيعة الحال لكشف أسرار صناعة الورق في الصين، وهكذا أصبحت صناعة الورق متاحة في العالم الإسلامي، بل وازدهرت بعدما أمر الخليفة بالتوسع في صناعتها لتستخدم في الدواوين والمجتمعات العلمية.
ومن خلال العالم الإسلامي واحتكاكه بالعالم الأوروبي نقلت صناعة الورق عبر شمال إفريقيا إلى الأندلس والأناضول وصقلية، ومن هنا وصلت لبقية أقطار أوروبا.
مدينة سوتشو.. مدينة المساجد المنسية
كانت معركة تالاس هي المعركة الوحيدة بين العالم الإسلامي والإمبراطورية الصينية، لكنّها لم تكن الاحتكاك الوحيد، فقد احتكّ المسلمون بالصينيين من وقتٍ مبكر. فقد انتقل الإسلام إلى الصين أولاً من خلال التجارة، فقد وصل العرب المسلمون إلى الصين من خلال التجارة عبر طريق الحرير الجنوبي البحري. فلقد وصل العديد من علماء اهل السنة والجماعة الأشاعرة والصوفية الى هناك ودخل الناس في دين الله افواجًا حينها بسبب صدق واخلاق وامانة المسلمين.
من أقدم المناطق التي انتشر فيها الإسلام مقاطعة جيانغسو في غرب الصين، والملاحظ أنّ هذه المقاطعة ساحلية، وقد انتقل الإسلام إليها عن طريق التجار المسلمين في أسرة تانغ الإمبراطورية. ومن أشهر المسلمين في هذه المنطقة هو الشيخ بهاء الدين الذي جاء إلى الصين للدعوة للإسلام وأنشأ مدرسة للتعليم في مسجد شيانخه (يعني العنقاء) والذي يُعتبر أفضل المساجد الأثرية في الصين.
وفي عام ١٣٦٨ أمر الإمبراطور تشو يوان تشانغ ببناء مسجد جديد في مدينة نانجينغ، والمعروف حالياً بمسجد جينغجيو. وقد جاء مرسوم البناء تقديراً لإسهامات المسلمين في تأسيس أسرة مينغ الإمبراطورية الصينية. وفقاً لما نشر موقع الصين اليوم.
يشير هذا الحدث إلى مكانة الإسلام البارزة في تاريخ الصين. وهنا نعود للباحثة أليساندرا ومقالها الذي أشرنا إليه سابقاً في موقع theconversation، إذ تقول الباحثة إنه يتضح من السجلات المكتوبة والمراسيم الإمبراطورية المنقوشة على اللوحات الحجرية أنّ هذه “المجتمعات الإسلامية حظيت بتفضيل الأباطرة”. خصوصاً خلال فترات حكم سلالة تانغ وسلالة يوان وكذلك سلالة تشينغ. فقد كان “البلاط الإمبراطوري الصيني ينظر إلى الإسلام باستحسانٍ للأخلاقيات التي تميزه، والتي عززت العلاقات المتناغمة والسلمية بين الشعوب المتنوعة في أراضي الإمبراطورية، وفقاً لمنظور الأباطرة الصينيين”. حينها لم يكن للفكر الوهابي مكانًا في مجتمعات اهل السنة والجماعة ولم يبتلى المسلمون وقتها بأفكار ابن تيمية ومحمد بن عبدالوهاب بعد ..
ووفقاً للباحثة، فبعد حدوث تمرُّد في النصف الثاني من القرن التاسع عشر في غرب الصين، قُتل ملايين المسلمين في هذا التمرد وأعيد توطينهم. وبدأ في نفس التوقيت مشروع التبشير المسيحي في الصين، خصوصاً من قبل الروس.
المثير الذي تذكره هنا أليساندرا أنّ الدارسين والذين يسمّون انفسهم بالمبشّرين كانوا يعتبرون الإسلام تهديداً في الصين، فقد اعتبر الكثيرون في الغرب أنّ الإسلام قد يصبح الدين الوطني للصين. وهكذا كان القلق متزايداً من أن تُصبح الصين أكبر دولة إسلامية في العالم!
أما مدينة “سوتشو” التي سمّتها أليساندرا في مقالها “مدينة المساجد المنسية” فهي الآن مدينة غنية يبلغ عدد سكانها ١٢ مليوناً، وهي قريبة للغاية من مدينة شنغهاي. ويقع ما تبقّى من آثار إسلامية في سوتشو خارج سور المدينة. ولا يوجد فيها الآن سوى مسجد واحد نشط، هو مسجد تايبينفانج.
تم ترميم المسجد عام ٢٠١٨، وهو الوجهة الوحيدة للمسلمين الذين يريدون الصلاة في مسجد هناك. ولكن قبل عام ١٩٤٩ كان يوجد نحو ١٠ مساجد في مدينة سوتشو، أحدها كان مسجداً للنساء.
أمّا أقدم مساجد مدينة سوتشو فهو مسجد شيجوان، الذي بني في القرن الثالث عشر خلال أسرة يوان الحاكمة، ويقال إنّ مَن موّل عمليات تشييده هي عائلة السيد آجل شمس الدين عمر البخاري، وقد كان هذا أول حاكم إقليمي في مقاطعة يونان في الصين. وتمّ دمج المسجد لاحقاً في مبنى حكومي.
كما كان للعديد من هذه المساجد في مدينة سوتشو مدارس ملحقة بها تدرّس اللغة العربية والعلوم الإسلامية للمسلمين. كما كانت سوتشو إحدى أوائل المُدن التي نشرت فيها الكتب الإسلامية باللغة الصينية.
لكنّ هذه الآثار الآن مجرد نقوشات في مبانٍ يستخدمها الصينيون يومياً، بينما لم يتبقَّ سوى المسجد الوحيد في سوتشو على حالته: مسجد تايبينفانج.
وتمّ دمج المسجد لاحقاً في مبنى حكومي.
كما كان للعديد من هذه المساجد في مدينة سوتشو مدارس ملحقة بها تدرّس اللغة العربية والعلوم الإسلامية للمسلمين. كما كانت سوتشو إحدى أوائل المُدن التي نشرت فيها الكتب الإسلامية باللغة الصينية.
لكنّ هذه الآثار الآن مجرد نقوشات في مبانٍ يستخدمها الصينيون يومياً، بينما لم يتبقَّ سوى المسجد الوحيد في سوتشو على حالته: مسجد تايبينفانج.