“الله الله، يا بابا… سيدي منصور يا بابا … ونجيك نزور يا بابا”، بهذه الكلمات نقل الفنان التونسي صابر الرباعي واحدة من أقدم أغاني الحضرة الصوفية في تونس، إلى واحدة من أشهر الأغاني العربية التي لا تغيب عن مشاركاته في المهرجانات العربية وشاشات القنوات.
سيدي منصور، مَن تغنّى به الرباعي وردد أغنيته، تغيب سيرته، هذا الولي الصالح، عن الكثيرين من العرب والتونسيين، ولا يعلم الكثير منهم مقامه في مدينة صفاقس حتى من سكان المدينة.
سيدي منصور.. عامل القطن
على الطريق الساحلي الشمالي لمدينة صفاقس، وهي ثاني أكبر المدن التونسية وعاصمة الجنوب، وتحديدًا في النقطة الكيلومترية 11 على الطريق الذي يُسمّى باسمه، يوجد مقام الولي الصالح منصور الغلام، أو سيدي منصور كما يُعرف.
هذا المقام الذي بُني على ساحل البحر بجوار ناظور لتنظيم الملاحة البحرية وحركة سفن الصيد في المدينة الساحلية، بُني بجواره مسجد كبير حمل اسم الولي أيضًا، مسجد سيدي منصور.
يذكر المؤرخ محمود مقديش في كتابه “نزهة الأنظار في عجائب التواريخ والأخبار”: “ومن أولياء الله تعالى العارفين بالله سيدي منصور الغلام، ذو الكرامات المشهورة والفضائل المأثورة”.
ويروي صاحب الكتاب أن “سيدي منصور كان عبدًا لواحد من أهل صفاقس يعمل في حياكة القطن، وكان يتركه بالليل ليجده في صباح كلّ يوم قد استوفى جميع ما بقي عنده من عمل قلّ أو كثر، وفي بعض الليالي أتى صاحب العمل للمحل الذي يعمل فيه فلم يجده، وارتقبه أكثر فلم يأتِ، فلمّا أصبح وجده قد استوفى عمل جميع ما عنده من القطن، ففطن له وعلم أنّ له عناية من الله تعالى”.
يضيف الكاتب: “رصده ليلة من الليالي فوجده سائرًا في طريق بمدينة صفاقس، فتبعه دون أن يشعر به، فما زال منصور الغلام سائرًا حتّى انتهى لسور وسط المدينة، فنزل منه، فتبعه وسار خلفه، فما زال سائرًا حتى وصل إلى برج “قزل”، فشرع في الصلاة حتى طلع الفجر، فرجع وطلع من حيث نزل، بعدها علم منصور الغلام أن سيده اطلع على سره فأفشاه، فقرر اعتزال الناس، وظهرت كراماته، وبلغ خبره السلطان، فطلبه فاختفى ولم يظهر، فوجد بعد زمان ميّتًا مُغسّلًا مكفّنًا في المكان الذي وجده سيده يصلي فيه عند برج “قزل”، فدفنوه فيه”.
وبرج “قزل” هو الناظور الذي مازال جزء من أثره ظاهرًا بجوار مقام الولي سيدي منصور، وهو ما يذكر في الأغاني التي تمدحه “مولى الناظور” أي صاحب الناظور.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
يبلغ قطر قاعدة الناظور 30 مترًا، وهو الآن بارتفاع يناهز 8 أمتار، وقد يكون استعمل كبرج مراقبة أو منارة في العهد البيزنطي، وكذلك في فترة الأمراء الأغالبة.
وقد حرص الحفصيون على استعادة أحد الأبراج، وهو الذي يسمى الآن “برج سيدي منصور”، وقد استعمل في العهد العثماني كناظور بحري.
ولي الكرامات والبراهين من الأصول الإفريقية
بحسب ما يتم تداوله في الأساطير والقصص الشعبية، فإن لسيدي منصور كرامات مشاهدة بالعين حتى بعد وفاته، إذ تنقل الروايات الشفهية أنّ بعض صيادي السّمك تبعوا غلامًا وقصدوه بالفاحشة فامتنع عنهم، وفرّ منهم هاربًا حتّى دخل ضريح سيدي منصور فتبعوه، وكانوا ثلاثة، فلمّا ضايقوه دخل تحت التّابوت الذي على القبر فتغلّبوا عليه وأخرجوه كرهًا، فكسرت ظهور الثلاثة، فأمّا أحدهم فقُبضت روحه في الحال، وأما الثّاني فكان أزود بمدّة قصيرة ثمّ جعل يقذف الدم والقيح حتّى مات، وأمّا الثالث فطالت مدّته مكسور الظّهر ثمّ مات”.
ويروي الأجداد في مدينة صفاقس أن المقام كان قبلة للعرسان الجدد طلبًا للبركة، كما يفعل المسلمون في كافّة بقاع الأرض عند قبور الأنبياء والصالحين،
ولأصحاب البشرة السوداء ميل خاص لهذا الولي، إذا كانوا إلى عهد غير بعيد يخصصون له أيامًا لزيارته، ويقصدون ضريحه في مواكب خاصة.
واشتهر في مدينة صفاقس مثل معظم المدن التونسية، أن يكون لكل عائلة وليّها الخاص بها الذي ينتمي لنفس تلك الأسرة يحمل لقبها. ويبدو أن الأصول الإفريقية لسيدي منصور جعلت أصحاب البشرة السوداء في مدينة صفاقس يزيدون في الاحتفاء به ويربطون انتماءهم للمدينة.