فيما لا يزال كثيرون منا يشيرون إلى إسبانيا باعتبارها “الأندلس”، يوجد في الواقع إقليم جنوبي كامل في المنطقة يدعى “أندلسية” ويشير سكانه إلى أنفسهم باعتبارهم “أندلسيين” ويعتزون بقوميتهم الأندلسية التي ناضلوا طويلاً لانتزاع اعتراف بها من الحكومة الإسبانية.. تعالوا نتعرف معاً على هذا الإقليم:
إقليم أندلسية.. حكم ذاتي واعتزاز بالتاريخ الإسلامي
تعتبر أندلسية أو Andalucía إقليماً إدارياً متمتعاً بحكم ذاتي، ويقع جنوب إسبانيا، ومن المثير للاهتمام معرفة أن هذا الإقليم هو ثاني أكبر إقليم في إسبانيا.
ويضم الإقليم الذي تعتبر إشبيلية عاصمة له، كلاً من ولبة، المرية، قرطبة، مالقة، جيان، غرناطة وقادس. ويشار إلى أهالي هذه المناطق الثمانية عادة باسم “الأندلسيين”.
بالتأكيد يتحدث سكان “أندلسية” اللغة الإسبانية ويتميزون بلهجتهم القشتالية وهي ذاتها اللهجة السائدة في الأمريكيتين في يومنا هذا؛ نظراً لأن حملات الاستكشاف الإسبانية كانت قد انطلقت من إشبيلية (عاصمة أندلسية) إلى الأمريكيتين.
أما عن الديانة، فالمسيحية الكاثوليكية هي السائدة في إقليم أندلسية، لكن ما قد لا يعرفه كثيرون أن الأندلسيين وبالرغم من اعتناق معظمهم للكاثوليكية إلا أنهم متمسكون بقوميتهم كأندلسيين ويعتبرون أندلسية أمة مستقلة ويفخرون بالتاريخ الإسلامي للأندلس.
القومية الأندلسية التي وجدت طريقها للنجاة
بلغت الخلافة الإسلامية في الأندلس أوْجَهَا خلال القرن الثامن الميلادي، حيث كانت تشمل إسبانيا والبرتغال وامتدت وصولاً إلى سبتمانيا في جنوب فرنسا المُعاصرة، بعد ذلك تغيرت حدود الأندلس عدة مرات فراحت تتقلص وتتمدد تبعاً لقوة الخلفاء الذين حكموها إلى أن تفتت إلى دويلات صغيرة حكمها ملوك الطوائف، ثم سقطت بشكل نهائي عام 1492، وقد استطاع المرسكيون الحفاظ على الإسلام في المنطقة مدة 120 عاماً إلى أن تم القضاء على تنظيم النخبة المورسكية عام 1609.
وبالرغم من أن الديانة الإسلامية انحسرت في المنطقة إلا أن القومية الأندلسية وجدت طريقها للنجاة والبقاء حتى يومنا هذا.
ففي عام 1812، تشكلت حكومة ” المجلس الأعلى المركزي” في إشبيلية بعد أن تمكن أهالي أندلسية من هزيمة الغزو الفرنسي، وأعلن الثوار تشكيل دستور جديد للبلاد عرف باسم دستور قادس الذي يقر الديمقراطية ويجعل السيادة للدولة عوضاً عن الملك ويعترف بالأندلسيين كأحد الشعوب الإسبانية ذات الشخصية المميزة.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
لكن بعد انتهاء الاحتلال الفرنسي، ألغى الملك الإسباني العمل بدستور قادس وأرجع السلطة كاملة بيد الملك والكنيسة، فثار الأندلسيون محتجين على هذا القرار وهاجموا مقرات محاكم التفتيش وأحرقوها لكن دون جدوى.
وأعقب ذلك عدة ثورات للأندلسيين يطالبون فيها بالاعتراف بالهوية الأندلسية والتخلص من تسلط النبلاء الإسبان الشماليين على أراضيهم والتحرر من سلطة الكنيسة. لكن نستطيع القول إن مؤسس القومية الأندلسية الحديثة هو السياسي والمفكر الأندلسي بلاس إنفانتي الذي نظم حركة سياسية تدعو إلى الاعتراف بأندلسية كـ”أمة” مستقلة وليس مجرد إقليم تابع لإسبانيا.
علم أخضر مستوحى من راية الموحدين
في عام 1916 افتتح إنفانتي أول “مركز أندلسي” في إشبيلية وأصدر مجلة أطلق عليها اسم “الأندلس”.
وكان هو مؤلف كتاب “النظرية الأندلسية” الذي يتحدث عن تاريخ القومية الأندلسية وضرورة تشكيل أمة مستقلة.
وتبلورت أفكار إنفانتي عام 1918 في اجتماع رندة، الذي دعا إلى الاعتراف بأندلسية كدولة وقومية مستقلة، واختيار العلم الأخضر والأبيض كراية رسمية لها وهو علم مستوحى من الراية التي رفعت على مئذنة جامع إشبيلية بعد انتصار الموحدين في معركة الأرك التي دارت بينهم وبين قوات ملك قشتالة عام 1195.
كما أسس إنفانتي مركز الدراسات الأندلسية، وأصدر كتاب “المعتمد ملك إشبيلية”، وهي قصة مسرحية تاريخية عرف فيها بلاس إنفانتي بجذور الهوية الأندلسية الإسلامية، حيث حرص إنفانتي على تمجيد التاريخ الإسلامي كأساس للهوية الأندلسية ودعا للتخلص من هيمنة الكنيسة.
لكن سرعان ما بدأت الحكومة الإسبانية بالترصد لنشاطات إنفانتي فأقفلت الحكومة المراكز الأندلسية واتهمت القوميين الأندلسيين بمقاومة الدولة وقامت بقمع المعادين للكنيسة.. واضطر إنفانتي لمغادرة أندلسية إلى المغرب؛ حيث انتشرت شائعات عن اعتناقه الإسلام؛ الأمر الذي نفته أسرته تماماً في وقت لاحق، مؤكدة أنه بقي متمسكاً بالتعاليم الكاثوليكية طوال حياته.
وعندما عاد مؤسس القومية الأندلسية إلى بلاده، قبض عليه أتباع فلانخي الإسباني (وهو حزب سياسي فاش متعصب للقومية الإسبانية) وأعدموه رمياً بالرصاص بالقرب من إشبيلية.
وبالرغم من أن أفكار إنفانتي لم تنتصر ولم تستقل أندلسية لتصبح أمة منفصلة إلا أن الأندلسيين لا يزالون يفخرون بقوميتهم حتى يومنا هذا ويعترفون بفضل المسلمين في تكوين القومية الأندلسية.
آثار المسلمين في “أندلسية”
لا عجب أن السياحة هي الداعم الأكبر لاقتصاد هذا الإقليم الجنوبي، ليس بسبب طبيعته الخلابة فحسب إنما بسبب الآثار الفريدة التي خلفها المسلمون هناك.
فإذا كتبت لك زيارة أندلسية يوماً ما لا تنس أن تعرج على مدينة الزهراء في قرطبة، وهي المدينة الأندلسية الشهيرة التي بناها الخليفة الأموي عبد الرحمن الناصر على بعد 13 كم عن قرطبة. وقد استخدم في عمارتها الذهب والرخام وبنيت لتماثل قصور الأمويين في دمشق.
أما وجهتك الثانية فقد تكون كاتدرائية قرطبة التي كانت يوماً ما (جامع قرطبة) ويقال إن الجامع قبل ذلك كان أيضاً كنيسة مسيحية على زمن القوط الغربيين.
لديك أيضاً قصر الحمراء الغني عن التعريف، والذي شَيَّده مؤسس دولة بني الأحمر “الغالب بالله” في مدينة غرناطة.
تعج العاصمة إشبيلية أيضاً بالعديد من الآثار والقصور التي تستحق الزيارة بلا ريب.