في عام 1490 رأى أبو عبدالله الصغير ملك غرناطة – آخر مدن الأندلس الإسلامية – ما تبقّى من جيوش المسلمين تتجمّع تحت قيادته في الوقت الذي ترك فيه بعض المسلمين الإسلام خوفاً من بطش الجيوش الإسبانية فكان القرار الأول للملك هو: الحرب ضد جيوش النصارى.
كان هناك قائد مسلم يدعى موسى بن أبي غسان، والذي كان سليل إحدى الأسر العربية العريقة التي لها صلة بعائلة ملك غرناطة؛ ولذلك كان يلقب بالأمير موسى بن أبي غسان، والذي كان في هذه الفترة قائد الفرسان، آخر الفرسان قبل سقوط الأندلس.
في الأيام الأخيرة قبل السقوط، كان موسى بن أبي غسان قد أخذ يسترجع بعض الأراضي المنهوبة التي استولى عليها الإسبان. وبسبب تحركاته تلك امتلأت قلوب المسلمين فرحاً بعد استرجاع بعض من أراضيهم من حكام مملكتي قشتالة وليون الإسبانيتين. حتَّى قرَّر الملك فرديناندو وزوجته الملكة إيزابيلا حصار غرناطة، الحصار النهائي.
الحصار ومقاومة موسى بن أبي غسان وفرسانه
حاصر الإسبان غرناطة حصاراً شديداً حتى أغلقت المدينة أبوابها واحتمت بأسوارها العالية من الجيش الإسباني الذي عزم على ألا يرجع حتى يسيطر على غرناطة وينهي الوجود الإسلامي في الأندلس كاملاً. عمل ابن أبي غسان في تلك الفترة على تقوية فرسان غرناطة، ثم قاد بعض السرايا ليهاجم الحصار المفروض على المدينة هجماتٍ ارتدادية سريعة، رافضاً طلب الإسبان تسليم المدينة.
اعتقد ابن أبي غسان أن شباب غرناطة كفيلون بمقاومة جيوش قشتالة، فقد كان يقدِّر عددهم بحوالي 20 ألف شاب من الشباب الأقوياء، وسرعان ما بثّ فيهم الحماس فتحصَّنوا للدفاع عن مدينتهم حتى آخر رمق، فراجع ملك غرناطة نفسه، فقد كان يفكر بتسليم المدينة، ورفض تسليم المدينة، فرد فرناندو بزيادة الحصار.
وكَّلَ الملك حماية المدينة لموسى الذي أخذ يوزع الفرسان كل مجموعة على أبواب المدينة، وكان يهاجم جيش الإسبان على حين غرّة، تفتح الأبواب كلها في وقتٍ واحد ليخترق فرسان المسلمين الجيش المحاصِر في ضرباتٍ سريعة، ثم يعودون مرة أخرى للمدينة ويغلقون أبوابها فكانت الهجمات متتالية وعنيفة وقد أرهقت جيش النصارى حتى إن قائدهم أمر بعدم الرد على الهجمات حتى لا ينجر الجيش في معارك جانبية ترهق قوته وتشغله عن الهدف الأساسي وهجومهم الكبير.
في نفس الوقت، كان الفرسان بقيادة ابن أبي غسان يقومون بالهجوم على القلاع التي يسيطر عليها الإسبان، في هجماتٍ متفرقة.
قام فرديناندو بتشديد الحصار وأتلف الحقول المجاورة لغرناطة، وكان موسى يقود الجنود في هذه المعارك المتفرقة التي سترهق الإسبان لكنّها لن تهزمهم، وهكذا بدأ هذا الشعور يتسرّب للجنود أنفسهم.
الهزيمة تكمن في سقوط العزيمة
وفقاً لما ذكره المؤرخ محمد عبدالله عنان في موسوعته دولة الإسلام في الأندلس، فقد شدد فرديناندو الحصار على المدينة، وقطع كل علاقاتها بالخارج وبدد آمالها الضعيفة لوصول أي مدد.
واصفاً هذا المشهد، استدل الكاتب الأمريكي واشنطن إيرفنج في كتابه أخبار سقوط غرناطة بكلام السفير الفرنسي حينها الذي شهد على ما فعله المسلمون في الدفاع عن مدينتهم: “إن هذه الحرب في الحقيقة هي ذكريات التاريخ الذي لا يُنسى، جيش يُقَتَّل فرسانه ويُقاد الكثير منه إلى الأسر، ومع ذلك! ظل الجيش يدافع عن كل مدينة وحصن بل كل صخرة وكأنها مسكونة بروح شهدائهم. كانوا يضحّون من أجل بلادهم الحبيبة، والآن وقد عُزلت عاصمتهم عن كل المساعدات الإسلامية وتجمعت أمم أوروبا أمام بابها، ولكن لم ييأس المسلمون من القتال وكأنهم ينتظرون معجزة من الله”.
لتحميل كتاب أخبار سقوط غرناطة اضغط هنا
صمدت المدينة شهوراً، ولكن مع اقتراب الشتاء واستمرار الحصار بإحكام، تعالت الأصوات في قصر الحمراء بضرورة تسليم المدينة لبدء نفاد المؤن، ولكن ابن أبي غسان بثَّ روح المقاومة من جديد ورفض التسليم، فهاجم جيش الإسبان أسوار المدينة، فخرج بن أبي غسان مع جنوده ولكن سرعان ما تشتَّت جيشه ولم يستطع لم شمله، فارتدوا إلى المدينة وأغلقوا أبوابها في يأس وجزع وقد تمكن منهم الجوع والمرض فتغلب الرأي القائل بتسليم المدينة.
المشهد النهائي: ابن أبي غسان يرفض التسليم
كان الخيار بين أمرين كلاهما مر، إما الموت أو تسليم المدينة، فكان الرأي الغالب بعد هذا اليأس المتكامل هو التسليم، إلا رجلاً واحداً تقريباً هو موسى بن أبي غسان.
احتج ابن أبي غسان واعترض على هذا الرأي، مستشهداً بأنّ الجيش الإسباني لن يحافظ على شروط الصلح كما فعل مع غيرهم من ممالك الأندلس. لكنّ صوته لم يعد مسموعاً بعد الآن، فالحصار الخانق جعل الجميع يفكر في التسليم.
وقد حفظت لنا كتب التاريخ مقولة لا نعرف هل قالها حقاً أم قالتها الروايات التاريخية التي حكت قصته على لسانه: ليعلم ملك النصارى أن العربي قد ولد للجواد والرمح فإذا طمحوا إلى سيوفنا فليسلبوها غاليه، أما أنا فخير لي قبرٌ تحت أنقاض غرناطة في المكان الذي اموت فيه دفاعاً عنه.
قرر موسى بعدما أصبح هو وحده المخالف لرأي التسليم أن يواجه قراره وحده. خرج من قصر الحمراء (قصر الملك) غضبان، توجه إلى داره، ولبس لباس الحرب وركب فرسه واتجه الى باب البيرية (أحد أبواب المدينة)، ولم يره أحدٌ بعدها أبداً. ولا يعرف أحدٌ مصيره.
ولكن طبقاً لما رواه المؤرخ محمد سهيل طقوش في كتابه تاريخ المسلمين في الأندلس فإن المؤرخ الإسباني والقس “أنطونيو” الذي عاش في ذلك الوقت، قال إنّ فارساً مسلماً ملثماً قاوم سرية قوامها 20 جندياً من فرسان النصارى. كان مدججاً بالسلاح فطلبوا منه أن يقف، فلم يستجب لهم. توجّه لأحدهم وطعنه فأرداه قتيلاً ثم توجّه للآخرين يطعنهم يميناً ويساراً، فقتل بعضهم قبل أن يُصاب إصابةً بالغة، فعرفوا أن هذا الفارس الملثّم هو موسى بن أبي غسان من شكل جواده.
لتحميل كتاب تاريخ المسلمين في الأندلس لمحمد سهيل طقوش اضغط هنا
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website