الحمدلله وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله. وبعدُ فقد طعن بعض الجَهَلَة بالمذهب الأشعريِّ الَّذي عليه أكثر عُلماء الأُمَّة مِن المُتأخِّرين لأنَّه بزعمه انتشر بقُوَّة السُّلطان وقهر المُخالفين وغير ذلك مِن شُبُهات وتُرَّهات لا تقوم بها حُجَّة ولا تُبرِّر طعنه بمذهب السَّادة الأشعريَّة فنقول بعد الاستعانة بالله تعالَى: احتجَّ الجاهل في دعواه بأنَّ السُّلطان صلاح الدِّين الأيُّوبيَّ وابن تومرت ثُمَّ المماليك وبعدَهُمُ العُثمانيِّين حملوا النَّاس على مذهب الإمام الأشعريِّ في الأُصول والعقائد! وفاتَه أنَّ الأشاعرة قبل كُلِّ هؤُلاء كانوا أكثر عُلماء الأُمَّة المُحمَّديَّة كما لا يخفَى على طالب العلم ولكن قبَّح الله الجهل وأهله.
فابن تومرت تُوُفِّيَ سنة 524 للهجرة وتُوُفِّيَ السُّلطان صلاح الدِّين 589 للهجرة ثُمَّ نشأت دولة المماليك بعد ذلك بزمن ودولة العُثمانيِّين بعدَهُم كذلك بينما كان الإمام أبو الحسَن الأشعريُّ مِنَ السَّلف الصَّالح فقد وُلِدَ سنة 260 للهجرة وتُوُفِّيَ سنة 324 للهجرة كما قال أهل التَّاريخ في ترجمته.
ولو ذكرنا عُلماء الأشاعرة في القرن الخامس الهجريِّ أي قبل زمن ابن تومرت وصلاح الدِّين لوجدناهُم أكثر الأُمَّة كذلك فكيف لو أضفتَ الماتُريديَّة أو أهل القرن الرَّابع الهجريِّ! وعلى سبيل الاستئناس لا الاستقصاء هاك قليلًا مِن أسماء عُلماء الأشاعرة في القرن الخامس الهجريِّ:
فقد تُوُفِّيَ الباقلانيُّ 403هـ وابن فورك 406هـ وأبو نُعيم الأصبهانيُّ 430هـ والجُوينيُّ أبو مُحمَّد 438هـ وابن بطَّال 449هـ والماورديُّ 450هـ والبيهقيُّ 458هـ والقُشَيريُّ 465هـ والباجيُّ 474هـ وأبو المعالي الجُوينيُّ إمام الحرمين 478هـ وهذا غيض مِن فيضهم رضي الله عنهُم. وكان عليُّ بن الحسَن بن هبة الله وهُو الحافظ ابن عساكر إمامَ الأشاعرة في وقته وعصره وشيخ الشَّام قبل أنْ يليَها السُّلطان المُجاهد نُور الدِّين محمود بن زنكي سنة 459هـ فلمَّا بنَى السُّلطان دار الحديث النُّوريَّة وكانت أوَّل دار للحديث بُنيت في الإسلام بناها له فدرَّس بها إلى مماته.
والحافظ ابن عساكر هُو صاحب كتاب [تبيين كذب المُفتري فيما نسب إلى أبي الحسَن الأشعريِّ] وصاحب [تاريخ دمشق] ذلك الكتاب الموسوعيُّ وكان رحمه الله أكبر مُحدِّثي وحُفَّاظ الشَّام وقد تُوُفِّي سنة 571هـ أي بعد سنة واحدة مِن ولاية السُّلطان صلاح الدِّين الأيوبيِّ لدمشق.. فتأمَّل.
والخُلاصة أنَّ مذهب الأشاعرة لم ينتشر بقُوَّة السُّلطان بل عانَى عُلماء المذهب في القرن الخامس الهجريِّ الكثير مِن الوُزراء والسَّلاطين فظُلموا وسُجنوا كما في فتنة عميد المُلك الكندريِّ وزير السُّلطان (طُغرُل بك) ومَن أراد فليُراجع فتنة الكندريِّ في ترجمة الأشعريِّ في [الطَّبقات].
يقول التَّاج السُّبكيُّ في [طبقاته]: <فاتَّخذ الكندريُّ ذلك ذريعة إلى ذكر الأشعريَّة وصار يقصدُهُم بالإهانة والأذَى والمنع عن الوعظ والتَّدريس وعزلهُم عن خطابة الجامع واستعان بطائفة مِن المُعتزلة الَّذين زعموا أنَّهُم يُقلِّدون مذهب أبي حنيفة أُشربوا في قُلُوبهم فضائح القدَريَّة واتَّخذوا التَّمذهب بالمذهب الحنفيِّ سياجًا عليهم فحبَّبوا إلى السُّلطان الإزراء بمذهب الشَّافعيِّ عُمومًا وبالأشعريَّة خُصوصًا وهذه هي الفتنة الَّتي طار شررها فملأ الآفاق وطال ضررها فشمل خُراسان والشَّام والحجاز والعراق وعظُم خطبُها وبلاؤها وقام في سَبِّ أهل السُّنَّة خطيبُها وسفهاؤُها إذ أدَّى هذا الأمر إلى التَّصريح بلعن أهل السُّنَّة في الجمع وتوظيف سبِّهم على المنابر وصار لأبي الحسَن كرَّم الله وجهه بها أُسوة لعليِّ بن أبي طالب كرَّم الله وجهه في زمن بعض بني أُميَّة حيث استولت النَّواصب على المناصب واستعلَى أُولئك السُّفهاء في المجامع والمراتب> إلخ..
فكان يُطلق على الأشاعرة أهل السُّنَّة والجماعة لأنَّهُم كانوا مع الماتُريديَّة هُمُ السَّواد الأعظم ولذلك تجد بعض المُؤرِّخين في تلك الفتنة يقول: “إنَّ الكندريَّ أمر بلعن أهل السُّنَّة على المنابر” تارة وتارة يقول: “إنَّه أمر بلعن الأشعريِّ” وهذه نهاية مقالنا والله سُبحانه وتعالَى أعلم وأحكم.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website