رغم أن التغير المناخي يهدد حياة البشر على الأرض بشكل عام، إلا أن هناك دولاً تواجه خطر الاختفاء (أو الانقراض بحسب تعبير ممثلها) لوجودها في أعلى قائمة المعرَّضين للطقس المتطرف من ارتفاعات قياسية في درجات الحرارة وفيضانات وارتفاع منسوب البحار والمحيطات.
ويشير مصطلح التغير المناخي إلى التغييرات طويلة المدى في الأحوال الجوية لكوكب الأرض. وتتمثل هذه التغييرات في الارتفاع الشديد لدرجة الحرارة وهطول الأمطار بغزارة مسببة فيضانات قاتلة، ويحدث هذا التطرف في الطقس بصورة متسارعة وربما في نفس الأماكن، مما يؤدي إلى موجات طقس حار وعواصف، وارتفاع منسوب المياه، والنتيجة باختصار هي نقص الغذاء.
وبعد أن أصبحت صور الفيضانات والحرائق تتصدر عناوين الصحف حول العالم، أصدر، يوم الإثنين 9 أغسطس/آب، خبراء المناخ في الهيئة التابعة للأمم المتحدة توقعاتهم الجديدة بشأن مستقبل الكوكب، وهو ما مثل “جرس إنذار للجميع”، بحسب وصف ألوك شارما الوزير البريطاني ورئيس مؤتمر الأطراف الخاص بالمناخ والمنتظر عقده في بريطانيا نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
وتسبب سيل الكوارث المناخية المتسارعة في أنحاء العالم، من الفيضانات في ألمانيا والصين إلى الحرائق الهائلة في أوروبا وأمريكا الشمالية مروراً بموجات القيظ في كندا، في تسريع قيام العلماء بالكشف عن التقييمات الجديدة والتوقعات المرتبطة بارتفاع درجات الحرارة العالمية وارتفاع مستويات المحيطات وحتى اشتداد الظواهر المناخية القصوى.
الدول الأكثر عرضة لكوارث التغير المناخي
وفي ظل هذه الأوضاع المقلقة للغاية، أصدرت مجموعة من الدول نداءات استغاثة، كونها الأكثر عرضة لتغير المناخ، محذرة من أنها “على وشك الانقراض”، بحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC.
التحذير جاء من جانب مجموعة من الدول النامية بعد التقرير التاريخي للأمم المتحدة الذي خلص إلى أن الاحتباس الحراري يمكن أن يجعل أجزاء من العالم غير صالحة للسكن. ووصف زعماء العالم بمن فيهم رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون التقرير بأنه “جرس إنذار للعالم”.
لكن بعض أقوى ردود الفعل على النتائج التي توصل إليها جاءت من بلدان من المفترض أن تكون الأكثر تضرراً، إذ قال محمد نشيد، الرئيس السابق لجزر المالديف، والذي يمثل نحو 50 دولة معرضة لتأثيرات تغير المناخ: “نحن ندفع بأرواحنا ثمن الكربون المنبعث من شخص آخر”.
وتعد جزر المالديف الدولة الأكثر انخفاضاً في العالم. وقال نشيد إن توقعات اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة ستكون “مدمرة” للبلد، ما يضعه على “حافة الانقراض”.
وتشمل قائمة الدول الأكثر عرضة للتغير المناخي في أغلبها دولاً ساحلية وجزراً، لكن هناك أيضا دول لا تمتلك سواحل مثل أفغانستان يهددها أيضاً ذلك الخطر المميت، وإن بدرجة أقل.
وبحسب مؤشر التغير المناخي للدول الأكثر عرضة للتأثيرات القاتلة، كانت دول موزمبيق وزامبيا وجزر البهاماس على رأس الدول التي شهدت طقساً متطرفاً عام 2019، بينما كانت بورتو ريكو وميانمار وهايتي الأكثر عرضة للطقس المتطرف عام 2020.
ووفقاً لأحدث تقرير للجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، ستصبح موجات الحرارة والأمطار الغزيرة والجفاف أكثر شيوعاً وتطرفاً، وهو ما وصفه الأمين العام للأمم المتحدة بأنه “إنذار أحمر (شديد) للإنسانية”.
وبينما تواجه المالديف خطر “الانقراض” بسبب الفيضانات وارتفاع منسوب المياه في البحار والمحيطات، تواجه دولة الإمارات العربية المتحدة الخطر نفسه ولكن بسبب درجات الحرارة المرتفعة، بحسب تقرير نشره موقع يورونيوز في أغسطس/آب الماضي.
وقال خبراء في معهد ماساشوسيتس للتكنولوجيا إن سجل الإمارات الحالي في درجات الحرارة القياسية سيصبح الأمر الطبيعي بحلول عام 2070، وستكون العاصمة “أبو ظبي” بؤرة تلك الحرارة الخانقة.
وتعاني دول الخليج من الارتفاعات القياسية في درجات الحرارة جنبا إلى جنب مع الرطوبة العالية، وهو ما يؤدي إلى وجود ظاهرة يسميها علماء وخبراء المناخ “حرارة المصباح المبلل”. وفي حال عدم اتخاذ إجراءات فورية للحد من الانبعاثات الكربونية، فإن ذلك يعني أن تزداد الأمور سوءا إلى الدرجة التي يستحيل معها العيش في المنطقة.
ارتفاع درجات الحرارة خلال 4 عقود
وفي السياق نفسه، توصّل بحث أجرته BBC إلى أن عدد الأيام فائقة الحرارة التي تشهدها مناطق متفرقة من العالم سنوياً، وهي الأيام التي تتعدى فيها درجات الحرارة 50 درجة مئوية (م)، قد تضاعف منذ ثمانينيات القرن الماضي.
وتوصّل البحث أيضاً إلى أن درجات الحرارة شديدة الارتفاع أصبحت تسجل في مناطق متزايدة من الكرة الأرضية، وهو ما يضع البشرية أمام تحديات جديدة خصوصاً فيما يخص الجوانب الصحية والمعيشية بشكل عام.
وحسب النتائج التي كشف عنها البحث، ازداد العدد الإجمالي للأيام التي تجاوزت فيها درجات الحرارة 50 م في كلٍّ من العقود الأربعة الماضية، فبين عامي 1980 و2009، تجاوزت درجات الحرارة 50 درجة مئوية مدة 14 يوماً في المتوسط، ولكن العدد ارتفع إلى 26 يوماً بين عامي 2010 و2019. وفي الفترة ذاتها، سجّلت درجات تتجاوز 45 م في أسبوعين إضافيين كل سنة بالمعدل.
وتقول الدكتورة، فريدريكه أوتو، وهي إحدى عالمات الطقس البارزات: “إن هذه الزيادة تعزى 100% للاستمرار في استخدام الوقود الأحفوري (النفط والغاز والفحم وغيرها)”.
ومن شأن ارتفاع درجات الحرارة إلى هذه المعدلات أن يكون قاتلاً للبشر والطبيعة عموماً، كما سيسبب مشاكل لا يمكن حصرها بالنسبة للمباني والطرق وأنظمة توليد الطاقة وتوزيعها.
وفي الغالب كانت المناطق التي تشهد درجات حرارة تتجاوز 50 م تقع في الشرق الأوسط والخليج العربي، ولكن، وبعد تسجيل درجات بلغت 48.8 م في إيطاليا و49.6 م في كندا في صيف 2021، يحذّر علماء من أن الأيام التي تصل فيها درجات الحرارة 50 م أو أعلى ستقع في مناطق أخرى ما لم تنخفض الانبعاثات الكربونية الناتجة عن استخدام الوقود الأحفوري.
تقول الباحثة في شؤون الطقس سيهان لي: “علينا التصرف بسرعة، فكلما أسرعنا في خفض الانبعاثات، تحسنت أحوالنا جميعاً”. وتحذّر الدكتورة لي من أن “الاستمرار في زيادة الانبعاثات والتباطؤ في اتخاذ الإجراءات الكفيلة بخفضها، لن يزيد أضرار درجات الحرارة المرتفعة فحسب، ولكن سيجعل معالجة آثارها أكثر صعوبة وتعقيداً أيضاً”.
النفط في قفص الاتهام
تقرير المناخ الصادر مؤخراً قال إن هناك أدلة “قاطعة” على أن البشر هم المسؤولون عن زيادة درجات الحرارة، وأضاف أنه خلال العقدين المقبلين، من المرجح أن ترتفع درجات الحرارة بمقدار 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى ارتفاع مستوى سطح البحر بمقدار نصف متر، ولكن لا يمكن استبعاد ارتفاعه مترين بحلول نهاية القرن.
وكان جاستن روالت مراسل BBC المتخصص في البيئة قد نشر تقريراً مطلع العام الجاري نقل فيه عن أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة قوله إنه “يعتقد أن 2021 سيشهد نجاحَ أو فشل عملية مواجهة تغير المناخ”.
وتضع هذه الصورة المثيرة للقلق على عاتق زعماء الدول في مؤتمر المناخ المقبل في غلاسكو اتخاذ قرارات حاسمة لإنقاذ مستقبل الكوكب قبل فوات الأوان، وأبرز هذه القرارات العمل على القضاء بشكل تام على الانبعاثات الكربونية بحلول عام 2050.
وبحسب علماء المناخ، تمثل عملية حرق الوقود الأحفوري مصدراً رئيسياً لتلك الانبعاثات، وبالتالي تشمل الخطوات المطلوب اتخاذها فوراً وضع نهاية لاستخدام الفحم ووقف قطع الأشجار والتحول إلى المركبات الكهربائية والاستثمار في الطاقة المتجددة.
لكن في ظل الاعتماد على النفط بصورة ضخمة حتى الآن، يبدو أن العالم يواجه تحدياً صعباً للغاية، بل يراه بعض المراقبين الأكثر تشاؤماً مستحيلاً، لاتخاذ قرارات كبرى تتعلق بالحد الفوري من الانبعاثات الكربونية الناتجة عن استخدام الوقود الأحفوري، وذلك خلال اجتماع نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
لكن هناك مقاومة عنيفة من جانب كثير من الدول والشركات العملاقة ستجعل من مسألة اتخاذ القرارات المطلوبة لمواجهة التغير المناخي والالتزام بها بشكل صارم تحدياً من الصعب التكهن بنتيجته، خصوصاً أن قائمة الدول المهددة “بالانقراض” أولاً- إن جاز التعبير- تنتمي في أغلبيتها إلى تصنيف الدول النامية، ولكن ليست جميعها كذلك.
المصدر: عربي بوست + رويترز + بي بي سي
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website