شرعت دولة الاحتلال الإسرائيلي في سحب عدد من ألويتها العسكرية من قطاع غزة، في إطار انتقال الحرب إلى المرحلة الثالثة، التي يُفترض أن تشهد تحولاً باتجاه عمليات أكثر استهدافاً ضد حركة حماس، وتعيد قدراً من جنود الاحتياط إلى الحياة المدنية؛ لمساعدة الاقتصاد الإسرائيلي مع دخول العام الجديد الذي قد تستمر فيه الحرب بصورة أو بأخرى.
وقال مسؤولون إسرائيليون إنهم خطّطوا لشن الهجوم على ثلاث مراحل رئيسية، تمثلت المرحلة الأولى منها في القصف المكثف الذي دمر البنية التحتية المدنية وبيوت الفلسطينيين، ودفع السكان إلى النزوح القسري، وتمثلت الثانية في الغزو البري الذي بدأ في 27 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
حرب غزة تعمق خلافات حكومة نتنياهو والتباين مع واشنطن
يقول تقرير لـموقع أسباب المتخصص بالشؤون الجيوسياسية والاستراتيجية٬ إن حكومة الاحتلال حاولت إطالة أمد المرحلة الثانية من الحرب قدر المستطاع، لكنها اضطرت لاحقاً لتسريح جزء من القوات العاملة في القطاع، وأعلنت الانتقال للمرحلة الثالثة في مناطق شمال غزة، مع استمرار زخم العمليات العسكرية في مدينة خان يونس التي ضخ فيها جيش الاحتلال أكثر من 7 ألوية عسكرية، لا تزال تواصل عملياتها داخل المدينة منذ شهر ونصف.
على وقع مراوحة العمليات العسكرية مكانها، بات واضحاً أن تحقيق “الحسم العسكري” أمر بعيد المنال، وأن جيش الاحتلال ليس لديه القدرة على تحقيق “أهداف الحرب” المعلنة في قطاع غزة باستثناء تدمير أسس الحياة المدنية، وهو الأمر الذي ينعكس على تعقد المشهد السياسي في ظل زيادة الضغوط الدولية والأمريكية لتغيير شكل الحرب دون وجود تصور لكيفية إنهائها.
في الوقت نفسه٬ تتواصل المساعي المبذولة أمريكياً لاحتواء التصعيد الإقليمي والذي بات يأخذ منحى أكثر تصاعداً، مع تورط الولايات المتحدة في التصعيد على جبهة اليمن، واقتراب دولة الاحتلال من عتبة الحرب في جنوب لبنان، عدا عن الضربات المستمرة ضد القواعد الأمريكية في سوريا والعراق، فيما تعتقد أوساط داخل الإدارة الأمريكية أن انتقال حكومة نتنياهو للمرحلة الثالثة من الحرب في قطاع غزة قد يوفر مناخاً إقليمياً مواتياً لاحتواء التصعيد الإقليمي.
تباين الرؤى حول أهداف الحرب
يقول موقع أسباب إن الهدف العام للحرب ما زال محل اتفاق بين الولايات المتحدة ودول أوروبا الرئيسية، وبين حكومة الاحتلال الإسرائيلي. هذا الهدف هو “القضاء على حركة حماس”، مع ملاحظة أنه جرى تعديله (ضبطه وعقلنته) بصورة جوهرية ومتدرجة استجابة للواقع وتحررا من قيود الصدمة الأولى التي أحدثها “طوفان الأقصى”، حيث بات الحديث الآن بصورة واضحة عن تعريف دقيق لما يعنيه هذا الهدف:
1- ضمان عدم قدرة حماس على تهديد “إسرائيل” مستقبلاً. ويرتبط بذلك خطط إنشاء مناطق عازلة، وإعادة احتلال محور صلاح الدين، والتمسك الإسرائيلي باستمرار السيطرة الأمنية للاحتلال على غزة بعد الحرب. فضلاً عن مسألة تدمير شبكة الأنفاق والتي يبدو أنها لن تكون أولوية نظراً لصعوبتها.
2- استبعاد حماس من حكم قطاع غزة ما بعد الحرب.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
3- مواصلة استهداف قادة حماس وكوادرها (العسكرية والسياسية على حد سواء) من خلال عمليات أمنية نوعية حتى بعد توقف الحرب المباشرة.
على الرغم من بقاء الاتفاق حول هذا الهدف العام، بات من الواضح أن هناك تبايناً في الرؤى بين الولايات المتحدة ودولة الاحتلال حيال بعض التفاصيل، فضلاً عن الخلاف حول تعريف “المرحلة الثالثة”؛ حيث لا يزال جيش الاحتلال يعمد لاستعمال كثافة نارية عالية في شمال غزة ويقوم بعمليات توغل واسعة من حينٍ لآخر، إضافة لمساعي متواصلة لتهجير السكان تجاه وسط وجنوب قطاع غزة، هذه السياسات تواجه بضغوط أمريكية لا سيما فيما يتعلق بارتفاع عدد الشهداء في أوساط المدنيين، ورفض خطط التهجير التي ما زالت أطراف داخل حكومة نتنياهو تتمسك بها.
على ضوء هذه التطورات، ستكون الأسابيع القادمة حاسمة على صعيد اتجاهات الحرب في قطاع غزة، فإما أن تذهب دولة الاحتلال لخيار تقليل كثافة النيران بصورة صريحة، وبما يؤدي لاستئناف الحياة المدنية في قطاع غزة، أو أن تأخذ الأحداث مساراً أكثر تصعيداً على صعيد رفض تخفيض حدة القصف، وهو الأمر الذي سيقود لاستمرار التصعيد خارج غزة في الساحات الخارجية، وسيُصعب الجهود الدبلوماسية المبذولة أمريكياً لاحتواء التصعيد في الجبهة الشمالية واليمنية، كما أنه سيؤدي لتوسيع التوترات مع الإدارة الأمريكية، الأمر الذي قد يؤدي لتفكيك مجلس الحرب المصغر، واعتماد نتنياهو في المقابل بصورة أكبر على حلفائه من أحزاب الصهيونية الدينية.
اتساع نطاق الخلافات الإسرائيلية الداخلية
تجدر الإشارة إلى أن عجز جيش الاحتلال عن حسم المعركة في قطاع غزة أمام المقاومة الفلسطينية، وعدم نجاحه في تحقيق أهدافه المعلنة، خاصة تحرير الأسرى، بينما تقترب الحرب من إتمام شهرها الرابع، يفتح الباب أمام اتساع نطاق الخلافات الإسرائيلية الداخلية، في ظل إصرار نتنياهو على عدم مناقشة “اليوم التالي” وتجنبه التطرق لقضايا حيوية ستؤثر على مستقبل الحرب.
ويمكن استحضار القضايا الأكثر حساسية من الرسالة الخطّية التي وجهها الوزير الإسرائيلي بني غانتس مباشرة لنتنياهو ولمجلس الأمن القومي، والتي طالب فيها بالتالي:
- إعادة النظر في أهداف الحرب والالتزام بها، في محاولة لوضع قضية الأسرى والمحتجزين في المقدمة، بكل ما يحمله ذلك من تغييرات جذرية في سياسة الحرب الإسرائيلية.
- قضية محور صلاح الدين (فيلاديلفيا) ومعبر رفح. وهذا موضوع في غاية الحساسية إسرائيليا، وبينما تتمسك الرؤية الأمنية بضرورة إحكام السيطرة على كافة حدود القطاع لضمان منع أي أنشطة تهريب مستقبلية، فإن مسألة المحور تهدد بتوتر في العلاقات مع مصر، وهو أمر تحرص الحكومة والمؤسسة الأمنية على تجنبه.
- مناقشة الموقف من مسألة اليوم التالي، لأن هذه القضية ستحدد الأفق السياسي للحرب، لكن نتنياهو يماطل في هذه القضية لانعكاساتها المباشرة على تماسك ائتلافه الحكومي، خاصة أن حلفاءه المتطرفين يصرون على إعادة الاستيطان إلى قطاع غزة وتهجير جزء من سكان القطاع. وهي إجراءات لن تكون محل إجماع داخلي، فضلاً عن الرفض الخارجي الذي تواجهه حتى من شركاء “إسرائيل” الدوليين.
- بحث آليات المساعدة الإنسانية في المناطق التي ينسحب منها الجيش، إذ إن التقييم الإسرائيلي يشير إلى أن حماس عادت لتسيطر على المناطق التي انسحب منها الجيش في شمال غزة. ولا يوجد حتى الآن تصور قابل للتطبيق بخصوص إنشاء “سلطة مدنية” حليفة للاحتلال.
- تحديد موعد لنهاية مهلة الحل السياسي على الجبهة اللبنانية، وإجراء حوار مع رؤساء السلطات المحلية في الشمال والجنوب وبحث مطالبهم. بالإضافة لبلورة مسار لعودة المستوطنين إلى البلدات المهجورة. وهو ملف يثير القلق الدولي، خاصة من قبل الولايات المتحدة وفرنسا، نظراً لأن تداعيات أي مواجهة عسكرية مفتوحة مع حزب الله ستكون أوسع من قدرة الأطراف الإقليمية والدولية على احتوائها.
في النهاية٬ يقول “أسباب” إن هذه القضايا لا تزال دون إجابة حقيقية في أوساط صنع القرار الإسرائيلية، خاصة في ظل التحديات المرتبطة بالتطورات الميدانية والتي لا تسير بالضرورة وفق تطلعات المستوى السياسي وقيادة الجيش، حيث باتت تدرك الأخيرة أن عدم الإجابة على هذه التساؤلات يقضم مما تعتبره “الإنجازات الميدانية” التي جرى تحقيقها طيلة الشهور الماضية وفق تقييمهم.