لا يمكن النظر إلى حركة طالبان بمعزل عن محيطها المكاني والزماني أو عن تاريخ البلد الذي نشأت فيه، إذ يثبت كل الباحثين المعنيين بالحركات الإسلامية، خاصة الذين كان لهم نصيب من زيارة أفغانستان والتعامل عن قرب مع قادة الحركة، الذين أكدوا أن البيئة المحيطة بالحركة تتجانس معها إلى حد بعيد، سواء من طبيعة التكوين النفسي لأعضائها، أو البنية الفكرية المتأثرة بالمذهبية الدينية، التي تلعب الدور الأساسي في تشكيل الوعي السياسي للحركة.
وقد أشار أحد كبار أساتذة زعماء الحركة، حفيظ الله حقاني في كتابه ” طالبان أفغانستان من حلم الملا إلى إمارة المؤمنين”، الصادر عن معهد الدراسات السياسية السياسية في إسلام اباد، إلى: “أنه منذ تأسيس دولة أفغانستان في عام 1747م حتي عام صدور كتابه 1997، أي خلال 250 سنة تولى السلطة في البلاد 30 حاكما- منهم 13 – حوالي 43.3% تقلدوا منصبهم استنادا إلى أسباب دينية- ومن هؤلاء الثلاثين 11 حاكما(حوالي 35.5%) عزلوا من مناصبهم نتيجة لأسباب وعوامل دينية”.
(انظر: طالبان، جند الله في المعركة الغلط، فهمي هويدي، ص 19)
إذن فإن المناخ العام المحيط بحركة طالبان مناخ ديني، والاسم نفسه مأخوذ من “طلب العلم الشرعي” الذي كان يتلقاه زعماء الحركة في المدرسة الديوبندية التي تتبني العقيدة الماتريدية والفقه علي المذهب الحنفي التقليدي.
المدرسة الديوبندية
و”الديوبندية” طائفة من الأحناف في شبه القارة الهندية، تتخذ منهجا عقديا أقرب إلى المذهب الأشعري الماتريدي. و”ديوبند” هي بلدة في ولاية أوترا براديش، اكتسبت شهرتها من أجل الجامعة الإسلامية الشهيرة “دار العلوم”- أو أزهر الهند- التي تأسست فيها عام 1283هـ، والتي تعتبر فخراً واعتزازاً لها بلا شك، وكان الهدف الأساسي من إنشاء هذه الجامعة هو تأييد المذهب الحنفي ونشره.
إذًا فعقيدة حركة طالبان وممارستها تختلف اختلاف جذري عن الحركة الوهابية التكفيرية المتطرفة, ويدعم ذلك تعامل حركة طالبان مع مخالفيها حينما سيطرت على البلاد الأفغانية, فلا قتل ولا سلب ولا تدمير ولا انتقام, بعكس الممارسات الوهابية التي تتقاطع مع المغول والتتار بتدمير كل منطقة يمرّون فيها والقصاص من كل مخالف.
ويعترف زعماء طالبان بتأثرهم بمنهج الديوبندية، ومنها ما صرح به عمر محمود أبو عمر المكني بأبي قتادة، لقناة الجزيرة بتاريخ 23/11/ 2001 وقال:” طالبان يعني الطلبة.. وهي جماعة من خريجي المدارس الشرعية التي تنتمي إلى أزهر الهند – يقصد المدرسة الديوبندية وهي مدرسة حنفية ديوبندية لها تاريخ عريق معروف في واقعها الإسلامي في داخل القارة الهندية”.
النشأة
نشأت حركة طالبان في ولاية قندهار جنوب غرب أفغانستان على الحدود مع باكستان عام 1994م، على يد الملا محمد عمر، وهو أبو طالبان وكانت تهدف إلى القضاء على مظاهر الفساد الأخلاقي وإعادة أجواء الأمن والاستقرار إلى أفغانستان، وساعده على ذلك طلبة المدارس الدينية الديبوندية الذين بايعوه أميرا لهم عام 1994م.
وتشكل الترتيب التنظيمي في الحركة كما يلي:
- أمير المؤمنين.
- المجلس الحاكم المؤقت.
- مجلس الشوري المركزي
- مجلي الشوري العالي.
- مجلس الوزراء.
- دار الإفتاء المركزي.
- مجالس الشورى في الولايات.
- القيادات العسكرية.
اقرأ ايضًا “داعش: ابن الوهابية الوقح” عبر الضغط هنا
أهداف الحركة
أما عن أهداف الحركة فقد قال الملا محمد عمر في كلمته التي ألقاها أمام العلماء في قندهار يوم 4/4/1996 ” إننا نريد تطبيق دين الله في أرضه ونريد خدمة كلمة الله ، ونريد تنفيذ الأحكام الشرعية وحدود الله” .
ويرصد ملا حفيظ حقاني أهداف الحركة التفصيلية التسعة عشر في كتابه “طالبان”، وهي:
1 ـ إقامة الحكومة الإسلامية على نهج الخلافة الراشدة
2 ـ أن يكون الإسلام دين الشعب والحكومة جميعا.
3 ـ أن يكون قانون الدولة مستمدا من الشريعة الإسلامية.
4 ـ اختيار العلماء والملتزمين بالإسلام للمناصب المهمة في الحكومة.
5 ـ قلع جذور التعصبات القومية والقبلية.
6 ـ حفظ أهل الذمة والمستأمنين وصيانة أنفسهم وأموالهم وأعراضهم ورعاية حقوقهم المنصوص عليها في الشريعة الإسلامية.
7 ـ توثيق العلاقات مع جميع الدول والمنظمات الإسلامية.
8 ـ تحسين العلاقات السياسية مع جميع الدول الإسلامية وفق القواعد الشرعية.
9 ـ التركيز على الحجاب الشرعي للمرأة وإلزامها في جميع المجالات .
10 ـ تعيين هيئات للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في جميع أنحاء الدولة .
11 ـ قمع الجرائم الأخلاقية ومكافحة المخدرات والصور والأفلام المحرمة .
12 ـ استقلال المحاكم الشرعية وفوقيتها على جميع الإدارات الحكومية .
13 ـ إعداد جيش مدرب لحفظ الدولة الإسلامية من الاعتداءات الخارجية .
14 ـ اختيار منهج إسلامي شامل لجميع المدارس والجامعات وتدريس العلوم العصرية.
15 ـ التحاكم في جميع القضايا السياسية والدولية إلى الكتاب والسنة.
16 ـ تعيين العلماء الأنقياء الأكفياء بالمحاكم الشرعية.
17 ـ أسلمة الاقتصاد والاهتمام بالتنمية في جميع المجالات.
18 ـ طلب المساعدات من الدول الإسلامية لإعمار أفغانستان.
19 ـ جمع الزكاة والعشر وغيرها ، وصرفها في المشاريع الإسلامية والمرافق العامة.
الخلاصة العامة
طالبان اليوم على أبواب استلام مقاليد الأمور في أفغانستان، وهناك تصورات متناقضة عنهم فأحببنا في هذه العجالة أن نقدم أهم ما ينبغي معرفته عنهم:
1- الاسم (طالبان) وهي في لغتهم جمع كلمة (طالب) مثل: مسلمان، جمع كلمة مسلم، واسمهم هذا يعني أنهم طلاب العلوم الشرعية، وهم بالفعل كذلك، فهم طلاب العلوم الشرعية التقليدية المعروفة هناك.
2- مذهبهم في العقيدة، هم (ماتوريدية)، وإمامهم أبو منصور الماتوريدي، أحد أعلام أهل السنّة، ومذهبه قريب جدا من مذهب أبي الحسن الأشعري، على خلاف ما يتوهمه بعض الناس عنهم، وهم في نظر داعش والقاعدة – اي الوهابية الخوارج- : مبتدعة لأنهم على خلاف المذهب (الوهابي) المعروف اليوم.
3- مذهبهم في الفقه حنفية نسبة إلى الإمام الأعظم أبي حنيفة، وهذا هو تكوينهم الشرعي بحسب دراستهم ومناهجهم الثابتة والمعروفة.
4- ليس لهم صلة بأي حزب إسلامي (سياسي) ولا أي جماعة تكفيرية.
5- اتهمتهم أمريكا بالإرهاب لرفضهم تسليم أسامة بن لادن (للأمريكان)، والحقيقة أنهم رفضوا ذلك من منطلق فقهي بحت حيث إنهم لم يجدوا فتوى بجواز تسليمه لكافر. وقد ضحوا بملكهم لهذا الموقف.
6- تجربتهم في الحكم لم تكن كما يشاع أنها تشبه حكم داعش، بل كانت تجربة تطبيق فقه حنفي تقليدي تنقصهم فيه الخبرة وإدراك تحديات العصر وأولوياته، وقد علمت أنهم عقدوا لكوادرهم القيادية دورات تطويرية في مختلف العلوم والفنون، لكن في تقديرنا لم تصل إلى درجة الوعي الكافي، لكنهم حريصون على التعلم بشكل جيد.
7- في تقديرنا هم أفضل من يمكن أن يحقق نوعا من التوازن مع التغول الإيراني، وهذه نقطة جديرة بالاهتمام والدراسة في هذا الظرف.
8- ثقافتهم العامة ثقافة شرقية فلا نتوقع منهم حالة استثنائية في عدم الإقصاء أو تحقيق المشاركة وتداول السلطة، لكن بشكل عام نعتقد أنهم يسعون لتحقيق قدر مقبول من العدل، والحفاظ على مصالح الناس الأساسية.
9- يسجل لهم قدرتهم على التماسك والوحدة رغم كل الظروف المتقلبة التي مرّوا بها.
10- يسجل لهم كذلك أنهم لم يظهروا لحد الآن أي رغبة في الانتقام من الجماعات التي قاتلتهم في السابق.
11- بعض الناس يحكم عليهم من خلال زيهم، والحقيقة أن هذا هو زيّ الأفغان التقليدي خاصة بالنسبة لطلاب الشريعة.
12- وأعلم كذلك أن محنة داعش قد ولدت ردود فعل جعلت بعض الشباب لا يريد أن يسمع كلمة جهاد أو تطبيق الشريعة أو مقاومة المحتل، وربما كان هذا هو الهدف من تكوين داعش وإخراجها للوجود.
13- أخيرا فالذي يدل على مرونتهم وأنهم ليسوا مثل الجماعات التكفيرية علاقاتهم الدولية وزياراتهم لكثير من الدول بشكل معلن، وقبولهم مبدأ التفاوض علنا حتى مع أشد الناس عداوة لهم وفتكا بهم.
.
ملاحظة نحن نتكلم عن السمت العام السائد عند طالبان، في عقيدتهم وفقههم وسلوكهم، وهناك استثناءات تفصيلية، والله أعلم وأرحم وأكرم
اقرأ ايضًا “التعريف بفرقة الوهابية وداعش أدعياء السلفية” عبر الضغط هنا
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website