بينما كان بنيامين نتنياهو يخوض صراعه لتشكيل الحكومة، اتهمه ليبرمان بأنّه مثل مدّعي النبوة شبتاي تسفي. وبعيدًا عن هذه التصريحات فإنّ شبتاي تسفي هذا هو أحد أهمّ الشخصيات في التاريخ اليهودي، إذ شاعت سيرته بين الأقطار الأوروبية والإسلامية على السواء، إلى أن وصل إلى نهايته أمام السلطان العثماني محمد الرابع.
تعالوا نتعرّف معًا إلى قصة هذا الرجل المثير غريب الأطوار.
في شوارع إزمير.. يهودي في أراضي الدولة العثمانية
كانت الدولة العثمانية في تلك الفترة من القرن السابع عشر، في بدايات ضعفها، وإن لم تَعدم رجالًا مثل محمد باشا الكوبريلي، صاحب مقام “الصدر الأعظم” الذي أنقذ الدولة العثمانية من الشتات والضعف. كانت الدولة العثمانية قد دخلت مرحلة سيطرة بعض نساء القصر على السلطان، وكذلك تزايد نفوذ الجنود الانكشارية الذين هددوا السلطان مرارًا.
تولى السلطان محمد الرابع السلطنة عام 1948، وقد كان طفلًا صغيرًا وسيطرت جدته كوسم سلطان على مقاليد السلطنة، ولكن بعد وفاتها اهتدت والدته ترخان خديجة سلطان إلى رجلٍ متمكِّن اسمه محمد باشا الكوبريلي، الذي عيّنته صدرًا أعظمًا، فاستطاع تقليل نفوذ الانكشارية وأعاد للدولة العثمانية هيبتها على الساحة العالميّة.
في هذه الأجواء كانت مدينة سميرنا (أو إزمير كما تعرف حالياً) مدينةً عالميّةً، فيها تجّار من كلّ أصقاع الأرض، يونانيون وإيطاليون وفرنسيون وهولنديون وبريطانيون وأتراك وعرب مسلمون، فقد كانت إحدى أهمّ المدن الساحلية على البحر المتوسِّط.
وفي هذه الأجواء العالميّة تعايش داخل الدولة العثمانية كل الأعراق وأغلب الطوائف، وفي إزمير تحديدًا كان هناك مجتمع يهودي كبير، باعتبارهم مرتبطين دومًا بالتجارة بشكلٍ كبير.
ووفقًا لما ذكره الدكتور عبد الوهاب المسيري في موسوعةٍ له عن الصهاينة، فقد ولد شبتاي تسفي في إزمير في هذه الأجواء، بينما كانت العديد من الأفكار اليهودية “الباطنية” قد تبلورت في ذلك الزمن. حتّى إنّ بعض الشائعات قد بدأت تتناثر هنا وهناك عن جيشٍ يهوديّ بدأ يتأسّسُ في شبه الجزيرة العربية من اليهود، منطلقًا للسيطرة على فلسطين!
وفي تلك الأجواء العجيبة المنتشرة في محيط المجتمع اليهودي في أوروبا وفي أراضي الدولة العثمانية أيضًا، ظهر هذا الشخص الغريب تحت اسم شبتاي تسفي، والذي كان خليطًا من رجلٍ عجيب لديه أفكار غريبة ولديه في نفس الوقت كاريزما قوية جدًّا ومؤثرة على أتابعه، الذي أصبحوا عشرات الآلاف حول العالم!
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
شبتاي تسفي.. مُدعيًا أنَّه المسيح الجديد وابن الإله ومتزوِّج من التوراة!
كان شبتاي تسفي قد تعلّم في طفولته في التوراة المُحرّف فتمكّن بدينِهم وذلك رغبةً من أُمِّه. بالرغم من أنّ والده كان تاجرًا كبيرًا هو وإخوته، فإنّه قرر أن يكتشفَ لنفسهِ حالةً أخرى أكثر تأثيرًا وقوةً في المجتمعات وفي التاريخ. خرق شبتاي تسفي تعاليم الدين اليهودي مرارًا في البداية، وكانت النهاية عندما أعلن نفسه عام 1648 مسيحًا سيخلِّص البشرية من آلامها.
أعلن شبتاي بطلان سائر النواميس والشريعة المكتوبة والشفوية اليهودية، وطلب أن تُزفَّ إليه التوراة باعتباره متزوجًا منها فقط، لأنّها “عروس الإله” كما ذكر. وبدأ شبتاي تسفي رحلاته فسافر إلى القاهرة وفلسطين واليونان وغيرها.
لكنّ قصّة زواجه الحقيقية -بعيدًا عن زواجه العجيب من التوراة- كانت مثيرة أيضًا، وتكشف تعقيدات رهيبة داخل شخصية ونفسية هذا المُدّعي بأنّه “المسيح”. فقد تعرّف شبتاي على فتاةٍ اسمها سارة، اشتهرَت بأنّها كانت سيئة السمعة، وكانت تقول: “إنّها ستتزوّج فقط من المسيح، ولهذا فإنّ الإله أعطاها رخصة بأن تعاشر من تريده من الرجال، إلى أن يظهر “المسيح” ويتزوجها”، وهكذا تزوّجها شبتاي تسفي.
شبتاي تسفي “يعلن الحرب” على الخليفة العثماني!
كان شبتاي كثير الاغتسال والتعطُّر، وكان ذا كاريزما قوية جدًّا، وكان فجأةً يظهر في حالة نشاطٍ بالغة، ثمّ يعود للانقباض والانعزال فجأة. تطوّر موقف شبتاي تسفي وأصبح له مريدون عبر العالم. وركب فرسًا في القدس عام 1665، وأعلن أنّه المتصرِّف الوحيد في مصير العالم كلّه.
الجدير بالذكر أنّ الحاخامات التقليديين في القدس قد طردوه منها، بل إنّ أحد أشهر حاخامات مدينته إزمير رفض دعواه وكذّبه أيضًا. وفي عام 1666 أعلن شبتاي تسفي عن معركته المهمة الوحيدة: أنّه سيذهب إلى إسطنبول ليخلع السلطان العثماني محمد الرابع.
زاد حماس يهود أوروبا من هذا الإعلان، بل وضغطوا على كبار تجّار اليهود، وبعضهم باع كلّ ما يملك استعدادًا للعودة إلى “فلسطين”. واستأجروا سفنًا لتنقل الفقراء اليهود من أوروبا إلى فلسطين، واعتقد البعض الآخر أنّهم سيعودون إلى القدس يحملهم السحاب. وفق ما ينقل لنا الدكتور عبد الوهاب المسيري في موسوعته عن اليهود.
وقد بدأ شبتاي تسفي بتوزيع الممالك على أتباعه الرئيسيين الـ38. ورغم كلّ ذلك فإنّ بعض الجماعات اليهودية اعتبرت أنّ شبتاي وأتباعه كفّار، (باللغة العبرية: كوفريم).
كان شبتاي يوقِّع رسائله بهذه التوقيعات الغريبة: “أبوكم يسرائيل” و “ابن الإله البكر” و”أنا الرب إلهكم شبتاي تسفي” – والعياذ بالله من ذلك.
وفي هذه الأثناء، وبعدما ازدادت حركة شبتاي تسفي انتشارًا في أرجاء الدولة الإسلاميّة، تحرّكت السلطات العثمانية فاستدعته إلى إسطنبول مباشرةً، وسجنتهُ في سجن قلعة غاليبولي المخصَّص للشخصيات المهمة.
تحوّل السجن إلى قصر لشبتاي، فأتباعه من كل العالم كانوا يزورونه، وهو من ناحيته أعلن أعيادًا وطقوسًا جديدة لليهود، وألغى بعض الطقوس التقليدية في الدين اليهودي.
في نفس العام 1666، جاءه أكبر حاخام بولندي في السجن، وناقشه طيلة 3 أيام في أفكاره، وفي النهاية خرج بنتيجة أنّ شبتاي ليس مسيحيًّا، وأخبر السلطات العثمانية بأنّه يحرِّض على الفتنة، وهنا أقيمت له محاكمة في حضرة السلطان.
كان شبتاي لا يُتقن اللغة التركية، فكان يترجم لهما طبيب السلطان الذي كان يهوديًّا سابقًا، ويتقن التركية والإسبانية، وبينما كانت المحاكمة تسير في ناحية إدانة شبتاي تسفي، وبالتالي قتله، اقترح عليه أن يعلن إسلامه، وهكذا نجا من سيف الجلّاد وأسلم، وعُرف باسم عزيز محمد أفندي.
أسلمت زوجته سارة من بعده، وكذلك الكثيرون من أتباعه، وأصبح أتباعه معروفين بإعلانهم الإسلام ظاهرًا أمام الناس بينما هم يهود باطنًا، وأطلق عليهم اسم “دونمة”، أي ما يعني “العائدون عن دينهم”، وأصبحوا يعرفون لاحقًا باسم يهود الدونمة، الذين ينسب لهم دورٌ كبير في تشكّل بعض الأفكار والتنظيمات التي ساهمت في إسقاط الدولة العثمانية في بدايات القرن العشرين.
وهكذا انتهت قصّة شبتاي تسفي، أو محمد عزيز أفندي، وقد توفي عام 1675 في ألبانيا.
المصدر: عربي بوست (بتصرّف)