استحق إيفان الرهيب أو إيفان المخيف لقبه عن جدارة، فإلى جانب أنه قتل أحد أبنائه بكلتا يديه، وضرب زوجته الحامل حتى أجهضت، عانت روسيا في عهده من ويلات الحروب والمجاعات والمذابح الجماعية، وشهد فقراء الإمبراطورية وأغنياؤها أصنافاً من القمع والتعذيب لم يسلم منها حتى أكثر المقربين إليه.
كان إيفان الرهيب أول من اتخذ لقب “قيصر” في تاريخ روسيا محولاً إياها إلى إمبراطورية مركزية السلطة، وقد قاد حروباً دموية توسعية استطاع خلالها احتلال بلاد المسلمين في قازان واستراخان، في حين أخفق في تحقيق أهدافه في حروب أخرى استنزفت موارد بلاده كحروبه ضد العثمانيين وحروبه ضد مملكة السويد وبولندا وليتوانيا.
إيفان الرهيب والزعامة “الإلهية” حسب معتقده
عندما توفي والده فاسيلي الثالث، كان إيفان الرابع يبلغ من العمر ثلاث سنوات فقط، مع ذلك توج أميراً على موسكو في العام 1533، لتتولى والدته إيلينا جلينسكايا الوصاية عليه، إلا أنها ماتت وهو في الثامنة من عمره ويرجح العديد من المؤرخين أنه قد تم اغتيالها بالسم.
بعد ذلك تولى الحكم بالنيابة عنه مجموعة من النبلاء الذين كانوا يطلقون على أنفسهم اسم “المجلس المختار”، إلا أن حكمهم المطلق لم يدم طويلاً فقد تولى إيفان الحكم بنفسه عندما بلغ عامه الـ14، وما إن حل العام 1547، حتى أعلن نفسه أول قيصر في تاريخ روسيا.
اختار إيفان لنفسه لقب قيصر (المستمد من الرومانية) ليعزز قوة عرشه في المقام الأول ويرسل رسالة إلى العالم مفادها أنه لا يقل سلطة عن القياصرة البيزنطيين المعروفين عبر التاريخ.
كذلك، كان للقب دلالات دينية، إذ لطالما ارتبط القيصر في النصوص الكنسية القديمة بالملك الذي ينفذ إرادة الله على الأرض.
وكونه واحداً من أتباع المسيحية الأرثوذكسية المخلصين، حارب إيفان بشدة للحصول على حقه “الإلهي” كحاكم يجب أن يمتلك سلطة غير محدودة بعد الله حسب معتقداتهم.
القيصر مسكون بالشك والارتياب
بدأ إيفان الرهيب عهده كأول قيصر في تاريخ روسيا بالتخلص من أعضاء “المجلس المختار”.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
وفي عام 1553، حدث أول خلاف بين إيفان وأحد مستشاريه من النبلاء، فقد انشق عنه الأمير أندريه كوربسكي مصطفاً إلى جانب الليتوانيين، حتى أنه تولى قيادة القوات الليتوانية ودمر منطقة فيليكي لوكي الروسية.
على إثر هذه الحادثة أصبح إيفان مسكوناً بالشك والارتياب، وبدأ حرباً مسعورة ضد جميع من يشك بولائهم من النبلاء، حتى أولئك المقربين إليه، فارتكب العديد من المجازر بحق هؤلاء.
وقد كانت الطريقة المفضلة له في التعذيب هي تهشيم الأرجل قبل أن يلقي بضحاياه في الثلج أو جعلهم يزحفون ويطلبون الرحمة.
كما تعرضت النساء الأرستقراطيات في عهده لعمليات اغتصاب وقتل جماعي، ولم يكن يتوانى عن إبادة مجتمعات بأسرها حين يساوره الشك بولائهم.
وقد جند إيفان لهذه الأعمال أناساً لم يكونوا من أصحاب الأموال والعقارات بالوراثة بل منحهم هو سلطة على مساحات واسعة من الأراضي ليفعلوا ما يشاؤون دون مساءلة.
فراح أولئك يفرضون ضرائب باهظة على الفلاحين الروس وأجبروهم على الدفع في عام واحد ما كانوا يدفعونه في السابق خلال عشرة أعوام، مما أدى إلى انخفاض فظيع في إنتاج المحاصيل وتدهور غير مسبوق في الاقتصاد الروسي.
لماذا كان إيفان الرابع بهذه القسوة؟
يشرح بعض العلماء الأفعال السادية والوحشية لإيفان الرهيب على أنها مرتبطة مع المفاهيم الدينية للقرن السادس عشر.
والتي شملت إغراق وحرق الناس أحياء أو تعذيب الضحايا بالماء المغلي أو شديد البرودة، بما يتوافق مع عذاب الجحيم، نظراً لاعتباره ممثل الله على الأرض ولديه حق مقدس وواجب يحتم عليه عقاب معارضيه.
ويعتقد بعض المؤرخين أن وفاة زوجة إيفان الأولى أنستازيا رومانوفنا، كان له أثر كبير على شخصيته، وربما على صحته العقلية أيضاً، فقد بات بعد هذه الحادثة خارجاً عن السيطرة تماماً إلى الحد الذي دفعه إلى قتل ابنه في سنوات حياته الأخيرة.
احتلال قازان واستراخان
اتبع إيفان الرابع سياسة توسعية في حكمه، كانت تهدف إلى السيطرة بين بحر البلطيق وبحر قزوين، ولذلك خاض القيصر حروباً توسعت بنتيجتها أراضي إمبراطوريته لتصبح إمبراطورية مترامية الأطراف.
إذ قام إيفان الرهيب عام 1552، بمحاصرة قازان وقطع إمدادات المياه عنها حتى سقطت أخيراً وإسقاط القبيلة القازانية، وارتكب فيها مجازر جماعية ضد المسلمين بسبب دينهم وحاول تنصير الكثير منهم عنوة.
وفي حين أمر إيفان بهدم المساجد ومنع إعادة إنشائها، احتفل بفوزه على قازان من خلال بناء العديد من الكنائس ذات الملامح الشرقية، والأكثر شهرة كاتدرائية القديس باسيل في الساحة الحمراء في موسكو.
وفي 1554، تمكن من احتلال أستراخان وأصبح بذلك نهر الفولغا قناة روسية بحتة تسهل الوصول إلى بحر قزوين، ومهدت الطريق للإحتلال الروسي إلى ما خلف الأورال، وقد تم استيطان سيبيريا في عام 1555، واحتل الروس أرض الباشكير في سنة 1557، في عهده وكان هدف إيفان الرهيب العسكري الرئيسي حُكم بولندا والسويد وإقامة علاقات مع أوروبا أيضاً، لكنه فشل في حروبه مع بلدان أوروبا وخاصة ليتوانيا وبولندا.
حرب ليفونيان
خاض القيصر إيفان الرابع حروباً دموية وسع على إثرها أراضي روسيا وجعل منها إمبراطورية مترامية الأطراف.
وفي حين تمكن من احتلال بلاد تاتارستان وسيبيريا، شكلت حروب أخرى استنزافاً لا مبرر له لطاقات دولته مثل حربه مع الأتراك العثمانيين، في عهد السلطان سليم التي انتهت بمعاهدة سلام أبرمت في القسطنطينية بعد اقتتال دام قرابة الثلاث سنوات.
بالإضافة إلى حرب ليفونيان التي دمرت روسيا وأنهكت شعبها وأضعفت مواردها، إذ بدأت هذه الحرب التي استمرت 24 عاماً في العام 1558.
كانت هذه الحرب التي أثبتت فشلها في النهاية محاولة من إيفان للوصول إلى بحر البلطيق وطرق التجارة الرئيسية.
واشتبك في سبيل ذلك مع مملكة السويد وبولندا وليتوانيا وليفونيا.
ولم يحصد إيفان من هذه الحرب سوى تضاعف اللاجئين الذين فروا من الحرب والذين ضاعفوا بدورهم المجاعات في البلاد، إلى جانب تفاقم الأوبئة وخسارات كبيرة في الأرواح.
مذبحة نوفغورود
لعل أبرز الفظائع التي ارتكبها إيفان في سنواته الأخيرة كانت مذبحة نوفغورود وحرق التتار في موسكو.
فبعد أن تفشى الطاعون في روسيا في العام 1570 مودياً بحياة ما يزيد عن 10 آلاف في مدينة نوفغورود وقرابة ألف شخص يومياً في موسكو، وانتشرت المجاعات في ظل استمرار حرب ليفونيان عديمة الجدوى.. شعر إيفان بالريبة من أن النبلاء في مدينة نوفغورود الغنية كانوا يخططون للانشقاق.
فقرر القيصر استباق الأحداث ومداهمة المدينة ونهبها مع القرى المحيطة بها، مرتكباً مذبحة مروعة يزيد أعداد ضحاياها عن 60 ألف ضحية بحسب بعض المؤرخين، إذ استمرت المذبحة لمدة خمسة أيام وشملت الرجال والنساء والأطفال.
وقيل إن الضحايا بمن فيهم النساء والأطفال قد ربطوا بزلاجات ودفع بهم إلى المياه المتجمدة في نهر فولخوف ليموتوا غرقاً وبرداً، كما قُتل العديد من الرهبان وتعرضوا للتعذيب حتى الموت.
إيفان يقتل ابنه
على الرغم من الحظر المطلق للكنيسة لمسألة تعدد الزوجات إلا أن إيفان تجاوز هذه القوانين وكان له سبع زوجات، بحسب ما يذكر المؤرخون.
ويذكر أنه في عام 1581، قام إيفان بضرب زوجته الحامل (يلينا شيريميتيفا) لارتدائها ملابس غير محتشمة مما أدى إلى إجهاض الجنين.
وبينما لم يستطع ابنه المدعو إيفان أيضاً تحمل هذا المنظر دخل الابن في جدال ساخن مع والده انتهى بأن قام إيفان الرهيب بضرب ابنه على رأسه مخلفاً جروحاً بليغة أدت بالنهاية إلى وفاته.
وقد تم تصوير هذا الحدث في اللوحة الشهيرة لإيليا ريبين التي يظهر فيها إيفان ممسكاً رأس ابنه المقتول بأسى وندم.
لعبة الشطرنج الأخيرة
بالرغم من أن إيفان كان يخاف عاقبة المجازر التي ارتكبها، كما تذكر بعض المصادر التاريخية إلا أنه مات ميتة هادئة إثر جلطة دماغية بينما كان يلعب الشطرنج في في 28 مارس/آذار 1584.
وكان قد انسحب في أواخر أيامه ليعيش حياة الرهبنة، على الرغم من الحروب التي شنها من قبل على السلطة الكهنوتية.
وبعد وفاة أول قياصرة روسيا، انتقل العرش لابنه الأوسط فيودور والذي توفي بلا ذرية لتنحدر روسيا بعد ذلك إلى ما عرف بـ “زمن القلاقل”.