الفصل الثالث
بيان شذوذ الألباني في مسألةالتأويل
تهجّم الألباني على علماء الخلف وجمعٍ من علماء السلفلتأويلهم ما تشابه من ءايات القرءان والحديث، فقال ما نصه [1]: “ونحن نعتقد أنكثيرًا من المؤولة ليسوا زنادقة لكن في الحقيقة أنهم يقولون قول الزنادقة” اهـ،وقال [2]: “التأويل هو عين التعطيل” اهـ.
فنقول: علماء السلف والخلف أوَّلوافأنت يا ألباني لست مع السلف ولا مع الخلف، فهذا كأنه اعتراف منك بالخروج من الملة،أليس أوَّلتَ أنت وجماعتك المشبهة قوله تعالى: {وللهِ المشرقُ والمغربُ فأينما تُوَلُّوا فثمَّ وجهُ الله} [سورة البقرة/115] فهذه الآية ظاهرها أن الله محيط بالأرض بحيثيكون المصلي متوجهًا إلى ذات الله، أليس أنت وجماعتك أولتم قوله تعالى حكاية عنإبراهيم {إني ذاهبٌ إلى ربي} [سورة الصافات/99] أليس إبراهيم كان في العراق وذهب إلى فلسطين،أليس أولتم هذه الآية ولم تأخذوا بظاهرها الذي يوهم أن الله متحيز في أرض فلسطين،وأين أنت يا ألباني وجماعتك من حديث مسلم [3]: “ما تصدق أحدٌ بصدقة من طيّب، ولايقبل الله إلا الطيب، إلا أخذها الرحمن بيمينه وإن كانت تمرةً فتربو في كف الرحمن” أليس ظاهر هذا الحديث أن المتصدق إذا تصدق وقعت صدقته في يد الله أليس أولتم هذا؟؟؟أم حملتموه على الظاهر فتكونون جعلتم يد الله تحت يد المتصدق.
فإن قلتم: هذاالحديث والآيات التي ظواهرها أن الله في غير جهة فوق نؤولها وأما الآيات التيظواهرها أنه متحيز في جهة فوق نعتقدها ولا نؤولها قلنا: هذا تحكُّم أي دعوى بلادليل، بل الدليل العقلي والنقلي يدلان على وجوب ترك حمل هذه الآيات وما كان على نحوهذا الحديث على ظواهرها وإلا لتناقضت هذه الآيات مع قوله تعالى: {ليس كمثله شئ} والقرءان منزه عن التناقض، والذي أوقعكم في هذا هو أنكم لا تؤمنون بوجود موجود ليسفي جهة ومكان وليس حجمًا مخصوصًا فمن أين يصح لكم معرفة الله وأنتم على هذهالحال.
أما نحن أهل السنة والجماعة فقد أوّلنا هذه وهذه، فنحن نوفق بينءاية: {ليس كمثله شئ} وبين تلك الآيات، فإن الآيات والأحاديث منها ما هو محكم ومنهاما هو متشابه ونحن رددنا المتشابه بقسميه القسم الذي يدل ظاهره أن الله متحيز فيجهة فوق والقسم الذي يدل على أنه متحيز في جهة تحت إلى الآيات المحكمة كقوله تعالى: {ليس كمثله شئ} [سورة الشورى/11].
وأما حديث: “كان الله ولم يكن شئغيره” فهو دال دلالة صريحة على أن الله موجود بلا مكان لأن المكان غير الله. فتبينأن مذهبكم التحكم، ومذهب أهل السنة الاعتدال، وليس مذهبنا التعطيل بل أنتم عطلتمقسمًا من الآيات والأحاديث جعلتموها وراء ظهوركم كأنكم لم تسمعوها أوتروها.
فالحاصل أن المتشابه من الكتاب والسنة قسمان قسم يوهم ظاهره أن اللهفي جهة فوق متحيز وأن له أعضاء وحركة وسكون، وقسم ظاهره أن الله متحيز في جهة تحت،فعمدَ أهل السنة إلى تأويل القسمين وردّهما إلى الآيات المحكمة كقوله تعالى: {ليس كمثله شئ}،وقوله: {ولم يكن لهُ كفُوًاأحد} [سورة الإخلاص/4] عملاً بقول الله تعالى: {هوَ الذي أنزلَ عليكَ الكتابَ منهُ ءاياتٌمحكماتٌ هُنَّ أمُّ الكتاب وأُخَرُ مُتشابهات} [سورةءال عمران/7]، لما وصف سبحانه المحكمات بأنها أم الكتاب رددنا القسمين من المتشابهإلى المحكمات وهنّ أم الكتاب أي أصل الكتاب.
أما أنت يا ألباني وطائفتكالمشبهة حملتم قسمًا من المتشابه على الظاهر وألغيتم القسم الآخر فكأنكم جعلتمالقسم الآخر ما لا يلتفت إليه والقرءان كله حق وصحيح، ثم إنكم جعلتم لله أعضاءوحدًّا ومقدارًا حملاً للآيات التي ظواهرها ذلك على الظاهر فجعلتم لله أمثالاًوخالفتم قوله تعالى: {وكلُّ شئٍ عندهُبمقدار} [سورة الرعد/8] والعالم لطيفه وكثيفه لهمقدار فجعلتم الخالق مثل خلقه، فالعرش له مقدار أي حد يعلمه الله والشمس لها مقدارأي حد يعلمه الله والنور والظلام له مقدار يعلمه الله، وجعلتم أنتم الله مقدارًافقلتم الله بقدر العرش، وقال بعضكم ليس بقدر العرش بل بقدر بعض العرش، فأهل السنةالمباينون لكم هم الأمة هم مئات الملايين اليوم وهم الأشاعرة والماتريدية، وأماأنتم معشر المشبهة شرذمة قليلة لا تتجاوزون نحو مليون.
والآيات المحكمة:هي ما لا يحتمل من التأويل بحسب وضع اللغة إلاوجهًا واحدًا، أو ما عُرف بوضوح المعنى المراد منه كقوله تعالى: {ليسَ كمثلهِ شئ} [سورة الشورى/11]، وقوله: {ولم يكُنْ لهُ كُفُوًا أحد} [سورةالإخلاص/4]، وقوله: {هل تعلمُ لهُسميًّا} [سورة مريم/65].
وأما المتشابه:فهو ما لم تتضح دلالته، أو يحتمل أكثر من وجهواحتيجَ إلى النظر لحمله على الوجه المطابق، كقوله تعالى: {الرحمنُ على العرشِ استوى} [سورة طه/5].
وأما قوله تعالى: {والراسخونَ في العلمِ} [سورة ءال عمران/7] يحتمل أن يكون ابتداءً، ويحتمل أن يكونمعطوفًا على لفظ الجلالة، فعلى الأول المراد بالمتشابه ما استأثر الله بعلمه كوجبةالقيامة وخروج الدجال ونحو ذلك، فإنه لا يعلم متى وقوع ذلك أحد إلا الله، وعلىالثاني: المراد بالمتشابه ما لم يتضح دلالته من الآيات أو يحتمل أوجهًا عديدة منحيث اللغة مع الحاجة إلى إعمال الفكر ليحمل على الوجه المطابق كآية: {الرحمنُ على العرشِ استوى} [سورة طه/5]، فعلى هذا القول يكون الراسخون في العلم داخلين فيالاستثناء، ويؤيد هذا ما رواه مجاهد عن ابن عباس أنه قال: “أنا ممن يعلم تأويله” [4].
قال القشيري في التذكرة الشرقية [5]: “وأما قول الله عز وجل: {وما يعلمُ تأويلهُ إلا الله} [سورة ءال عمران/7] إنما يريد به وقت قيام الساعة، فإن المشركينسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة أيان مرساها ومتى وقوعها، فالمتشابهإشارة إلى علم الغيب، فليس يعلم عواقب الأمور إلا الله عز وجل ولهذا قال: {هلْ ينظرونَ إلا تأويلهُ يومَ يأتيتأويلُهُ} [سورة الأعراف/53] أي هل ينظرون إلا قيامالساعة. وكيف يسوغ لقائل أن يقول في كتاب الله تعالى ما لا سبيل لمخلوق إلى معرفتهولا يعلم تأويله إلى الله، أليس هذا من أعظم القدح في النبوات، وأن النبي صلى اللهعليه وسلم ما عرف تأويل ما ورد في صفات الله تعالى ودعا الخلق إلى علم ما لا يعلم،أليس الله يقول: {بلسانٍ عربيٍّمبين} [سورة الشعراء/195] فإذًا على زعمهم يجب أنيقولوا كذب حيث قال: {بلسانٍ عربيمبين} إذ لم يكن معلومًا عندهم، وإلا فأين هذاالبيان، وإذا كان بلغة العرب فكيف يدعى أنه مما لا تعلمه العرب لما كان ذلك الشئعربيًّا، فما قول في مقال مآله إلى تكذيب الرب سبحانه.
ثم كان النبي صلىالله عليه وسلم يدعو الناس إلى عبادة الله تعالى، فلو كان في كلامه وفيما يلقيه إلىأمته شئ لا يعلم تأويله إلا الله تعالى، لكان للقوم أن يقولوا بيّن لنا أولاً منتدعونا إليه وما الذي تقول، فإن الإيمان بما لا يعلم أصله غيرُ مُتأتٍّ، ونسبةالنبي صلى الله عليه وسلم إلى أنه دعا إلى رب موصوف بصفات لا تعقل أمر عظيم لايتخيله مسلم، فإن الجهل بالصفات يؤدي إلى الجهل بالموصوف، والغرض أن يستبين من معهمُسكَةٌ من العقل أن قول من يقول: “استواؤه صفة ذاتية لا يعقل معناها، واليد صفةذاتية لا يعقل معناها، والقدم صفة ذاتية لا يعقل معناها” تمويه ضمنه تكييف وتشبيهودعاء إلى الجهل، وقد وضح الحق لذي عينين، وليت شعري هذا الذي ينكر التأويل يطَّردهذا الإنكار في كل شئ وفي كل ءاية أم يقنع بترك التأويل في صفات الله تعالى، فإنامتنع من التأويل أصلاً فقد أبطل الشريعة والعلوم، إذ ما من ءاية وخبر إلا ويحتاجإلى تأويل وتصرف في الكلام إلا ما كان نحو قوله تعالى: {وخلقَ كل شئٍ وهوَ بكلِّ شئٍ عليم} [سورة الأنعام/101] لأن ثَمَّ أشياء لا بد من تأويلها لا خلافبين العقلاء فيه إلا الملحدة الذين قصدهم التعطيل للشرائع، والاعتقاد لهذا يؤدي إلىإبطال ما هو عليه من التمسك بالشرع بزعمه. وإن قال: يجوز التأويل على الجملة إلافيما يتعلق بالله وبصفاته فلا تأويل فيه، فهذا يتعلق بالصانع وصفاته يجب التقاصيعنه، وهذا لا يرضى به مسلم، وسرُّ الأمر أن هؤلاء الذين يمتنعون عن التأويل معتقدونحقيقة التشبيه غير أنهم يُدلّسون ويقولون: له يد لا كالأيدي وقدم لا كالأقدامواستواء بالذات لا كما نعقل فيما بيننا. فليقل المحقق: هذا كلام من استبيان [6]،قولكم نجري الأمر على الظاهر ولا يعقل معناه تناقض، إن أجريت على الظاهر فظاهرالسياق في قوله تعالى: {يومَ يُكشفُ عنساقٍ} [سورة القلم/42] هو العضو المشتمل على الجلدواللحم والعظم والعصب والمخ، فإن أخذت بهذا الظاهر والتزمت بالإقرار بهذه الأعضاءفهو الكفر، وإن لم يمكنك الأخذ بها فأين الأخذ بالظاهر، ألست قد تركت الظاهر وعلمتتقدس الرب تعالى عما يوهم الظاهر، فكيف يكون أخذًا بالظاهر؟ وإن قال الخصم: هذهالظواهر لا معنى لها أصلاً، فهو حكم بأنها ملغاة، وما كان في إبلاغها إلينا فائدةوهي هدر وهذا محال. وفي لغة العرب ما شئت من التجوز والتوسع في الخطاب، وكانوايعرفون موارد الكلام ويفهمون المقاصد، فمن تجافى عن التأويل فلذلك لقلة فهمهبالعربية، ومن أحاط بطرق من العربية هان عليه مدرك الحقائق، وقد قيل: {وما يعلمُ تأويلهُ إلا اللهُ والراسخونَ فيالعلمِ} [سورة ءال عمران/7]: فكأنه قال: والراسخونفي العلم أيضًا يعلمونه ويقولون ءامنا به. فإن الإيمان بالشئ إنما يتصور بعد العلم،أما ما لا يعلم فالإيمان به غير متأت، ولهذا قال ابن عباس: “أنا من الراسخين فيالعلم” اهـ.
فتبين أن قول من يقول إن التأويل غير جائز خبط وجهل، وهو محجوجبقوله صلى الله عليه وسلم لابن عباس: “اللهم علمه الحكمة وتأويل الكتاب” [7].
هذا وقد شدد الحافظ ابن الجوزي الفقيه الحنبلي –وهو حرب على حنابلةالمجسمة وما أكثرهم- في كتابه “المجالس” النكيرَ والتشنيع على من يمنع التأويل ووسعالقول في ذلك، فمما ورد فيه [8]: “وكيف يمكن أن يقال إن السلف ما استعملوا التأويلوقد ورد في الصحيح عن سيد الكونين صلى الله عليه وسلم أنه قدم له ابن عباس وَضوءهفقال: “من فعل هذا” فقال: قلت: أنا يا رسول الله، فقال: “اللهم فقّهه في الدينوعلمه التأويل”، فلا يخلو إما أن يكون الرسول أراد أن يدعو له أو عليه، فلا بد أنتقول أراد الدعاء له لا دعاءً عليه، ولو كان التأويل محظورًا لكان هذا دعاءً عليهلا له. ثم أقول: لا يخلو إنا أن تقول: إن دعاء الرسول ليس مستجابًا فليس بصحيح، وإنقلت: إنه مستجاب فقد تركت مذهبك وبطل قولك: إنهم ما كانوا يقولون بالتأويل، وكيفوالله يقول: {وما يعلمُ تأويله إلا اللهُوالراسخونَ في العلمِ يقولونَ ءامنَّا به} [سورة ءالعمران/7] وقال: {الم} [سورة البقرة/1] أنا الله أعلم، و{كهيعص} [سورة مريم/1] الكاف من كافي،والهاء من هادي، والياء من حكيم، والعين من عليم، والصاد من صادق، إلى غير ذلك منالمتشابه. اهـ.
ثبوت التأويل التفصيلي عن السلف
والتأويل التفصيلي وإن كانعادة الخلف فقد ثبت أيضًا عن غير واحد من أئمة السلف وأكابرهم كابن عباس منالصحابة، ومجاهد تلميذ ابن عباس من التابعين، والإمام أحمد ممن جاء بعدهم، وكذلكالبخاري وغيره.
أما ابن عباس فقد قال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري [9]: “وأما الساق فجاء عن ابن عباس في قوله تعالى: {يومَ يُكشفُ عن ساقٍ} [سورة القلم/42] قال: عن شدة من الأمر، والعرب تقول قامت الحرب على ساق إذا اشتدت، ومنه:
قدسنَّ أصحابك ضرب الأعناق *** وقامت الحرب بنا على ساقْ
وجاء عن أبي موسىالأشعري في تفسيرها: عن نور عظيم، قال ابن فورك: معناه ما يتجدد للمؤمنين منالفوائد والألطاف، وقال المُهلّب: كشف الساق للمؤمنين رحمة ولغيرهم نقمة، وقالالخطابي [10]: تهيب كثير من الشيوخ الخوض في معنى الساق، ومعنى قول ابن عباس أنالله يكشف عن قدرته التي تظهر بها الشدة، وأسند البيهقي [11] الأثر المذكور عن ابنعباس بسندين كل منهما حسن وزاد: إذا خفي عليكم شئ من القرءان فابتغوه من الشعر،وذكر الرجز المشار إليه، وأنشد الخطابي في إطلاق الساق على الأمر الشديد:في سنةٍ قدْ كشَفتْ عن ساقها” اهـ
وأما مجاهد فقد قالالحافظ البيهقي [12]: “وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر القاضي قالا: ثنا أبوالعباس محمد بن يعقوب، حدثنا الحسن بن علي بن عفان، ثنا أبو أسامة، عن النضر، عنمجاهد في قوله عز وجل: {فأينما تُوَلوا فثَمَّ وجهُ الله} [سورة البقرة/115] قال: قِبلة الله، فأينما كنت في شرق أو غرب فلا توجهن إلا إليها” اهـ.
وأماالإمام أحمد فقد روى البيهقي في مناقب أحمد عن الحاكم، عن أبي عمرو بن السماك، عنحنبل أن أحمد بن حنبل تأوّل قول الله تعالى: {وجاء ربك} [سورة الفجر/22] أنه جاءثوابه، ثم قال البيهقي: “وهذا إسناد لا غبار عليه”، نقل ذلك ابن كثير في تاريخه [13].
وقال البيهقي في مناقب أحمد [14]: “أنبأنا الحاكم، قال حدثنا أبو عمروالسماك، قال: حدثنا حنبل بن إسحاق، قال: سمعت عمي أبا عبد الله –يعني أحمد- يقول: احتجوا عليّ يومئذ –يعني يوم نوظر في دار أمير المؤمنين- فقالوا تجيء سورة البقرةيوم القيامة وتجيء سورة تبارك فقلت لهم: إنما هو الثواب قال الله تعالى: {وجاء ربك} [سورة الفجر/22] إنما يأتي قدرته وإنما القرءان أمثال ومواعظ.
قالالبيهقي: وفيه دليل على أنه كان لا يعتقد في المجيء الذي ورد به الكتاب والنزولالذي وردت به السنة انتقالاً من مكان إلى مكان كمجيء ذوات الأجسام ونزولها، وإنماهو عبارة عن ظهور ءايات قدرته، فإنهم لما زعموا أن القرءان لو كان كلام الله وصفةمن صفات ذاته لم يجز عليه المجيء والإتيان، فأجابهم أبو عبد الله بأنه إنما يجيءثواب قراءته التي يريد إظهارها يومئذ فعبر عن إظهاره إياها بمجيئه” اهـ.
وهذا دليل على أن الإمام أحمد رضي الله عنه ما كان يحمل ءايات الصفاتوأحاديث الصفات التي توهم أن الله متحيز في مكان أو أن له حركة وسكونًا وانتقالاًمن علو إلى سفل على ظواهرها، كما يحملها ابن تيمية وأتباعه فيثبتون اعتقادًا التحيزلله في المكان والجسمية ويقولون لفظًا ما يموهون به على الناس ليظن بهم أنهم منزهونلله عن مشابهة المخلوق، فتارة يقولون بلا كيف كما قالت الأئمة، وتارة يقولون على مايليق بالله. نقول: لو كان الإمام أحمد يعتقد في الله الحركة والسكون والانتقال لتركالآية على ظاهرها وحملها على المجيء بمعنى التنقل من علو إلى سفل كمجيء الملائكةوما فاه بهذا التأويل.
وقد روى البيهقي في الأسماء والصفات [15] عن أبيالحسن المقرئ، قال: “أنا عمرو الصفار، ثنا أبو عوانة، ثنا أبو الحسن الميموني قال: خرج إليّ يومًا أبو عبد الله أحمد بن حنبل فقال: ادخل، فدخلت منزله فقلت: أخبرنيعما كنت فيه مع القوم وبأيّ شئ كانوا يحتجون عليك؟ قال: بأشياء من القرءانيتأولونها ويفسرونها، هم احتجوا بقوله: {ما يأتيهم من ذكرٍ من ربهم محدَثٍ} [سورة الأنبياء/2] قال: قلت: قد يحتمل أن يكون تنزيله إلينا هو المُحدَثُ لا الذكرنفسه هو المُحْدَثُ. قلت –أي قال البيهقي-: والذي يدل على صحة تأويل أحمد بن حنبلرحمه الله ما حدثنا أبو بكر محمد بن الحسن بن فورك، أنا عبد الله بن جعفر، ثنا يونسبن حبيب، ثنا أو داود، ثنا شعبة، عن عاصم، عن أبي وائل عن عبد الله –هو ابن مسعود– رضي الله عنه قال: “أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه فلم يرد عليّفأخذني ما قَدُمَ وما حدث، فقلت: يا رسول الله أحدث فيّ شئ، فقال رسول الله صلىالله عليه وسلم: “إن الله عز وجل يحدث لنبيه من أمره ما شاء، وإن مما أحدث ألاتكلموا في الصلاة” اهـ.
وورد أيضًا التأويل عن الإمام مالك فقد نقل الزرقاني [16] عن أبي بكر بن العربي أنه قال في حديث: “ينزل ربنا”: “النزول راجع إلى أفعالهلا إلى ذاته، بل ذلك عبارة عن مَلَكِهِ الذي ينزل بأمره وينهيه. فالنزول حسيّ صفةالملك المبعوث بذلك، أو معنوي بمعنى لم يفعل ثم فعل، فسمى ذلك نزولاً عن مرتبة إلىمرتبة، فهي عربية صحيحة” اهـ.
قال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري [17]: “وقال ابن العربي: حكي عن المبتدعة ردّ هذه الأحاديث، وعن السلف إمرارها، وعن قومتأويلها وبه أقول. فأما قوله: “ينزل” فهو راجع إلى أفعاله لا إلى ذاته، بل ذلكعبارة عن مَلَكِهِ الذي ينزل بأمره ونهيه، والنزول كما يكون في الأجسام يكون فيالمعاني، فإن حملته في الحديث على الحسي فتلك صفة المَلك المبعوث بذلك، وإن حملتهعلى المعنوي بمعنى أنه لم يفعل ثم فعل فيسمى ذلك نزولاً عن مرتبة إلى مرتبة، فهيعربية صحيحة انتهى. والحاصل أنه تأوله بوجهين: إما بأن المعنى ينزل أمره أو الملكبأمره، وإما بأنه استعارة بمعنى التلطف بالداعين والإجابة لهم ونحوه” انتهى كلامالحافظ، وكذا حكي عن مالك أنه أوله بنزول رحمته وأمره أو ملائكته كما يقال فعلالملك كذا أي أتباعه بأمره.
وورد التأويل أيضًا عن سفيان الثوري فقد روىالحافظ البيهقي أيضًا [18] عن أبي عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي، قال: “أما أبوالحسن محمد بن محمود المروزي الفقيه، ثنا أبو عبد الله محمد بن علي الحافظ، ثنا أبوموسى محمد بن المثنى، حدثني سعيد بن نوح، ثنا علي بن الحسن بن شقيق، ثنا عبد اللهبن موسى الضبي، ثنا معدان العابد قال: سألت سفيان الثوري عن قول الله عز وجل: {وهو معكم} [سورة الحديد/4] قال: علمه” اهـ.
وقد ورد أيضًا عن الإمام البخاري فقد روىفي صحيحه [19] عند قوله تعالى: {كلُّ شئٍهالكٌ إلا وجههُ} [سورة القصص/88] قال البخاري: “إلاملكه، ويقال: إلا ما أريد به وجهُ الله” اهـ.
وروى أيضًا [20] عن أبي هريرةرضي الله عنه: “أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فبعث إلى نسائه فقلن: مامعنا إلا الماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من يضم” أو: “يضيف هذا”؟ فقالرجل من الأنصار: أنا. فانطلق به إلى امرأته فقال: أكرمي ضيف رسول الله صلى اللهعليه وسلم فقالت: ما عندنا إلى قوت صبياني، فقال: هيئي طعامك وأصبحي سراجك ونوّميصبيانك إذا أرادوا عشاء، فهيأت طعامها وأصبحت سراجها ونوّمت صبيانها، ثم قامت كأنهاتصلح سراجها فأطفأته، فجعلا يُريانه أنهما يأكلان، فباتا طاويين، فلما أصبح غدا إلىرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: “ضحك الله الليلة” أو: “عجب من فعالكما”. فأنزلالله: {ويؤثرون على أنفسهم ولوْ كانَ بهمخصاصةٌ ومَن يُوقَ شُحَّ نفسهِ فأولئكَ همُ المفلحون} [سورة الحشر/9].
قال الحافظ ابن حجر [21]: “ونسبة الضحكوالتعجب إلى الله مجازية والمراد بهما الرضا بصنيعهما” اهـ.
وأوّل البخاريالوارد في الحديث بالرحمة نقل ذلك عنه الخطابي [22] فقال: “وقد تأوّل البخاري الضحكفي موضع ءاخر على معنى الرحمة وهو قريب وتأويله على معنى الرضا أقرب” [23] اهـ.
خلاصة ما يتعلق بمسئلة التأويل يقال: هنا مسلكان كل منهما صحيح: الأولمسلك السلف وهم أهل القرون الثلاثة الأولى أي الغالب عليهم، فإنهم يؤولونها تأويلاًإجماليًا بالإيمان بها واعتقاد أن لها معنى يليق بجلال الله وعظمته بلا تعيين، بلردوا تلك الآيات إلى الآيات المحكمة كقوله تعالى: {ليس كمثله شئ}.
الثاني: مسلكالخلف: وهو يؤولونها تفصيلاً بتعيين معان لها مما تقتضيه لغة العرب ولا يحملونهاعلى ظواهرها أيضًا كالسلف، ولا بأس بسلوكه ولا سيما عند الخوف من تزلزل العقيدةحفظًا من التشبيه.
قال [24] الحافظ ابن دقيق العبد: “نقول في الصفات المشكلةأنها حق وصدق على المعنى الذي أراده الله، ومن تأوّلها نظرنا فإن كان تأويله قريبًاعلى مقتضى لسان العرب لم ننكر عليه، وإن كان بعيدًا توقفنا عنه ورجعنا إلى التصديقمع التنزيه” اهـ.
الهوامش:
[1] و[2] فتاوي الألباني [ص/522-423]، وانظر أيضًا كتابه المسمى “مختصر العلو” [ص/23 وما بعدها].
[3] أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الزكاة: باب قبول الصدقة من الكسب الطيبوتربيتها.
[4] الدر المنثور [2/152]، زاد المسير [1/354].
[5] ذكر ذلك الحافظاللغوي مرتضى الزبيدي في كتابه إتحاف السادة المتقين [2/110].
[6] كذا في الأصلووجه الكلام لا بد من استبيانه.
[7] أخرجه ابن ماجه في سننه: المقدمة: فضل ابنعباس رضي الله عنهما.
[8] كتاب المجالس لابن الجوزي [ص/13].
[9] فتح الباري [13/428].
[10] الأسماء والصفات للبيهقي [ص/345].
[11] المرجعالسابق.
[12] الأسماء والصفات [ص/309].
[13] البداية والنهاية [10/327].
[14] أنظر تعليق الزاهد الكوثري على السيف الصقيل للإمام السبكي [ص/120-121].
[15] الأسماء والصفات [ص/235].
[16] شرح الزرقاني على الموطإ [2/35]، وانظر شرح الترمذي [2/236].
[17] فتح الباري [3/30].
[18] الأسماءوالصفات [ص/430].
[19] صحيح البخاري: كتاب التفسير: باب تفسير سورة القصص، فيفاتحته.
[20] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب المناقب: باب قول الله عز وجل: {ويؤثرون على أنفسهم ولو كانَ بهم خصاصةٌ} [سورة الحشر/9].
[21] فتح الباري [7/120].
[22] الأسماء والصفات [ص/470].
[23] فتح الباري [6/40].
[24] فتحالباري [13/383].
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
الفصل الثالث
بيان شذوذ الألباني في مسألةالتأويل
تهجّم الألباني على علماء الخلف وجمعٍ من علماء السلفلتأويلهم ما تشابه من ءايات القرءان والحديث، فقال ما نصه [1]: “ونحن نعتقد أنكثيرًا من المؤولة ليسوا زنادقة لكن في الحقيقة أنهم يقولون قول الزنادقة” اهـ،وقال [2]: “التأويل هو عين التعطيل” اهـ.
فنقول: علماء السلف والخلف أوَّلوافأنت يا ألباني لست مع السلف ولا مع الخلف، فهذا كأنه اعتراف منك بالخروج من الملة،أليس أوَّلتَ أنت وجماعتك المشبهة قوله تعالى: {وللهِ المشرقُ والمغربُ فأينما تُوَلُّوا فثمَّ وجهُ الله} [سورة البقرة/115] فهذه الآية ظاهرها أن الله محيط بالأرض بحيثيكون المصلي متوجهًا إلى ذات الله، أليس أنت وجماعتك أولتم قوله تعالى حكاية عنإبراهيم {إني ذاهبٌ إلى ربي} [سورة الصافات/99] أليس إبراهيم كان في العراق وذهب إلى فلسطين،أليس أولتم هذه الآية ولم تأخذوا بظاهرها الذي يوهم أن الله متحيز في أرض فلسطين،وأين أنت يا ألباني وجماعتك من حديث مسلم [3]: “ما تصدق أحدٌ بصدقة من طيّب، ولايقبل الله إلا الطيب، إلا أخذها الرحمن بيمينه وإن كانت تمرةً فتربو في كف الرحمن” أليس ظاهر هذا الحديث أن المتصدق إذا تصدق وقعت صدقته في يد الله أليس أولتم هذا؟؟؟أم حملتموه على الظاهر فتكونون جعلتم يد الله تحت يد المتصدق.
فإن قلتم: هذاالحديث والآيات التي ظواهرها أن الله في غير جهة فوق نؤولها وأما الآيات التيظواهرها أنه متحيز في جهة فوق نعتقدها ولا نؤولها قلنا: هذا تحكُّم أي دعوى بلادليل، بل الدليل العقلي والنقلي يدلان على وجوب ترك حمل هذه الآيات وما كان على نحوهذا الحديث على ظواهرها وإلا لتناقضت هذه الآيات مع قوله تعالى: {ليس كمثله شئ} والقرءان منزه عن التناقض، والذي أوقعكم في هذا هو أنكم لا تؤمنون بوجود موجود ليسفي جهة ومكان وليس حجمًا مخصوصًا فمن أين يصح لكم معرفة الله وأنتم على هذهالحال.
أما نحن أهل السنة والجماعة فقد أوّلنا هذه وهذه، فنحن نوفق بينءاية: {ليس كمثله شئ} وبين تلك الآيات، فإن الآيات والأحاديث منها ما هو محكم ومنهاما هو متشابه ونحن رددنا المتشابه بقسميه القسم الذي يدل ظاهره أن الله متحيز فيجهة فوق والقسم الذي يدل على أنه متحيز في جهة تحت إلى الآيات المحكمة كقوله تعالى: {ليس كمثله شئ} [سورة الشورى/11].
وأما حديث: “كان الله ولم يكن شئغيره” فهو دال دلالة صريحة على أن الله موجود بلا مكان لأن المكان غير الله. فتبينأن مذهبكم التحكم، ومذهب أهل السنة الاعتدال، وليس مذهبنا التعطيل بل أنتم عطلتمقسمًا من الآيات والأحاديث جعلتموها وراء ظهوركم كأنكم لم تسمعوها أوتروها.
فالحاصل أن المتشابه من الكتاب والسنة قسمان قسم يوهم ظاهره أن اللهفي جهة فوق متحيز وأن له أعضاء وحركة وسكون، وقسم ظاهره أن الله متحيز في جهة تحت،فعمدَ أهل السنة إلى تأويل القسمين وردّهما إلى الآيات المحكمة كقوله تعالى: {ليس كمثله شئ}،وقوله: {ولم يكن لهُ كفُوًاأحد} [سورة الإخلاص/4] عملاً بقول الله تعالى: {هوَ الذي أنزلَ عليكَ الكتابَ منهُ ءاياتٌمحكماتٌ هُنَّ أمُّ الكتاب وأُخَرُ مُتشابهات} [سورةءال عمران/7]، لما وصف سبحانه المحكمات بأنها أم الكتاب رددنا القسمين من المتشابهإلى المحكمات وهنّ أم الكتاب أي أصل الكتاب.
أما أنت يا ألباني وطائفتكالمشبهة حملتم قسمًا من المتشابه على الظاهر وألغيتم القسم الآخر فكأنكم جعلتمالقسم الآخر ما لا يلتفت إليه والقرءان كله حق وصحيح، ثم إنكم جعلتم لله أعضاءوحدًّا ومقدارًا حملاً للآيات التي ظواهرها ذلك على الظاهر فجعلتم لله أمثالاًوخالفتم قوله تعالى: {وكلُّ شئٍ عندهُبمقدار} [سورة الرعد/8] والعالم لطيفه وكثيفه لهمقدار فجعلتم الخالق مثل خلقه، فالعرش له مقدار أي حد يعلمه الله والشمس لها مقدارأي حد يعلمه الله والنور والظلام له مقدار يعلمه الله، وجعلتم أنتم الله مقدارًافقلتم الله بقدر العرش، وقال بعضكم ليس بقدر العرش بل بقدر بعض العرش، فأهل السنةالمباينون لكم هم الأمة هم مئات الملايين اليوم وهم الأشاعرة والماتريدية، وأماأنتم معشر المشبهة شرذمة قليلة لا تتجاوزون نحو مليون.
والآيات المحكمة:هي ما لا يحتمل من التأويل بحسب وضع اللغة إلاوجهًا واحدًا، أو ما عُرف بوضوح المعنى المراد منه كقوله تعالى: {ليسَ كمثلهِ شئ} [سورة الشورى/11]، وقوله: {ولم يكُنْ لهُ كُفُوًا أحد} [سورةالإخلاص/4]، وقوله: {هل تعلمُ لهُسميًّا} [سورة مريم/65].
وأما المتشابه:فهو ما لم تتضح دلالته، أو يحتمل أكثر من وجهواحتيجَ إلى النظر لحمله على الوجه المطابق، كقوله تعالى: {الرحمنُ على العرشِ استوى} [سورة طه/5].
وأما قوله تعالى: {والراسخونَ في العلمِ} [سورة ءال عمران/7] يحتمل أن يكون ابتداءً، ويحتمل أن يكونمعطوفًا على لفظ الجلالة، فعلى الأول المراد بالمتشابه ما استأثر الله بعلمه كوجبةالقيامة وخروج الدجال ونحو ذلك، فإنه لا يعلم متى وقوع ذلك أحد إلا الله، وعلىالثاني: المراد بالمتشابه ما لم يتضح دلالته من الآيات أو يحتمل أوجهًا عديدة منحيث اللغة مع الحاجة إلى إعمال الفكر ليحمل على الوجه المطابق كآية: {الرحمنُ على العرشِ استوى} [سورة طه/5]، فعلى هذا القول يكون الراسخون في العلم داخلين فيالاستثناء، ويؤيد هذا ما رواه مجاهد عن ابن عباس أنه قال: “أنا ممن يعلم تأويله” [4].
قال القشيري في التذكرة الشرقية [5]: “وأما قول الله عز وجل: {وما يعلمُ تأويلهُ إلا الله} [سورة ءال عمران/7] إنما يريد به وقت قيام الساعة، فإن المشركينسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة أيان مرساها ومتى وقوعها، فالمتشابهإشارة إلى علم الغيب، فليس يعلم عواقب الأمور إلا الله عز وجل ولهذا قال: {هلْ ينظرونَ إلا تأويلهُ يومَ يأتيتأويلُهُ} [سورة الأعراف/53] أي هل ينظرون إلا قيامالساعة. وكيف يسوغ لقائل أن يقول في كتاب الله تعالى ما لا سبيل لمخلوق إلى معرفتهولا يعلم تأويله إلى الله، أليس هذا من أعظم القدح في النبوات، وأن النبي صلى اللهعليه وسلم ما عرف تأويل ما ورد في صفات الله تعالى ودعا الخلق إلى علم ما لا يعلم،أليس الله يقول: {بلسانٍ عربيٍّمبين} [سورة الشعراء/195] فإذًا على زعمهم يجب أنيقولوا كذب حيث قال: {بلسانٍ عربيمبين} إذ لم يكن معلومًا عندهم، وإلا فأين هذاالبيان، وإذا كان بلغة العرب فكيف يدعى أنه مما لا تعلمه العرب لما كان ذلك الشئعربيًّا، فما قول في مقال مآله إلى تكذيب الرب سبحانه.
ثم كان النبي صلىالله عليه وسلم يدعو الناس إلى عبادة الله تعالى، فلو كان في كلامه وفيما يلقيه إلىأمته شئ لا يعلم تأويله إلا الله تعالى، لكان للقوم أن يقولوا بيّن لنا أولاً منتدعونا إليه وما الذي تقول، فإن الإيمان بما لا يعلم أصله غيرُ مُتأتٍّ، ونسبةالنبي صلى الله عليه وسلم إلى أنه دعا إلى رب موصوف بصفات لا تعقل أمر عظيم لايتخيله مسلم، فإن الجهل بالصفات يؤدي إلى الجهل بالموصوف، والغرض أن يستبين من معهمُسكَةٌ من العقل أن قول من يقول: “استواؤه صفة ذاتية لا يعقل معناها، واليد صفةذاتية لا يعقل معناها، والقدم صفة ذاتية لا يعقل معناها” تمويه ضمنه تكييف وتشبيهودعاء إلى الجهل، وقد وضح الحق لذي عينين، وليت شعري هذا الذي ينكر التأويل يطَّردهذا الإنكار في كل شئ وفي كل ءاية أم يقنع بترك التأويل في صفات الله تعالى، فإنامتنع من التأويل أصلاً فقد أبطل الشريعة والعلوم، إذ ما من ءاية وخبر إلا ويحتاجإلى تأويل وتصرف في الكلام إلا ما كان نحو قوله تعالى: {وخلقَ كل شئٍ وهوَ بكلِّ شئٍ عليم} [سورة الأنعام/101] لأن ثَمَّ أشياء لا بد من تأويلها لا خلافبين العقلاء فيه إلا الملحدة الذين قصدهم التعطيل للشرائع، والاعتقاد لهذا يؤدي إلىإبطال ما هو عليه من التمسك بالشرع بزعمه. وإن قال: يجوز التأويل على الجملة إلافيما يتعلق بالله وبصفاته فلا تأويل فيه، فهذا يتعلق بالصانع وصفاته يجب التقاصيعنه، وهذا لا يرضى به مسلم، وسرُّ الأمر أن هؤلاء الذين يمتنعون عن التأويل معتقدونحقيقة التشبيه غير أنهم يُدلّسون ويقولون: له يد لا كالأيدي وقدم لا كالأقدامواستواء بالذات لا كما نعقل فيما بيننا. فليقل المحقق: هذا كلام من استبيان [6]،قولكم نجري الأمر على الظاهر ولا يعقل معناه تناقض، إن أجريت على الظاهر فظاهرالسياق في قوله تعالى: {يومَ يُكشفُ عنساقٍ} [سورة القلم/42] هو العضو المشتمل على الجلدواللحم والعظم والعصب والمخ، فإن أخذت بهذا الظاهر والتزمت بالإقرار بهذه الأعضاءفهو الكفر، وإن لم يمكنك الأخذ بها فأين الأخذ بالظاهر، ألست قد تركت الظاهر وعلمتتقدس الرب تعالى عما يوهم الظاهر، فكيف يكون أخذًا بالظاهر؟ وإن قال الخصم: هذهالظواهر لا معنى لها أصلاً، فهو حكم بأنها ملغاة، وما كان في إبلاغها إلينا فائدةوهي هدر وهذا محال. وفي لغة العرب ما شئت من التجوز والتوسع في الخطاب، وكانوايعرفون موارد الكلام ويفهمون المقاصد، فمن تجافى عن التأويل فلذلك لقلة فهمهبالعربية، ومن أحاط بطرق من العربية هان عليه مدرك الحقائق، وقد قيل: {وما يعلمُ تأويلهُ إلا اللهُ والراسخونَ فيالعلمِ} [سورة ءال عمران/7]: فكأنه قال: والراسخونفي العلم أيضًا يعلمونه ويقولون ءامنا به. فإن الإيمان بالشئ إنما يتصور بعد العلم،أما ما لا يعلم فالإيمان به غير متأت، ولهذا قال ابن عباس: “أنا من الراسخين فيالعلم” اهـ.
فتبين أن قول من يقول إن التأويل غير جائز خبط وجهل، وهو محجوجبقوله صلى الله عليه وسلم لابن عباس: “اللهم علمه الحكمة وتأويل الكتاب” [7].
هذا وقد شدد الحافظ ابن الجوزي الفقيه الحنبلي –وهو حرب على حنابلةالمجسمة وما أكثرهم- في كتابه “المجالس” النكيرَ والتشنيع على من يمنع التأويل ووسعالقول في ذلك، فمما ورد فيه [8]: “وكيف يمكن أن يقال إن السلف ما استعملوا التأويلوقد ورد في الصحيح عن سيد الكونين صلى الله عليه وسلم أنه قدم له ابن عباس وَضوءهفقال: “من فعل هذا” فقال: قلت: أنا يا رسول الله، فقال: “اللهم فقّهه في الدينوعلمه التأويل”، فلا يخلو إما أن يكون الرسول أراد أن يدعو له أو عليه، فلا بد أنتقول أراد الدعاء له لا دعاءً عليه، ولو كان التأويل محظورًا لكان هذا دعاءً عليهلا له. ثم أقول: لا يخلو إنا أن تقول: إن دعاء الرسول ليس مستجابًا فليس بصحيح، وإنقلت: إنه مستجاب فقد تركت مذهبك وبطل قولك: إنهم ما كانوا يقولون بالتأويل، وكيفوالله يقول: {وما يعلمُ تأويله إلا اللهُوالراسخونَ في العلمِ يقولونَ ءامنَّا به} [سورة ءالعمران/7] وقال: {الم} [سورة البقرة/1] أنا الله أعلم، و{كهيعص} [سورة مريم/1] الكاف من كافي،والهاء من هادي، والياء من حكيم، والعين من عليم، والصاد من صادق، إلى غير ذلك منالمتشابه. اهـ.
ثبوت التأويل التفصيلي عن السلف
والتأويل التفصيلي وإن كانعادة الخلف فقد ثبت أيضًا عن غير واحد من أئمة السلف وأكابرهم كابن عباس منالصحابة، ومجاهد تلميذ ابن عباس من التابعين، والإمام أحمد ممن جاء بعدهم، وكذلكالبخاري وغيره.
أما ابن عباس فقد قال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري [9]: “وأما الساق فجاء عن ابن عباس في قوله تعالى: {يومَ يُكشفُ عن ساقٍ} [سورة القلم/42] قال: عن شدة من الأمر، والعرب تقول قامت الحرب على ساق إذا اشتدت، ومنه:
قدسنَّ أصحابك ضرب الأعناق *** وقامت الحرب بنا على ساقْ
وجاء عن أبي موسىالأشعري في تفسيرها: عن نور عظيم، قال ابن فورك: معناه ما يتجدد للمؤمنين منالفوائد والألطاف، وقال المُهلّب: كشف الساق للمؤمنين رحمة ولغيرهم نقمة، وقالالخطابي [10]: تهيب كثير من الشيوخ الخوض في معنى الساق، ومعنى قول ابن عباس أنالله يكشف عن قدرته التي تظهر بها الشدة، وأسند البيهقي [11] الأثر المذكور عن ابنعباس بسندين كل منهما حسن وزاد: إذا خفي عليكم شئ من القرءان فابتغوه من الشعر،وذكر الرجز المشار إليه، وأنشد الخطابي في إطلاق الساق على الأمر الشديد:في سنةٍ قدْ كشَفتْ عن ساقها” اهـ
وأما مجاهد فقد قالالحافظ البيهقي [12]: “وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر القاضي قالا: ثنا أبوالعباس محمد بن يعقوب، حدثنا الحسن بن علي بن عفان، ثنا أبو أسامة، عن النضر، عنمجاهد في قوله عز وجل: {فأينما تُوَلوا فثَمَّ وجهُ الله} [سورة البقرة/115] قال: قِبلة الله، فأينما كنت في شرق أو غرب فلا توجهن إلا إليها” اهـ.
وأماالإمام أحمد فقد روى البيهقي في مناقب أحمد عن الحاكم، عن أبي عمرو بن السماك، عنحنبل أن أحمد بن حنبل تأوّل قول الله تعالى: {وجاء ربك} [سورة الفجر/22] أنه جاءثوابه، ثم قال البيهقي: “وهذا إسناد لا غبار عليه”، نقل ذلك ابن كثير في تاريخه [13].
وقال البيهقي في مناقب أحمد [14]: “أنبأنا الحاكم، قال حدثنا أبو عمروالسماك، قال: حدثنا حنبل بن إسحاق، قال: سمعت عمي أبا عبد الله –يعني أحمد- يقول: احتجوا عليّ يومئذ –يعني يوم نوظر في دار أمير المؤمنين- فقالوا تجيء سورة البقرةيوم القيامة وتجيء سورة تبارك فقلت لهم: إنما هو الثواب قال الله تعالى: {وجاء ربك} [سورة الفجر/22] إنما يأتي قدرته وإنما القرءان أمثال ومواعظ.
قالالبيهقي: وفيه دليل على أنه كان لا يعتقد في المجيء الذي ورد به الكتاب والنزولالذي وردت به السنة انتقالاً من مكان إلى مكان كمجيء ذوات الأجسام ونزولها، وإنماهو عبارة عن ظهور ءايات قدرته، فإنهم لما زعموا أن القرءان لو كان كلام الله وصفةمن صفات ذاته لم يجز عليه المجيء والإتيان، فأجابهم أبو عبد الله بأنه إنما يجيءثواب قراءته التي يريد إظهارها يومئذ فعبر عن إظهاره إياها بمجيئه” اهـ.
وهذا دليل على أن الإمام أحمد رضي الله عنه ما كان يحمل ءايات الصفاتوأحاديث الصفات التي توهم أن الله متحيز في مكان أو أن له حركة وسكونًا وانتقالاًمن علو إلى سفل على ظواهرها، كما يحملها ابن تيمية وأتباعه فيثبتون اعتقادًا التحيزلله في المكان والجسمية ويقولون لفظًا ما يموهون به على الناس ليظن بهم أنهم منزهونلله عن مشابهة المخلوق، فتارة يقولون بلا كيف كما قالت الأئمة، وتارة يقولون على مايليق بالله. نقول: لو كان الإمام أحمد يعتقد في الله الحركة والسكون والانتقال لتركالآية على ظاهرها وحملها على المجيء بمعنى التنقل من علو إلى سفل كمجيء الملائكةوما فاه بهذا التأويل.
وقد روى البيهقي في الأسماء والصفات [15] عن أبيالحسن المقرئ، قال: “أنا عمرو الصفار، ثنا أبو عوانة، ثنا أبو الحسن الميموني قال: خرج إليّ يومًا أبو عبد الله أحمد بن حنبل فقال: ادخل، فدخلت منزله فقلت: أخبرنيعما كنت فيه مع القوم وبأيّ شئ كانوا يحتجون عليك؟ قال: بأشياء من القرءانيتأولونها ويفسرونها، هم احتجوا بقوله: {ما يأتيهم من ذكرٍ من ربهم محدَثٍ} [سورة الأنبياء/2] قال: قلت: قد يحتمل أن يكون تنزيله إلينا هو المُحدَثُ لا الذكرنفسه هو المُحْدَثُ. قلت –أي قال البيهقي-: والذي يدل على صحة تأويل أحمد بن حنبلرحمه الله ما حدثنا أبو بكر محمد بن الحسن بن فورك، أنا عبد الله بن جعفر، ثنا يونسبن حبيب، ثنا أو داود، ثنا شعبة، عن عاصم، عن أبي وائل عن عبد الله –هو ابن مسعود– رضي الله عنه قال: “أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه فلم يرد عليّفأخذني ما قَدُمَ وما حدث، فقلت: يا رسول الله أحدث فيّ شئ، فقال رسول الله صلىالله عليه وسلم: “إن الله عز وجل يحدث لنبيه من أمره ما شاء، وإن مما أحدث ألاتكلموا في الصلاة” اهـ.
وورد أيضًا التأويل عن الإمام مالك فقد نقل الزرقاني [16] عن أبي بكر بن العربي أنه قال في حديث: “ينزل ربنا”: “النزول راجع إلى أفعالهلا إلى ذاته، بل ذلك عبارة عن مَلَكِهِ الذي ينزل بأمره وينهيه. فالنزول حسيّ صفةالملك المبعوث بذلك، أو معنوي بمعنى لم يفعل ثم فعل، فسمى ذلك نزولاً عن مرتبة إلىمرتبة، فهي عربية صحيحة” اهـ.
قال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري [17]: “وقال ابن العربي: حكي عن المبتدعة ردّ هذه الأحاديث، وعن السلف إمرارها، وعن قومتأويلها وبه أقول. فأما قوله: “ينزل” فهو راجع إلى أفعاله لا إلى ذاته، بل ذلكعبارة عن مَلَكِهِ الذي ينزل بأمره ونهيه، والنزول كما يكون في الأجسام يكون فيالمعاني، فإن حملته في الحديث على الحسي فتلك صفة المَلك المبعوث بذلك، وإن حملتهعلى المعنوي بمعنى أنه لم يفعل ثم فعل فيسمى ذلك نزولاً عن مرتبة إلى مرتبة، فهيعربية صحيحة انتهى. والحاصل أنه تأوله بوجهين: إما بأن المعنى ينزل أمره أو الملكبأمره، وإما بأنه استعارة بمعنى التلطف بالداعين والإجابة لهم ونحوه” انتهى كلامالحافظ، وكذا حكي عن مالك أنه أوله بنزول رحمته وأمره أو ملائكته كما يقال فعلالملك كذا أي أتباعه بأمره.
وورد التأويل أيضًا عن سفيان الثوري فقد روىالحافظ البيهقي أيضًا [18] عن أبي عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي، قال: “أما أبوالحسن محمد بن محمود المروزي الفقيه، ثنا أبو عبد الله محمد بن علي الحافظ، ثنا أبوموسى محمد بن المثنى، حدثني سعيد بن نوح، ثنا علي بن الحسن بن شقيق، ثنا عبد اللهبن موسى الضبي، ثنا معدان العابد قال: سألت سفيان الثوري عن قول الله عز وجل: {وهو معكم} [سورة الحديد/4] قال: علمه” اهـ.
وقد ورد أيضًا عن الإمام البخاري فقد روىفي صحيحه [19] عند قوله تعالى: {كلُّ شئٍهالكٌ إلا وجههُ} [سورة القصص/88] قال البخاري: “إلاملكه، ويقال: إلا ما أريد به وجهُ الله” اهـ.
وروى أيضًا [20] عن أبي هريرةرضي الله عنه: “أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فبعث إلى نسائه فقلن: مامعنا إلا الماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من يضم” أو: “يضيف هذا”؟ فقالرجل من الأنصار: أنا. فانطلق به إلى امرأته فقال: أكرمي ضيف رسول الله صلى اللهعليه وسلم فقالت: ما عندنا إلى قوت صبياني، فقال: هيئي طعامك وأصبحي سراجك ونوّميصبيانك إذا أرادوا عشاء، فهيأت طعامها وأصبحت سراجها ونوّمت صبيانها، ثم قامت كأنهاتصلح سراجها فأطفأته، فجعلا يُريانه أنهما يأكلان، فباتا طاويين، فلما أصبح غدا إلىرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: “ضحك الله الليلة” أو: “عجب من فعالكما”. فأنزلالله: {ويؤثرون على أنفسهم ولوْ كانَ بهمخصاصةٌ ومَن يُوقَ شُحَّ نفسهِ فأولئكَ همُ المفلحون} [سورة الحشر/9].
قال الحافظ ابن حجر [21]: “ونسبة الضحكوالتعجب إلى الله مجازية والمراد بهما الرضا بصنيعهما” اهـ.
وأوّل البخاريالوارد في الحديث بالرحمة نقل ذلك عنه الخطابي [22] فقال: “وقد تأوّل البخاري الضحكفي موضع ءاخر على معنى الرحمة وهو قريب وتأويله على معنى الرضا أقرب” [23] اهـ.
خلاصة ما يتعلق بمسئلة التأويل يقال: هنا مسلكان كل منهما صحيح: الأولمسلك السلف وهم أهل القرون الثلاثة الأولى أي الغالب عليهم، فإنهم يؤولونها تأويلاًإجماليًا بالإيمان بها واعتقاد أن لها معنى يليق بجلال الله وعظمته بلا تعيين، بلردوا تلك الآيات إلى الآيات المحكمة كقوله تعالى: {ليس كمثله شئ}.
الثاني: مسلكالخلف: وهو يؤولونها تفصيلاً بتعيين معان لها مما تقتضيه لغة العرب ولا يحملونهاعلى ظواهرها أيضًا كالسلف، ولا بأس بسلوكه ولا سيما عند الخوف من تزلزل العقيدةحفظًا من التشبيه.
قال [24] الحافظ ابن دقيق العبد: “نقول في الصفات المشكلةأنها حق وصدق على المعنى الذي أراده الله، ومن تأوّلها نظرنا فإن كان تأويله قريبًاعلى مقتضى لسان العرب لم ننكر عليه، وإن كان بعيدًا توقفنا عنه ورجعنا إلى التصديقمع التنزيه” اهـ.
الهوامش:
[1] و[2] فتاوي الألباني [ص/522-423]، وانظر أيضًا كتابه المسمى “مختصر العلو” [ص/23 وما بعدها].
[3] أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الزكاة: باب قبول الصدقة من الكسب الطيبوتربيتها.
[4] الدر المنثور [2/152]، زاد المسير [1/354].
[5] ذكر ذلك الحافظاللغوي مرتضى الزبيدي في كتابه إتحاف السادة المتقين [2/110].
[6] كذا في الأصلووجه الكلام لا بد من استبيانه.
[7] أخرجه ابن ماجه في سننه: المقدمة: فضل ابنعباس رضي الله عنهما.
[8] كتاب المجالس لابن الجوزي [ص/13].
[9] فتح الباري [13/428].
[10] الأسماء والصفات للبيهقي [ص/345].
[11] المرجعالسابق.
[12] الأسماء والصفات [ص/309].
[13] البداية والنهاية [10/327].
[14] أنظر تعليق الزاهد الكوثري على السيف الصقيل للإمام السبكي [ص/120-121].
[15] الأسماء والصفات [ص/235].
[16] شرح الزرقاني على الموطإ [2/35]، وانظر شرح الترمذي [2/236].
[17] فتح الباري [3/30].
[18] الأسماءوالصفات [ص/430].
[19] صحيح البخاري: كتاب التفسير: باب تفسير سورة القصص، فيفاتحته.
[20] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب المناقب: باب قول الله عز وجل: {ويؤثرون على أنفسهم ولو كانَ بهم خصاصةٌ} [سورة الحشر/9].
[21] فتح الباري [7/120].
[22] الأسماء والصفات [ص/470].
[23] فتح الباري [6/40].
[24] فتحالباري [13/383].