بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله
هناك فرقٌ كبيرٌ في التصوّفِ بينَ النظريةِ والتطبيقِ، وبعبارةِ أوضحَ، بينَ القولِ والعملِ، وكما نصّتْ قاعدةُ الشريعةِ المطهّرةُ أنّ مدارَ الحكمِ على العلّةِ وجودًا وعدمًا ([1])، وهكذا التصوفُ، فالعملُ هوَ حياتُهُ، وإنْ وُجِدَ العملُ وُجِدَ التصوّفُ، ولو سُمّيَ بأيّ اسمٍ كانَ، وهذا من مشهورِ أقوالِ شيخِ الكلِّ سلطانِ أولياءِ عصرِهِ سيّدِي أحمدَ الرفاعيِّ الكبيرِ قدَّسَ اللهُ رُوحَهُ.
فلا تصوُّفَ بلا عملٍ ولو بلغَتْ صيحاتُ المدَّعِي أعنانَ السماءِ، ما لم يكنْ موزونًا بميزانِ الشريعةِ، بل الصوفيُّ أَولَى مِن غيرِهِ بهِ، لأنّه متمسّكٌ بمقامِ الإحسانِ، وهوَ فوقَ الالتزامِ المجرّدِ بأداءِ الواجباتِ واجتنابِ المحرَّماتِ.
وعليهِ، فإنّ طريقَ التصوّفِ السويَّ بريءٌ كلَّ البراءةِ مِن هذه المنعرَجاتِ والتفريعاتِ التي ما نبعَتْ ولا صبَّتْ في دائرةِ الإسلامِ في أرقى ملامحِهِ، وعليهِ أيضًا فلا بدّ مما يلي:
- نشرِ العلمِ على وفقِ المذاهبِ المعتبرةِ، وعلى رأسِها سلامةُ العقيدةِ وأصلِ الدينِ، حتى لا تنبُغَ لنا نابغةٌ توهّمَت من كلامِهِم وحدةَ الوجودِ وما شابَهَ هذهِ البدعِ الباطلةِ.
- تصحيحِ المسارِ بالتوعيةِ والتنبيهِ.
- الاختيارِ بعدَ الاختبارِ.
- العملِ على إعادةِ توحيدِ المبدإِ الجامعِ، وهو سلامةُ العقيدةِ ونشرُ أصولِ الصوفيّةِ من الآياتِ والأحاديثِ وأقوالِ المعتبرينِ القدوةِ، وتركُ الخرافاتِ التي كثُرَ انتشارُها، بمعنًى أوسعَ ممّا تقدَّمَ.
- الإرشادِ الذي لا بدّ منهُ، وتركِ العصبيةِ لأحدٍ غيرِ الدينِ، فالولاءُ الأولُ والأخيرُ لهُ، ولولا سلامةُ دينِ المشايخِ لَمَا تبعناهم.
لكنّ المذكوراتِ لا تتجاوزُ كونَها أمانيَّ، لتمزُّقِ الأمّةِ، وتشعُّبِ مشاربِها، وانتشارِ البدعِ التي صارت عندَ الجهّالِ مِن أصولِ التصوفِ.
ولا يعني هذا تركَ العملِ بسببِ اليأسِ، بل كلُّ واحدٍ عليهِ أن ينفعَ في مكانِهِ بأيِّ طريقةٍ، وقد زارني أحدُهم منذ سنينَ، وجاءَ أحدُهم وصارَ يمدحُ الأكابرَ بإنشادِهِ، فصارَ الرجلُ يتمايلُ قليلًا ثم سقطَ على الأرضِ، وما صدّقتُ حالَهُ، فقمتُ وقلتُ لهُ: عندما تنتهي من حالِك أخبرني لأني سأخرجُ لإنهاءِ بعضِ العملِ، فقطعَ الحالَ وقامَ، وفهم مني أنه ليسَ صادقًا وأنّ هذه البضاعةَ لا تروجُ عندَنا، ثم فعلَ أشياءَ منكراتٍ لا تنزلُ عن الفسقِ، واستوجبَت طردَهُ، وصرتُ أحذّرُ الناسَ منهُ، فهذا من أينَ لهُ التصوفُ، بل جاهلٌ إن كانَ جهلُهُ من مشايخِهِ الجهّالِ أم ماذا، فالعبرةُ بالحالِ هنا مِن باطِنِ أمرِهِ قبلَ ظاهرِهِ، وفي الحالينِ هو وأمثالُهُ الذين تركوا العلمَ وجرَوا خلفَ أشياءَ لا علاقةَ لها إلا بمخالفةِ الشريعةِ.
وما أحوَجَنا إلى مشايخَ ومريدينَ لا يعرفونَ من التصوفِ إلا الشرعَ بتفاصيلِهِ التي لا تكونُ النجاةُ إلا بها.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
نسألُ اللهَ حسنَ الحالِ لنا ولهم وللأمةِ جمعاءَ. وسبحانَ ربِّكَ عمّا يصفونَ وسلامٌ على المرسَلينَ والحمدُ للهِ ربِّ العالَمِينَ.