21 عاما مرّت على انطلاق شرارة الانتفاضة الثانية من باحات المسجد الأقصى المبارك، ويأبى المقدسيون، ممن شهدوا أحداث 27 و28 سبتمبر/أيلول عام 2000، محو تفاصيلها من ذاكرتهم. بل حرصوا على أرشفتها، وسرد مشاهدها المؤلمة بين الحين والآخر.
ففي صبيحة الخميس 27 سبتمبر/أيلول من ذلك العام، اقتحم زعيم المعارضة الإسرائيلية آنذاك أرييل شارون المسجد الأقصى بحماية نحو ألفين من الجنود والقوات الخاصة، وبموافقة من رئيس الوزراء حينها إيهود باراك.
اقتحام شارون.. الشرارة
في ذلك اليوم، واكب الشيخ ناجح بكيرات نائب مدير الأوقاف الإسلامية في القدس تفاصيل اقتحام شارون للأقصى من داخل مكتبه في قسم المخطوطات الذي تطل إحدى نوافذه على باب المغاربة (أحد أبواب المسجد الأقصى).
يعود بكيرات بذاكرته عقدين إلى الوراء ويسرد -للجزيرة نت- تفاصيل الساعات الدامية، قائلا إن عناصر كبيرة من القوات الخاصة اقتحمت الأقصى ومشطت ساحاته قبيل وصول شارون، وحاصرت من فيه داخل المباني والمصليات.
“بالكاد تمكنتُ من رؤية رأسه من بين القوات التي كانت تحميه وتسير أمامه وخلفه وعلى جانبيه، وبمجرد وصوله أمام المصلى القبلي، ردّ المصلون المحاصرون داخله بإلقاء حاملات المصاحف الخشبية والأحذية تجاهه، وبدأت القوات الخاصة بإطلاق الرصاص المطاطي والقنابل الصوتية تجاههم”.
يذكر بكيرات أن قوات الاحتلال أغلقت حينها كافة أبواب المسجد الأقصى بوجه المصلين على مدار ساعات، لكن أعدادا منهم وصلت عبر أسطح المباني المجاورة، إذ لم يكن السياج الإلكتروني -المقام حاليا- قد اكتمل تثبيته على الأسطح آنذاك.
مع حلول يوم الجمعة، تجمع المقدسيون بأعداد كبيرة داخل المسجد الأقصى لأداء صلاة الجمعة، وبمجرد فراغهم منها، باغت الاحتلال المصلين بالهجوم عليهم، وفق بكيرات.
“اندلعت المواجهات وسقط العشرات على الأرض بين جرحى وشهداء. أحد الشبان بجواري -قادما من مدينة الخليل جنوبي الضفة الغربية- أطلق عليه جندي رصاصة معدنية مغلفة بالمطاط فأصابت عينه وفقأتها في مشهد مؤلم جدا”.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
سالت دماء المصلين كالشلال عند “سبيل البراق” وفي الطريق الواصلة بين المتحف الإسلامي والمصلى القبلي، وعند منبر برهان الدين الواقع في صحن مصلى قبة الصخرة المشرفة، وفقا لما شاهده الشيخ بكيرات بأم عينه.
وأضاف “كان هدف قوات الاحتلال حينها إصابة أكبر عدد من المصلين، والتسبب بإعاقات دائمة لهم، في محاولة لإثبات الوجود الإسرائيلي وإرهاب المجتمع المقدسي”.
قمع وقناصة
أما الناشط المقدسي المعروف ناصر قوس، فقد شهد أحداث انطلاق شرارة الانتفاضة الثانية من الأقصى على مدار يومين. وقال إنه كان موجودا في ساحات المسجد مع القيادي الفلسطيني الراحل فيصل الحسيني وعدد من الشخصيات المقدسية وأعضاء الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) العرب. وقبيل اقتحام شارون طوقتهم القوات الخاصة، ومنعتهم من التحرك.
يقول قوس للجزيرة نت: “تمكنتُ مع 3 أشخاص آخرين من الخروج من الدائرة وسرنا نحو المصلى المرواني، ووقفنا عند الدرج المؤدي إليه. وعند وصول شارون للمكان، بدأت القوات الإسرائيلية الخاصة بدفعنا إلى الخلف بوحشية”.
لكن الآلام التي سببتها الرضوض المختلفة في جسده، لم تثنه عن التوجه في اليوم التالي إلى المسجد الأقصى. ووصف ما حدث يومها بـ”المجزرة” مع استشهاد 7 فلسطينيين في ساحات الأقصى وإصابة العشرات.
يقول قوس -الذي يرأس نادي الأسير الفلسطيني في القدس- ” في ذلك اليوم، رأيت أصعب المشاهد في حياتي؛ العشرات يسقطون على الأرض ويصرخون من ألم الإصابة بالرصاص، كنا نهرول لنقلهم إما للعيادة أو باتجاه باب الأسباط لإخراجهم، في ظل منع طواقم الإسعاف من الدخول والعمل بباحات الأقصى”.
ويكشف قوس أن قناصين إسرائيليين -تمركزوا على أسطح الأبنية المطلة على الأقصى- كان لهم الأثر البالغ في إيقاع عدد كبير من الشهداء والمصابين.
انتفاضة مسلحة واجتياحات
خلال هذه المواجهة، صدحت مآذن الأقصى بالتكبيرات والنداءات وكذلك مآذن البلدات المقدسية عامة. ولم تهدأ المواجهات التي بقيت مشتعلة في كافة أحياء المدينة، لتنطلق من المسجد شرارة الانتفاضة الثانية.
وسرعان ما امتدت المواجهات إلى كافة نقاط التماس في جميع أنحاء فلسطين، ثم تحولت إلى انتفاضة مسلحة، وبلغت ذروتها باجتياح دبابات الاحتلال الإسرائيلي المدن الفلسطينية التي تخضع لإدارة السلطة الفلسطينية، ومنها رام الله، حيث حاصرت الآليات العسكرية الإسرائيلية الثقيلة مقر الرئيس ياسر عرفات وقصفت عدة مرافق فيه عام 2002.
واستمر حصار عرفات حتى نهاية عام 2004 حيث تدهورت حالته الصحية ونُقل إلى فرنسا، لكنه توفي في ظروف استدعت اتهام إسرائيل بتدبير اغتياله خلال الحصار.
آلاف الشهداء.. وما زال الأقصى
قتلت إسرائيل خلال 5 سنوات من الانتفاضة، التي سميت أيضا “انتفاضة الأقصى”، 4412 فلسطينيا، وأصيب نحو 49 ألفا. بينما قُتل 1100 إسرائيلي، بينهم 300 جندي، وجُرح نحو 4500 آخرين.
ورغم مرور عقدين على اندلاعها، فلا يزال المسجد الأقصى المحرك الأكبر للفلسطينيين في المواجهة مع إسرائيل، التي كان آخرها التصعيد الذي رافق محاولات المستوطنين اقتحامه خلال شهر رمضان الأخير، الذي دفع المقاومة الفلسطينية إلى توجيه ضربات صاروخية إلى مستوطنات القدس وإلى “إسرائيل”، التي ردت بقصف استمر 11 يوما خلال مايو/أيار الماضي، على قطاع غزة، وخلّف نحو 300 شهيد ومئات الإصابات.
المصدر: الجزيرة نت