كان مولد سيد الخلق محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم إيذانا بميلاد فجر جديد للبشرية يأخذ بأيديها إلى الحرية ويعمر أفئدتها بالنور، فانطلق شعراء العربية ينشدون أروع القصائد تعبيرا عما يجيش فى صدورهم من مشاعر فياضة نحو المصطفى صلى الله عليه وسلم فى كل عام تتجدد فيه ذكرى مولده الشريف.
وقد أقبل الشعراء على النظم فى المولد النبوى الشريف إقبالاً كبيراً حتى نشأ فن جديد تفرع من المدائح النبوية أطلق عليه “المولديات” وهى القصائد التى كانت تنظم خصيصاً لتنشد فى احتفالات المولد، كما يقول الدكتور محمد متولى أستاذ البلاغة والنقد الأدبى بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة وكانت بردة الإمام البوصيري -التى عارضها شوقى والبارودى وغيرهما من كبار الشعراءــ أبرز معالم المديح النبوي، وإن كانت همزية شوقى التى تغنى بها فى ذكرى المولد تعتلى عرش قصائد المديح من حيث رواجها بين الناس، وقد استهلها بقوله:
وُلِـدَ الـهُـدى فَـالكائِناتُ ضِياءُ… وَفَـمُ الـزَمـانِ تَـبَـسُّـمٌ وَثَناءُ
الـروحُ وَالـمَـلَأُ الـمَلائِكُ حَولَهُ … لِـلـديـنِ وَالـدُنـيـا بِهِ بُشَراءُ
وتأتى تلك الهمزية معارضة لهمزية البوصيرى التى قال فى مستهلها:
كيف ترقَى رُقِيَّك الأَنبياءُ … يا سماءً ما طاوَلَتْها سماءُ
وذلك يذكرنا بميميته المسماة نهج البردة التى عارض فيها صاحبه، وكان البوصيرى قد استهل ميميته بقوله:
أمِنْ تذَكُّرِ جيرانٍ بذي سلمِ…مزجتَ دمعاً جرى من مقلة ٍ بدمِ؟
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
فقال شوقى:
ريمٌ عَلى القاعِ بَينَ البانِ وَالعَلَمِ… أَحَلَّ سَفكَ دَمي في الأَشهُرِ الحُرُمِ
وتسمية البردة ونهج البردة ذات رباط معنوى ببردة الرسول صلى الله عليه وسلم التى قال البوصيرى إنه كان مريضا فرآه فى منامه يلفه فى بردته، فلما أفاق من نومه وجد نفسه معافى فكتب قصيدته، ومن هنا جاءت التسمية، غير أن ذلك يذكرنا بصاحب الجائزة الأول وهو كعب بن زهير أحد شعراء الرسول وقد مدحه بقصيدته الشهيرة التى بدأها بقوله:
بانَت سُعادُ فَقَلبي اليَومَ مَتبولُ…مُتَيَّمٌ إِثرَها لَم يُفدَ مَكبولُ
ويقول فيها:
إِنَّ الرَسولَ لَنورٌ يُستَضاءُ بِهِ…مُهَنَّدٌ مِن سُيوفِ اللَهِ مَسلولُ
ولا ننسى حسان بن ثابت الأنصارى وهو أول من اشتهر بشاعر الرسول،
وقد مدحه بقوله:
وَأَحسَنُ مِنكَ لَم تَرَ قَطُّ عَيني …وَأَجمَلُ مِنكَ لَم تَلِدِ النِساءُ
خُلِقتَ مُبَرَّءًا مِن كُلِّ عَيبٍ… كَأَنَّكَ قَد خُلِقتَ كَما تَشاءُ
كما لا ننسى كعب بن مالك وعبدالله بن رواحة من شعراء الرسول السباقين إلى الذود عنه وعن حياض الشريعة الغراء. وهناك من شعراء مصر من نظموا فى المديح النبوى مثل عائشة التيمورية وأحمد محرم ومحمود حسن إسماعيل وحافظ إبراهيم وحفنى ناصف ومحمد عبدالغنى حسن وديوانه (من وحى النبوة) ود. مختار الوكيل وديوانه (على باب طه).
وفى هذه المناسبة الكريمة أصدرت دار النخبة كتاب “شعراء الرسول”أعده الشاعر السورى الدكتور براء الشامى، انتقى فيه أفضل وأجمل ما قيل فى مديح المصطفى من إبداع نخبة من الشعراء العرب المعاصرين على الفيسبوك، وجرى اختيار هؤلاء الشعراء بعد منافسة كبيرة وضمن لجنة تحكيم ليخرج هذا الديوان النفيس متميزا بالضبط والمراجعة والجزالة والبعد عن الغلو وموافقا المعتقد الصحيح الذى عليه صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم ومن اهتدى بسراجه المنير.
ومن شعراء هذا الديوان د.عائض القرنى الذى يصف فى قصيدته “تاج المدائح” الجو العام الذى ولد فيه الحبيب صلى الله عليه وسلم فيقول:
الكون يسأل والأفلاك ذاهلة …والجن والإنس بين اللاء والنعم
والدهر مؤتلق والجو مبتهج …والبدر ينشق والأيام في حلم
سرب الشياطين لما جئتنا احترقت… ونار فارس تخبو منك في ندم
وصفد الظلم والأوثان قد سقطت …وماء ساوة لما جئت كالحمم
ويقول د. عبدالرحمن العشماوى فى قصيدته “عناقيد الضياء” بعد انتقاده ما رآه من بدع الاحتفال بالمولد:
أنا لست أعرف كيف يجمع عاقل… بين امتداح نبينا و”الطيار”
حب الرسول تمسك بشريعة… غراء فى الإعلان والإسرار
حب الرسول تعلق بصفاته… وتخلق بخلائق الأطهار
ويصف الشاعر محمد أحمد الجوير فى “قصيدة قبس من نوره” ليلة المولد قائلا:
فى ليلة ولد النبى محمد .. ولدت به التاريخ والأقلاما
يا نور آمنة أضاء قصورها.. فغداً يؤم الفاتحون الشاما
وتهاوت الأصنام حول البيت لا .. حول لها من يمنع الأصناما؟
ويمضى الشاعر سالم الضوى – من السعودية – فى وصف حدث الميلاد العظيم فيقول:
ولد اليتم فكل يتم بعده ..
شرف ويشهد ذلك الميلاد
نور أضاء وقد أطل وسيفه ..
قتل الظلام وحده وقاد
نور على نور يبشر وجهه ..
أن الزمان تحفه الأعياد
وتبين الآيات فى ميلاده ..
عن قائد خضعت له القواد
وفى قصيدة “حمأة الضوء” يقول الشاعر تمام حسين – من سورية –
مخاطبا سيد العالمين:
ولدت فى غمرة نوراً وتبصرة … للعالمين بذكر غير منتقد
كأن جبريل لما جاء محترزا … وشق ما شق لكن دونما كبد
قد طهر الكون فى جنبيك معجزة … وظل قلبك مخضلا بلا رمد
وقمت أنت ضياء الدين جذوته … وسيفه الخالد الممشوق بالربد
تجر خلفك فجرا أنت مولده … حتى أضأت بحق غير مقتصد