كان أول فتح لمدينة أنطاكية (تتبع حالياً تركيا) في عهد الخلافة الراشدة، تحديداً في زمن سيدنا عمر بن الخطاب، عندما فتحها المسلمون عقب معركة اليرموك بقيادة أبي عبيدة بن الجراح، فكانت من أوليات المُدن التي دخلت الإسلام بشكل مبكر، وبقيت كذلك حتّى سقطت في أيدي الصليبيين سنة 491 للهجرة.
أهمية أنطاكية لدى الصليبيين!
أنطاكية هي مدينة كبيرة تقع غربي مدينة حلب قرب مصب نهر العاصي بالبحر المتوسط، وكانت تعادل مدينة قسطنطينية من حيث المساحة والثراء.
كان لأنطاكية أهمية بالغة لدى الصليبيين، بحكم موقعها الواصل بين بلاد الشام وبلاد الروم، إضافة إلى أهميتها الدينية لاحتوائها على كنيسة القديس بطرس التي تُعَدُّ من أقدم الكنائس المسيحية التي تتكون من كهف منحوت بالجبل.
كما تشتهر مدينة أنطاكية بأنها من المدن المقدسة لدى العالم المسيحي؛ إذ إن لأنطاكية أهمية كبيرة لدى المسيحيين في الشرق.
كما أنّ طوائف السريان الأرثوذكس والروم الأرثوذكس والسريان الكاثوليك والروم الكاثوليك والسريان الموارنة، جميعها تطلق بطاركتها اسم “بطريرك أنطاكية”، إضافة إلى أنّه في أنطاكية أطلق على المسيحيين لقب مسيحيين أول مرة.
عندما أعاد الصليبيون السيطرة على أنطاكية في عام 1098، بعد الحملة الصليبية الأولى، أزالوا فيها كل الآثار الإسلامية التي بها، حتى إنهم حولوا مساجدها إلى كنائس.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
كما أنهم اهتموا بتحصينها بشكل جيد من خلال بناء سور طوله نحو 12 كيلومتراً، يحتوي على 136 برجاً داخلها 24 ألف شرفة، وهو ما جعلها حصينة بشكل كبير على استعادة المسلمين لها حتى جاء الظاهر بيبرس.
حصار أنطاكية من قبل الظاهر بيبرس
بعد مقتل السلطان سيف الدين قطز، اتفق أمراء المماليك على اختيار الظاهر بيبرس سلطاناً على مصر في العام 1260، والذي بدأ على الفور في إرساء الاستقرار في بلاد مصر والشام التي عُين عليها، كما عمل على تقوية الجيش ومده بالسلاح وتحصين مناطق حدوده.
وعندما رأى الظاهر بيبرس أن الأمور باتت مستقرة، بدأ يفكر في مواجهة الصليبيين لاسترجاع البلاد الإسلامية، فبدأ بفتح المدن واحدة تلو الأخرى.
ففتح قيسارية وأرسوف وصفد، ثم أخذ الكرك ويافا وتلتها طرابلس، ثم فتح حصن الأكراد قرب حمص، وبذلك بات طريقه ممهداً نحو مدينة أنطاكية.
بعد ذلك وصل الظاهر بيبرس وجيوشه إلى مدينة أنطاكية في رمضان العام 666 هجرية، 1268 ميلادية، وقد كانت المدينة في ذلك الوقت مُستعمرة من قبل الصليبيين منذ نحو 170 عاماً.
وهناك استطاع بيبرس عزل أنطاكية عن بقية المدن وقطع كل الإمدادات عنها، من خلال تقسيم جيوشه إلى 3 فرق وزعها حول المدينة ليحكم حصارها ويمنع وصول المدد إليها من البر والبحر.
حاول بيبرس أن يفتح المدينة بشكل سلمي، لكن محاولاته باءت بالفشل بسبب رفض الصليبيين، فشنَّ الظاهر هجوماً على المدينة كان في اليوم الرابع من رمضان 1268، من خلال تسلق قواته أسوار المدينة، وتمكنوا من فتحها في اليوم التالي، إذ لم يستطِع الصليبيون المقاومة، بسبب شدة الحصار وقوة المهاجمين، وبذلك عادت أنطاكية إلى أيدي المسلمين من جديد.
ماذا قال المؤرخون عن فتح أنطاكية؟
وعن فتح أنطاكية قال المؤرخ خاشع المعاضيدي في كتابه “تأريخ الوطن العربي والغزو الصليبي”: “وقد كان سقوط تلك الإمارة الصليبية حدثاً مهماً في تاريخ الحروب الصليبية، فقد انقطعت صلة الصليبيين في طرابلس وعكا بأرمينيا الصغرى، وبذلك غدت مصالح الصليبيين في الشام مهددة بشكل مباشر، ولم يبقَ أمامهم سوى مملكة قبرص الصليبية”.
أما الكاتب محمود الشلبي فقد قال في كتابه “حياة الملك الظاهر بيبرس”: “في يوم السبت رابع رمضان المعظم زحفت العساكر، وأطافت بالمدينة والقلعة، وقاتل أهلها قتالاً شديداً ذريعاً، وجاهدهم المسلمون جهاداً عظيماً، واجتمع نحو القلعة منهم نحو 8 آلاف منهم، وكان بها مئة ألف أو يزيدون”.
في حين قال الفقيه والأديب والقاضي السوري علي الطنطاوي في كتابه “رجال من التاريخ” واصفاً الظاهر بيبرس: “أخذ البلاد وهي أوصال مقطعة، تحكمها حكومات فاسدة شريرة، ويعيث العدو فيها، ويملك أطرافها، وتركها وهي حكومة واحدة قوية، تشمل سوريا ومصر والنوبة والحجاز وأطراف العراق، وكان يطمع في أكثر من ذلك، في أن يعيد توحيد البلاد الإسلامية كلها”.