بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله
على سبيلِ الإجمالِ، ليسَتِ العلومُ وحدَها متعلّقةً بالتصوفِ، فإنّ صاحبَ النظرِ السليمِ والفكرِ الحميدِ والناظرَ بعينِ الإنصافِ يعلمُ أنّ كلَّ ما لهُ علاقةٌ بالإسلامِ لهُ علاقةٌ بالتصوفِ، وكم فتوحاتٍ مجيدةٍ كانت على يدِ أهلِ التصوفِ، فسيّدُنا السلطانُ محمدٌ الفاتحِ رضيَ اللهُ عنه وثَّقَهُ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أحسنَ توثيقٍ هوَ وجيشَهُ بقولِهِ: (لتُفْتَحَنَّ القُسْطَنطِينيَّةُ، فلَنِعْمَ الأميرُ أميرُها، ولَنِعْمَ الجيشُ ذلكَ الجيشُ) ([1])، وليسَ بعدَ كلامِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم كلامٌ، فمَن كانَ صادقًا في اتّباعِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فليَفتَحْ عينيهِ جيّدًا ولْيَنظُرْ في هذا الحديثِ.
ومنهُم سيّدُنا السلطانُ صلاحُ الدينِ الأيوبيُّ رافعِ رايةِ الإسلامِ في القدسِ الشريفةِ ما ماتَ حتى أوقفَ الأوقافَ العظيمةِ للسادةِ الصوفيةِ ([2])، ثمّ كانَ النصرُ الإلهيُّ العظيمُ بالإمامِ منصورٍ الصوفيِّ النقشبنديِّ مُحَرِّرِ بلادِ المسلمينَ مِن طغيانِ الصليبِ الروسيِّ، إلى سيّدِنا عمرَ المختارِ الصوفيِّ الشاذليِّ السنوسيِّ، وغيرُهم كثيرٌ.
فدائرةُ تعلُّقِ أصولِ وفروعِ الإسلامِ بالتصوفِ أوسعُ مِن قصرِها على العلومِ، وليتَ شعري كيفَ يحلُّ الخوفِ في قلبٍ مُلِئَ بنورِ الذكرِ، وما عُرفَ هذا إلا مِن طريقِ الصوفيةِ، كما أنّه لم يُعرفِ الفقهُ إلا مِن طريقِ الأئمةِ الأربعةِ، والكلُّ تلخيصٌ وتهذيبٌ أو بسطٌ لعلومِ الأوّلينَ السابقينَ، فقولُنا (شافعيٌّ) ليس إخراجًا بالصفةِ ولا تخصيصًا بما لَم يكنْ قبلُ، فالشافعيُّ أو الحنفيُّ مسلمٌ سُنّيٌّ على الطريقةِ التي رتّبَها إمامُهُ وهذّبَها، وكذلكَ الصوفيُّ على الطريقةِ التي رتّبَها إمامُهُ وهذّبَها مِن مقامِ الإحسانِ بعدَ كلامِ اللهِ جلّ جلالُهُ ورسولِهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّم.
وليسَ كلُّ علمٍ مِن علومِ الإسلامِ متعلقًا بالتصوفِ تعلقًا مباشرًا، فعلمُ النحوِ مثلًا لا علاقةَ لهُ بالتصوفِ إلّا مِن طريقِ الإشارةِ، مثلَ إعرابِ الآجُرُّوميّةِ في النحوِ على طريقةِ الصوفيةِ لابنِ عجيبةَ، ومثلَ قولي: طريقُنا كسرٌ فسكونٌ فضمٌّ ففتحٌ، أي لا بدَّ مِن كسرِ النفسِ، ثمّ بعدَهُ السكونُ إلى ما شاءَ اللهُ والتسليمِ لهُ، ليكونَ الفتحُ على العبدِ، ثُمّ الضمُّ غايةُ المنى.
نسأل اللهَ العليَّ سكونًا بعدَ كسرٍ، وفتحًا بعدَ سكونٍ، فضمًّا لا يزولُ، ءامين
وصلى الله على سيدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصحبِه الطاهرينَ، والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
([1]) قالَ في مجمعِ الزوائدِ 6/218: رواهُ أحمدُ والبزّارُ والطبرانيُّ ورجالُهُ ثقاتٌ، وبعضُهم ضبطَهُ بلفظِ: (لَتَفْتَحُنَّ) بصيغةِ الخطابِ معَ نونِ التوكيدِ الثقيلةِ، والأوّلُ أوجَهُ.
([2]) انظُرِ الأوقافَ الإسلاميةَ في القدسِ الشريفِ-دراسةٌ تاريخيةٌ موثّقةٌ: ج1ص73.