عرف التاريخ الإسلامي أناسًا وقفوا عند حدود الشريعة المحمدية فأدوا ما أمرهم الله تبارك وتعالى وانتهوا عما حرمه الله، وأعرضوا عن مفاتن الدنيا وزخارفها فزهدوا فيها واقتفوا ءاثار الرسول صلى الله عليه وسلم وتمسكوا بالشريعة وعملوا بمقتضاها.
وقد كان الولي الجليل والقطب الكبير العارف بالله الشيخ عبد الباقي بن عمر المكاشفي الحسيني رضي الله عنه أحد هؤلاء الصوفية الصادقين المحققين والأولياء العاملين بعلمهم.
اسمه ونسبه
هو الشيخ عبد الباقي بن عمر بن أحمد المكاشفي الذي ينتهي نسبه إلى الإمام الحسين ابن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي عنه وعنهم.
مالكي المذهب، أشعري العقيدة، جيلاني الطريقة، محمدى الأخلاق، حفظ القرآن ودرس موطإ الإمام مالك رضي الله عنه لازم الخشوع والخضوع والخوف والتذلل لله تعالى وعرف بالزهد والورع والتواضع والعفة والحياء والمروءة والسماحة والجود والشجاعة وكظم الغيظ ومداراة الخلائق ومكافأة السيئة بالحسنة والعفو عن المسيء وشكر المحسن.
مولده ونشأته
ولد رضي الله عنه في قرية شنبلي من نواحي سنار من الديار السودانية قبل فجر يوم الأربعاء الرابع من شهر رجب سنة 1284 هـ 1867ر. فرحب به والده الحاج عمر وفرح به فرحًا كبيرًا و أذّن في أذنيه وسلم عليه مقبلاً يده وروي أنه قال أمام ملأ من الناس: مرحبًا بسيد أبيه
علمه ومكانته
حفظ القرءان الكريم على يد أخيه الشيخ أحمد المكاشفي، ثم اشتغل في تحصيل العلوم الشرعية.
لقد تمكن في العلوم الشرعية واجتهد بالعبادة والمجاهدات والتعليم والإفادة فكان رضي الله عنه وقته عامرًا بذكر وطاعة ودرس وتعليم وغير ذلك من الطاعات حتى فتح الله تعالى عليه فصار يجيز في جميع طرق السادة الصوفية. قد تنقل للدعوة والإرشاد في أنحاء السودان فسكن أولا القديم ثم انتقل إلى قرية ود أب ءامنة ثم البراقنة ثم قرية الشكينيبة قرب مدينة المناقل واستقر بها إلى وفاته، وهي تبعد عن الخرطوم ما يقارب الثلاثمائة كيلومتر.
زهده وأخلاقه
كان الشيخ المكاشفي متخلقًا بالأخلاق المحمدية، متمسكا بالسنة، تسرك نظرته، وترغبك في الآخرة أفعاله، وتزهدك في الدنيا خصاله، لا يرى لنفسه فضلاً على أحد، ولا يمن على من أرشد، لين العريكة، حسن المجالسة، جميل الملاطفة، إذا حدث صدق، وإذا عاهد أوفى، وكان رضي عنه لا يقابل أحدا بما يكره، متواضع للناس ولله، ويكرم أهل الفضل والأقارب ويصل الجيران وذوي العاهات والبلايا وينفق عليهم بما عنده بالكثير والقليل.
ويؤكد هذا منـزله وهو غرفتان من لبن، في الغرفة الأولى سرير صغير فراشه من خيطان أمامه سجادة للصلاة من قش، والغرفة الثانية فيها سجادة للصلاة من قش فقط. وعلى مدخل باب المنـزل جذع شجرة صغير كان يقف عليه الطير ويأتي إليه البهائم فيتكلم معهم بإذن الله، ثم خلف المنـزل توجد حفرة صغيرة كان الشيخ يقضي فيها حاجته ويغتسل، وكانوا يأتون في الصباح لتنظيف الحفرة كي لا تخرج منها الرائحة أو البعوض فيؤذي الشيخ فلا يجدون شيئـًا.
أما تركة الشيخ فهي مظلة وقلنسوة وسروال ونعل وقميص ليس فيه جيب.
كراماته
أما كرامات الشيخ فكثيرة جدًا منها أنه كان رضي الله عنه يخاطب الوافدين عليه من سائر البلاد كل على حسب لهجته قبل أن يبدأ الوافد بالكلام، ولو أردنا حصر كراماته لضاق المقال عنها.
وفي طرف الساحة حفرة عميقة وواسعة تسمى الحفير وقد حفرها المكاشفي بيده مع خواص مريديه وطلابه بغرض أن يجمع ماء المطر فيها للري والشرب والطهارة وللبهائم، وعلى طرف الحفرة شجرة من النيم متدلية فوق الحفير تقطر من أوراقها في أحد أيام السنة عسلاً يشرب منه الناس إلى يومنا هذا، وقد حققت الصحافة بهذا الأمر فوجدته صحيحًا ونشر الخبر في بعض الجرائد السودانية.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
اقرأ ايضًا أقوال ومواعظ بعض الصوفية عبر الضغط هنا
من أقواله ينبغي للفقير أي الصوفي أن يكون
أوسع الناس صدرًا، ضحكه تبسمًا واستفهامه تعلمًا، مذكرًا للغافل، لا يؤذي من يؤذيه، ولا يخوض فيما لا يعنيه، قليل الأذى، ورعًا من المحرمات، بِشره في وجهه، حزنه في قلبه، مشغولاً بفكره، مسرورًا بفقره، لا يكشف سرًا ولا يهتك سترًا حسن الأخلاق، لين الجانب، طويل الصمت، جميل النعت، صبورا على من أساء إليه، لا يكون عنده جحود، أمين على الأمانة، بعيد عن الخيانة، خلقه الحياء، كثير التحمل، كثير الصلوات والصيام، لا سبابًا ولا مغتابًا لا نمامًا ولا ذمامًا، ولا حسودًا ولا كنودًا، له لسان مصون وقوله موزون وقلبه محزون.
من مصنفاته
منظومة (تعالى الرب): نظم فيها عقيدة الشيخ عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه، وأضاف إليها ما صارت تجمع عقائد أهل السنة، ورد فيها على المبتدعة.
أرجوزة التوحيد: جمع فيها ما يحتاج المكلف لمعرفته من عقائد التوحيد، وقد بين في هذه المنظومة معنى الشهادتين.
وفاته
توفي رضي الله عنه في قرية الشكينيبة يوم العاشر من ذي الحجة سنة 1380هـ ـ1960عن سبع وتسعين سنة تقريبًا أمضاها في الطاعة والإرشاد والتعليم رضي الله عنه ونفعنا به.
ومن الجدير ذكره أن الإمام المحدث الشيخ عبد الله الهرري رحمه الله رحمة واسعة مجاز بالطريقة القادرية من أكثر من طريق منها عن طريق خلفاء الشيخ المكاشفي رضي الله عنهما.