خروج يأجوج ومأجوج على الناس يكون بمشيئة الله -تعالى-، وقصة خروجهم كما وصفها النبي ﷺ وهو الوحي الذي يوحى إليه من ربه، قال: إن يأجوج ومأجوج يحفرون كل يوم حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس، قال الذي عليهم: ارجعوا فسنحفره غدًا، فيعيده الله أشد ما كان، حتى إذا بلغتهم، وأراد الله أن يبعثهم على الناس حفروا حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس، قال الذي عليهم: ارجعوا فستحفرونه غدًا إن شاء الله -تعالى-، واستثنوا قال: إن شاء الله المرة هذه، قال: إن شاء الله فيعودون إليه وهو كهيئته حين تركوه.
إذًا، لا يلتئم، يبقى، فيحفرونه ويخرجون على الناس فينشفون الماء، ويتحصن الناس منهم في حصونهم، فيرمون يأجوج ومأجوج بسهامهم إلى السماء، فترجع عليها الدم الذي اجفظفتنة من الله، فيقولون: قهرنا أهل الأرض، وعلونا أهل السماء، فيبعث الله نغفا دود يكون في أنوف الإبل والغنم عادة، في أقفائهم في رقابهم، فيقتلهم بها قال رسول الله ﷺ: والذي نفسي بيده إن دواب الأرض لتسمن، وتشكر شكرًا من لحومهم[رواه ابن ماجه: 4080].
قال ابن العربي -رحمه الله-: في هذا الحديث ثلاث آيات:
الأولى: أن الله منعهم أن يوالوا الحفر ليلاً نهارًا.
ثانيًا: أنه منعهم أن يحاولوا الرقي على السد بسلم أو آلة، فلم يلهمهم ذلك، ولا علمهم إياه.
ثالثًا: أنه صدهم عن أن يقولوا إن شاء الله حتى يجيء الوقت المحدود، فيقول: إن شاء الله.
كيف يخرجون؟
قلنا إن يأجوج ومأجوج بعد أن تركوا خلف السد في اضطراب وهرج، ظلوا يحاولون النفاذ منه بتسلقه، فعجزوا عن ذلك؛ لعلوه وملاسته. ولما أعيتهم الحيلة والوسيلة عن ذلك تحولوا إلى أسلوب آخر، وهو حفر الردم ونقبه، وما زالوا يوالون الحفر كل يوم، فإذا ما كاد شعاع الشمس يهجم عليهم، قال الذي عليهم: ارجعوا فستحفرونه غدًا.. ويجيء الغد والردم يرجع أحكم مما كان من قبل.. وتتكرر هذه الكلمة كل يوم، وإزائها يعود الردم بمشيئة الله أشد ما كان، وتضيع جهودهم سدًى، وتتبخر آمالهم في الهواء.. وهكذا، يظل الحال على هذا المنوال، إلى أن يأذن الله فيجري على لسان من عليهم، الكلمة نفسها لكن بإضافة جديدة، ظلت تحصرهم خلف هذا السد فترة طويلة لا يعلمها إلا الله الذي احتبس هذه الإضافة عنهم بمشيئته، حتى يبلغوا مدتهم.. فإذا جاء الوعد الحق، وأراد الله أن يبعثهم ويخرجهم على الناس، يقول قائلهم عندما يلوح له شعاع الشمس: ارجعوا، فستحفرونه غدًا إن شاء الله، ويستثني، ويجيء الغد، فيجدوه كما تركوه بالأمس، فيوالون الحفر ويخرجون على الناس.
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “إن يأجوج ومأجوج ليحفرون السد كل يوم حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس، قال الذي عليهم: ارجعوا فستحفرونه غدًا، فيعيده الله أشد ما كان، حتى إذا بلغت مدتهم، وأراد الله – عز وجل – أن يبعثهم إلى الناس حفروا، حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم: ارجعوا فستحفرونه غدًا إن شاء الله، ويستثني، فيعودون إليه وهو كهيئته حين تركوه فيحفرونه ويخرجون على الناس”. رواه أحمد والحاكم.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
قال ابن العربي: في هذا الحديث ثلاث آيات: الأولى أن الله منعهم أن يوالوا الحفر ليلا ونهارًا. الثانية: منعهم أن يحاولوا الرقي على السد بسلم أو آلة فلم يلهمهم ذلك ولا علمهم إياه مع أنه ورد أن لهم أشجارًا وزروعًا. الثالثة أنه صدهم عن أن يقولوا إن شاء الله حتى يجيء الوقت المحدود.
فالحق جل وعلا حبس يأجوج ومأجوج إلى ميقات معلوم، وقد اقتضت مشيئته ذلك، فلو أن الأمور تتم هكذا من تلقاء نفسها، دون عناية الله ومشيئته، لخرج يأجوج ومأجوج من أول يوم بدؤوا يحفرون فيه السد، ولكن، حاشا لله أن يقع في الكون أمر بعيدًا عن مشيئته وإرادته؛ لأنه سبحانه وتعالى عنده علم كل شيء في لوح مسطور، وما من شيء إلا له قدر مقدور؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ﴾ [الإنسان: 30].
وأظن أن هذا هو الخيط الخفي الذي يربط بين قصة يأجوج ومأجوج وقوله تعالى: ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدًا إلا أن يشاء الله”. فما أدل على هذا المعنى الذي ترمي إليه الآية من قصة يأجوج ومأجوج مع السد الذي بناه ذو القرنين عليهم.
قال القرطبي في تفسير هذه الآية: قال العلماء: عاتب الله -تعالى- نبيه -صلى الله عليه وسلم- على قوله للكفار حين سألوه عن الروح والفتية وذي القرنين: غدا أخبركم بجواب أسئلتكم، ولم يستثن في ذلك.
فاحتبس الوحى عنه خمسة عشر يومًا حتى شق ذلك عليه، وأرجف الكفار به، فنزلت عليه هذه السورة مفرِّجة. وأُمِر في هذه الآية ألا يقول في أمر من الأمور إني أفعل غدًا كذا وكذا، إلا أن يعلق ذلك بمشيئة الله – عز وجل – حتى لا يكون محققا لحكم الخبر، فإنه إذا قال: لأفعلن ذلك ولم يفعل: كان كاذبًا، وإذا قال، لأفعلن ذلك – إن شاء الله – خرج عن أن يكون محققًا للمخبر عنه.