أثارت تصريحات رئيس الوزراء المغربي سعد الدين العثماني بخصوص مدينتي سبتة ومليلة غضب الحكومة الإسبانية التي قام وزير خارجيتها باستدعاء سفيرة الرباط في مدريد للاحتجاج.
وكان الوزير المغربي قد اقترح خلال لقاء تلفزيوني له أن تتم مناقشة مسألة السيادة على هاتين المدينتين الواقعتين في المغرب والتابعتين لإسبانيا.
هذه الخطوة أعادت إلى أذهاننا الجدل بشأن التاريخ الطويل للاستعمار الإسباني وقبله البرتغالي، فما هي حكاية مدينتي سبتة ومليلة؟ وكيف سيطرت إسبانيا عليهما رغم وجودهما ضمن الأراضي المغربية؟ وما الوضع الحالي لسكانهما؟
سبتة ومليلية.. مدينتان مغربيتان تخضعان لحكم إسبانيا
بداية دعونا نتعرف على مكان مدينتي سبتة ومليلية اللتين قد يظن البعض أنهما مدينتان متجاورتان لكنهما ليستا كذلك؛ فمدينة سبتة ذات الحكم الذاتي تقع على الساحل المغربي عند مدخل البحر المتوسط على مضيق جبل طارق الذي يفصل المحيط الأطلسي عن البحر المتوسط، ومساحتها تُقدر بنحو 20 كيلومتراً مربعاً وتعداد سكانها 82 ألف نسمة، بحسب إحصائيات التعداد السكاني لعام 2011.
بينما تقع مدينة مليلية ذات الحكم الذاتي أيضاً في شرق المغرب قرب الحدود الجزائرية قبالة الساحل الجنوبي لإسبانيا، ومساحتها تُقدر بنحو 12 كيلومتراً مربعاً، وعدد سكانها يبلغ نحو 70 ألفاً.
ويمثل الموقع الجغرافي لهاتين المدينتين أهمية استراتيجية بالنسبة لإسبانيا التي تعتبرهما الحدود البرية الوحيدة التي تصلان أوروبا بإفريقيا، وبالتالي تعتقد إسبانيا أنها من خلال السيطرة عليهما بإمكانها ضبط الكثير من الأمور التي تأتي لأوروبا من كل إفريقيا مثل الهجرة غير الشرعية والتهريب، سيما أن الطرف الأوروبي من مضيق جبل طارق لا يخضع لسيطرتها، بل لسيطرة بريطانيا
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
ولكن ذلك ليس كل شيء.. فهناك أهمية أخرى للمدينتين، ولكنها تاريخية.
سبتة ومليلية تاريخياً.. كيف أصبحتا تحت السيطرة الإسبانية؟
دعونا نبدأ بمدينة سبتة، فنظراً إلى أهمية موقعها الاستراتيجي المميز، سيطر عليها الرومان عام 42م، وبقيت تحت سيطرة الرومان نحو 400 عام عندما طردتهم قبائل الفاندال الاسكندنافية، قبل أن يسيطر البيزنطيون عليها وتبعهم القوط القادمون من إسبانيا.
ومع بداية فتوحات المسلمين للأندلس كانت مدينة سبتة عصية على تلك الفتوحات، حيث استطاع حاكمها الوالي البيزنطي يوليان بحسب ماذكره موقع التاريخ الإسلامي الصمود بوجه المسلمين. لكنه غيَّر رأيه فيما بعد ولعبَ دوراً أساسياً في تشجيع المسلمين ومساعدتهم على عبور المضيق إلى الأندلس لغزو إسبانيا، لتصبح سبتة بذلك قاعدة أساسية للمسلمين بقيادة طارق بن زياد في الدخول إلى إسبانيا.
وبعد سقوط الخلافة الأموية، سادتها الفوضى حتى سيطرت عليها الدولة المرينية، واتخذوها أيضاً قاعدة للهجوم على الأندلس عام 1084.
(والمرينيون هم سلالة أمازيغية يطلق عليها أيضاً عدة أسماء أخرى مثل المريديون أو بنو عبد الحق نسبة أول سلطان لهم وهو يعقوب بن عبد الحق)
واستمر تغيّر السيادة على المدينة حتى احتلها البرتغاليون عام 1415، بقيادة الأمير هنري البحار، الذي كان يهدف إلى القضاء على نفوذ المسلمين في المنطقة، ثم أصبحت المدينة إسبانية عندما تولى الملك الإسباني فيليب الثاني عرش البرتغال عام 1580. وبعد اعتراف إسبانيا باستقلال البرتغال، تنازلت الأخيرة بمقتضى معاهدة لشبونة عام 1668 عن سبتة لإسبانيا، التي أعطت المدينة عام 1995 الحكم الذاتي بقرار من البرلمان.
ويرجع أصل اسم سبتة إلى الرومانيين الذين أطلقوا عليها اسم Septem، والذي يعني “الإخوة السبعة”، ولكن مع الوقت تغيَّر اسمها بالإسبانية إلى Ceuta.
أما بالنسبة لمليلية، فبحسب “الجزيرة.نت”، فإنه كان هناك أحد الرجال الإقطاعيين الإسبان الذين كانوا ينظمون حملات عسكرية باتجاه أمريكا، فعلم بوجود مدينة مغربية هجرها أهلها فتوجَّه نحوها واحتلها يوم 19 يوليو/تموز 1467، ثم احتفظ بها حتى سلمها سنة 1553 للتاج الإسباني، وبدورها تعرضت المدينة لنحو 105 مرات لحصار مغربي لاستردادها، لكن دون جدوى.
ويعود اسم مليلية إلى الأمازيغ الذين أطلقوا عليها اسم Tamlilt والذي يعني “الأبيض” في إشارة إلى لون أحجارها البيضاء المنتشرة في المدينة.
محاولات فاشلة لاستردادهما
بعد احتلال المدينتين حاول المغاربة مراراً وتكراراً استعادتهما من قبضة إسبانيا، فكانت أبرز تلك المحاولات في القرن السادس عشر، عندما حاصر المولى إسماعيل مدينة سبتة فترة طويلة، لكنه لم يتمكن من دخولها، وتبعه بذلك المولى محمد بن عبدالله بحصار مدينة مليلية في عام 1774، لكنه هو الآخر لم يتمكن من دخول المدينة.
وتبقى أبرز المحاولات المعاصرة هي ثورة محمد بن عبد الكريم الخطابي والحروب التي خاضها بين عامي 1921 و 1926 ضد القوات الإسبانية في شمال المغرب، خاصة معركة أنوال التي جرت في 21 يوليو/تموز 1921 حيث ألحق بالإسبان هزيمة كبيرة.
وخلال انتصاراته الكبيرة كان بإمكان الخطابي دخول مدينة مليلية لكنه لم يفعل ذلك تجنباً لما أسماه “حمام دم” كان سيحدث لو دخل المدينة، إضافة إلى أنّ الدول الأوروبية كانت ستعتبر هذه السيطرة تحولاً من مقاومة إسبانيا إلى غزوها وهو الأمر الذي قد يدفع الأوروبيين إلى التدخل ضده.
وطوال الفترة الممتدة من 1744 وحتى وقتنا الحالي قام المغاربة بحصار المدينتين مرات عدة، لكنها باءت جميعها بالفشل، في الوقت الذي عمل الإسبان على إحكام سيطرتهم عليهما.
ما الوضع الحالي لسكان المدينتين؟
بما أن مدينتي سبتة ومليلية تقعان على سواحل البحر المتوسط فإن التجارة الأهم هي قطاع الصيد البحري، ولكنه بكل تأكيد لا يفي بالغرض، لذلك يصل معدل البطالة بين المغاربة في المدينتين إلى أكثر من 30%، وهو من أعلى معدلات البطالة في إسبانيا.
كما تجذب المدينتان الآلاف من التجار والعمالة اليدوية من الأراضي المغربية الذين يعبرون الحدود يومياً من المغرب لكسب رزقهم في هذين الجيبين علاوة على المهربين الذين يأتون من المغرب لشراء البضائع من سبتة ومليلية وتهريبها إلى الأراضي المغربية، قبل أن تقوم الحكومة المغربية مؤخراً بغلق هذا الباب في وجه المدينتين بعد قرار منع “التهريب المعيشي”.
تمييز عنصري بحق سكان سبتة ومليلة المغاربة!
أما بالنسبة لحياة السكان في المدينتين خاصة أنهما ينقسمان إلى جزأين الأول هو مغربي والثاني هو إسباني، فإن هناك فئات في المدينتين مثل المغاربة المسلمين و المهاجرين وطالبي اللجوء يتعرضون لمعاملة عنصرية من قبل الحكومة.
فبحسب تقرير لجمعية مغربية معنية بما يسمى حقوق والحريّات الدينية حول وضع الأقلية المسلمة بمدينتَي سبتة ومليلية فإن السكان المغاربة محرومون من الحقّ في العمل والوصول إلى مؤسّسات التعليم العالي، كما أنهم محرومون من التملّك والإسكان، وأحياناً من بطاقة التّعريف الوطنية.
كما أن هذه الفئة محرومة من مزايا حكومية متاحَة للمواطنين الإسبانيين، مثل الوظائف الحكومية، والدعم، وبناء المساجد، والتّعليم الديني.
وذكّر المصدر ذاته بتقرير للخارجية الأمريكية في عام 2018، قال فيه دبلوماسيون إنّ الحكومة الإسبانية تعتقد أن السكّان المسلمين مصمّمون على استعادة هاتَين المدينَتَين لصالح المغرب، رغم أنّ الأمم المتّحدة لا تعترف بهما كمدينتَين محتلَّتَين.
ورغم أن نحو 40% من مواطني المدينتين ترجع أصولهم للمغرب من شرائح الأمازيغ والعرب ويندمجون في المجتمع بشكل طبيعي، فإن ذلك لم يعطهم الحق في المساواة، بل هنالك طريقة ممنهجة لإبعادهم، وقد قاموا بعدة انتفاضات أشهرها انتفاضة 1981 والتي قادها عمر دودوح بسبب أزمة قانون الجنسية الذي طُرد بموجبه 1500 من السكان.
وفي العام 1986، قررت الحكومة الاشتراكية الاسبانية التي كان يرأسها فيليبي غونزاليس تخيير السكان المغاربة في المدينتين بين الجنسية الإسبانية أو بطاقة الاقامة، وذلك في إطار قانون تنظيم إقامة الأجانب.
مستقبل سبتة ومليلية اقتصادياً بعد منع “التهريب المعيشي”
في مطلع عام 2020 قررت السلطات المغربية الإغلاق النهائي لمعبري سبتة ومليلية أمام تجار السلع المهربة، حيث تم إبلاغ السلطات الإسبانية بغلق المعبر أمام مَن تطلق عليهم “ممتهني التهريب المعيشي”.
وبحسب موقع “هسبريس” المغربي، فإن الحكومة قامت بهذه الخطوة بهدف خنق اقتصاد المدينتين، إذ ستؤثر على أصحاب المتاجر والمطاعم وسائقي سيارات الأجرة الذين يعملون مع المغاربة في تهريب البضائع من سبتة ومليلية نحو الأراضي المغربية.
في حين أعرب مسؤولون إسبان عن غضبهم من الإجراءات المغربية، التي تسببت في خسائر سيتكبدها الاقتصاد المحلي في المدينتين الخاضعتين للسيطرة الإسبانية.
إذ قال خوان فيفاس، رئيس حكومة سبتة، إن ما تعيشه المدينة الخاضعة للحكم الإسباني “خطير جداً”، وهو ما يقتضي “تدخُّل الحكومة المركزية لمدريد من أجل تدارك الأمر”.
خوان خوسي إمبرودا، رئيس الحكومة المحلية لمدينة مليلية، قال إنه “في حالة استمرار قرار إغلاق الجمارك البرية المفتوحة منذ 50 سنة بطلب مغربي، ستتكبد المدينة خسائر بالملايين”.
واعتبر المسؤول الإسباني، في تصريحات نقلتها وسائل الإعلام الإسبانية، أن “المدينة لا يمكن أن تصمد أمام الوضع الذي تعيشه المنطقة على المستوى الحدودي”.
تقارير إسبانية سبق أن تحدثت عن أن قيمة المعاملات التجارية للتهريب المعيشي تبلغ بمدينة مليلية وحدها أكثر من مليارَي يورو (2.2 مليار دولار).
وأعلنت حكومة سبتة أنها تعتبر معبر سبتة حدوداً أوروبية تخضع لاتفاقية “شينغن” للاتحاد الأوروبي، وبالتالي يجب منع كل من لا يمتلك تأشيرة المرور من خلال المعبر من الأراضي المغربية نحو سبتة.
المصدر: عربي بوست + الجزيرة نت