الحمدُ لله ربِّ العالمين والصلاةُ والسلامُ على سيّدنا محمّدٍ الصادقِ الوعدِ الأمينِ وعلى إخوانِهِ النبيّينَ والمرسلينَ ورضيَ اللهُ عن أمهاتِ المؤمنينَ و آلِ البيتِ الطاهرينَ وعنِ الخلفاءِ الراشدينَ أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ وعن الأئمةِ المهتدينَ أبي حنيفةَ ومالكٍ والشافعيِّ وأحمدَ وعن الأولياءِ والصالحينَ
سبَبُ وجُود هذه المذاهب الأربعة أن ليسَ في القرآن والحديثِ نَصّ على جميع المسائِل التي يَحتاج إليها أفرادُ البشر، فكانَ المسلم في حياةِ رسولِ الله إذا حدثَت له حادثةٌ يَذهَب إلى رسولِ الله ليَأخُذَ حُكمَ الله فيها أو يذهَبُ إلى مَن يُلازمُ رسولَ الله مِن أصحابِه فلَمّا تُوفي رسولُ الله اختَلف النّاسُ في فَهم بَعض الآياتِ التي تَحتَمل وَجْهَين فقال فيها بعضُ الصّحابة قولا رآه صوابًا وقالَ آخَرُون غيرُ ذلك مما رأَوه صَوابًا ثم عمِلَ كُلٌّ بما رآه صوابًا ولم يَعب هؤلاء على هؤلاء ولا هؤلاءِ على هؤلاء.
ثم جاءَ بعدَ الصّحابة أناسٌ تعَلَّموا منهم العِلمَ فاختَلَفوا في مسائل فقال كُلٌّ على حسَب اجتهادِه مِن غيرِ أن يَخرُجوا عن جُملة أقوال الصّحابة في اجتهادِهم ثم جاءَ بعدَ هؤلاء أناسٌ تلَقَّوا العلمَ عن هؤلاء فاختلَفَت أفهامُهم أيضًا فقال بعضٌ بما يَراه صوابًا وقال بعضٌ غيرُهم بخِلاف ما رأى هؤلاء وحصلَ مثلَ ذلك فيمَن بعد هؤلاء وحصَل لأهلِ كُلّ قَرنٍ الاختِلاف فيما اختلف فيه مِن قِبَلِهم، وحصَل بَينَهم اختلافٌ في مسائلَ جَديدة لم تَحدُث لأهلِ القَرن الذي قَبلَهُم فاجتَهَدوا فيها فاختَلَفوا في اجتِهادِهم كما اختَلف مَن قَبلَهم.
مِثالُ ذلكَ أنّه حَدَث بعدَ الرّسولِ صلى الله عليه وسلم وفاةُ بعضِ الأشخاص عن إخْوةٍ وجَدٍ فاجتَهد أبو بَكر فرأى أن يورّثَ الجَدّ ويَحرم الإخوةَ لأنّه رأى أن الجدَّ بمعنى الأبِ كما أنّه لا تَرث الإخوةُ مع وجودِ الأب قال كذلك لا ترثُ الإخوةُ مع وجُود الجدّ، ورأى زيدُ بنُ ثابت وعليُّ بنُ أبي طالب خلافَ هذا الاجتهاد فقالا بمشَاركَة الإخوة للجدّ في الإرث.
ثم مَن جاء بعدَ الصّحابة اختَلفوا في هذه المسألة فوافَق اجتهادُ بعضٍ اجتهادَ أبي بَكر ووافَق اجتهادُ الشافعِيّ اجتهادَ زَيد وعليّ وكانَ هناك أناسٌ مجتَهدون غيرُ هؤلاء الأربعة الشّافعي ومالك وأبي حنيفة وأحمدَ بنِ حَنبل لكنّ أولئك المجتهدين لم تُدَوّن اجتهاداتهُم بل انقَرضت بانقراضِ أصحَابِها والآخِذِين بها بخلافِ هؤلاء الأربعةِ فإنّ مَذاهِبَهم لم تَندَرس بل بقِيَت مُتَداولَةً بينَ أتْباعهِما فظَهَر هؤلاء الأربعةُ فصارَ المسلمونَ منتَسِبينَ إلى هؤلاء الأربعةِ، بعضٌ منهم إلى أبي حنيفةَ وبعضٌ إلى مالِك وبعضٌ إلى الشّافعيّ وبعضٌ إلى أحمدَ بنِ حَنبل، ولو بقِيَت المذاهبُ الأخرى مدَوَّنةً لجَاز الأخذُ بها لكن هؤلاء الأربعة صارَ لهم هذا الحَظّ وهو بقاءُ مذَاهبِهم متَداولَة فلا يُوجَد اليومَ مَذهَبٌ مُدَوّنٌ هو اجتهادُ أحَدٍ منَ الصّحابة ولا ممن جاءَ بَعدَهم منَ التّابعِين وأتباع التّابعِين وأتباعِ الأتباع وتابعِي التّابعِين وغيرِهم.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website