كان ساموري توري زعيماً إفريقياً فريداً أعاد إحياء فكرة الفتوحات الإسلامية، فنشر الإسلام في العديد من المناطق المجاورة لحدود مملكته بعد أن استولى عليها، وحارب الاستعمار الفرنسي طوال 13 عاماً.
وبالرغم من أن توري كان أمياً فإنه اهتم اهتماماً خاصاً بافتتاح المدارس والمساجد وتحفيظ القرآن، ورغم أنه ابن أسرة بسيطة الحال فإنه تمكن من تأسيس مملكة قوية والسيطرة على مصادر الذهب في منطقته ومد فتوحاته لتصل إلى النيجر.
من هو ساموري توري؟
يُعد ساموري توري من أبرز الزعماء الأفارقة المسلمين في العصر الحديث، فقد لعب دوراً هاماً في إفريقيا قبل الاستعمار وبعده، وحارب المستعمرين الغزاة طوال 13 عاماً.
ولد ساموري في سانكورو في المنطقة التي تعرف اليوم باسم جمهورية غيينا عام 1830، ليصبح فرداً جديداً في مجتمع “الديولا” التجاري المعروف في المنطقة، وبدأت قصته عندما بلغ الثامنة عشرة من عمره، إذ أرسله والده إلى صديق له في ساحل العاج ليتعلم تجارة السلاح، وفقاً لما ورد في موقع Britannica.
في ساحل العاج بدأ ساموري باستكشاف آفاق جديدة، خصوصاً أن طبيعة عمله تطلبت السفر إلى عدة مناطق في غرب إفريقيا، والتعرف عن كثب على نظام حياة عدة مجتمعات هناك، وبدأ يفكر في نفسه: يتوجب عليّ بناء إمبراطوريتي الخاصة.
ساموري ينقذ والدته من الأسر
أحلام ساموري وطموحاته رافقته في جميع أسفاره، ورغم أنه امتلك العديد من المهارات فإنه لا يزال يفتقر إلى الخبرة، التي ستجعل منه في المستقبل قائداً عظيماً. تغير ذلك عندما تعرضت والدته للأسر عام 1852، من قبل ملك بيساندوغو الوثني.
عندما سمع ساموري بالخبر راح يفكر في طريقة لإنقاذ والدته من الأسر، ولم يكن أمامه في نهاية المطاف سوى أن يعرض على الملك أن يدخل بخدمته سبع سنوات مقابل الإفراج عن والدته، وهذا ما كان.
وخلال تلك المرحلة اكتسب ساموري الكثير من المهارات الدبلوماسية، فضلاً عن تعلمه فنون الإغارة والحروب.
لم ينسَ ساموري أحلامه القديمة، وكوّن جماعة تولى رئاستها بنفسه وأقسم على بناء دولة إسلامية في تلك المنطقة، وقام بتسليح رجاله وتدريبهم على فنون القتال، ومن بعد ذلك بدأ نفوذه بالامتداد.
توحيد القبائل الإفريقية
بدأ ساموري توري حركاته التوسعية عام 1874، إذ بدأ غزواً تدريجياً لكل القرى المجاورة لعاصمته، وتحالف مع المسلمين في مدينة كانكان، وبهذا استطاع أن يهزم العديد من القبائل، ونجح في تحطيم كل القوى المنافسة له، وصار أكبر قائد لإمبراطورية إسلامية عرفها شعب المالينك.
وفي عام 1884 أعلن ساموري توري نفسه إماماً للمسلمين، وطلب من رعاياه الوثنيين اعتناق الإسلام، ومنع شرب أو بيع الخمر في مملكته ومنع العادات الوثنية، وبدأ في تطبيق الشريعة الإسلامية.
وأنشأ توري جيشاً قوياً قسمه إلى 3 أقسام، الأول للتصدي للفرنسيين ومنعهم من دخول البلاد، والثاني لحفظ الأمن في البلاد، والثالث خصَّصه للتوسعات والفتوحات الجديدة للقضاء على الوثنية ونشر الإسلام.
وقد أكثر الزعيم الإفريقي من بناء المدارس والمساجد، واهتم بتحفيظ القرآن.
وامتدت سلطة توري لينضوي تحت نفوذه 162 إقليماً يضم كل إقليم 20 قرية، يترأس كلاً منها زعيم، حيث يشرف قادة الأقاليم على الزعماء، بينما يشرف الإمام على قادة الأقاليم.
قتل ابنه كي لا يؤثر على حركة الجهاد
من الجدير بالذكر أن ابن ساموري أيضاً تعرّض للاختطاف عندما كان عمره 12 عاماً، لكن هذه المرة كان الفرنسيون هم من اختطفوه، واصطحبوه إلى فرنسا 6 سنوات، حيث تأثر بالثقافة الغربية، ثم عاد إلى بلده شاباً، يطالب والده وقومه بالتخلي عن فكرة الجهاد، فما كان من والده إلا أن قتله أمام حشد من الناس؛ كي لا يؤثر على حركة الجهاد، وخطب فيهم: ليعلم الغرب الكافر أن لا أثمن وأغلى عند المسلم من دينه، وأنهم لن يمنعونا الجهاد بسلبهم عقول أبنائنا، ولسوف نذبحهم بأيدينا قبل الخروج للجهاد ضد الكفار، حتى لا يكون هناك شيء أحب إلينا من الله ورسوله ودينه.
نابليون الإفريقي الذي جاهد الفرنسيين 13 عاماً
ابتداءً من العام 1870، كانت فرنسا قد بدأت بالتوسع في غرب إفريقيا، ومع ازدياد نفوذ ساموري توري وضعت فرنسا مملكته نصب أعينها.
وكان لتوري عدو مسلم هو تيبا، حاكم كندوجو، الذي استغلّ الأطماع الفرنسية لمهاجمة جاره، فكان غالباً ما ينسق مع الفرنسيين لترتيب هجوم مزدوج ضد جيوش ساموري توري.
واستمر القتال بين الطرفين إلى أن توصلا لهدنة تنجلي بموجبها قوات توري من الضفة اليسرى لنهر النيجر تماماً، ويعترف باستيلاء فرنسا عليها وعلى مناجم الذهب في بوريه، وفي المقابل تعترف له فرنسا بملكيته للضفة اليمنى من النهر.
استمرت الحروب إجمالاً بين جيش توري والفرنسيين قرابة 13 عاماً، كبّد خلالها الزعيم الإفريقي الفرنسيين الكثير من الخسائر في الأموال والرجال، بالرغم من بدائية أسلحته، حتى إن القائد الفرنسي “بيروز” أطلق عليه لقب “نابليون الإفريقي”، وفقاً لما ورد في موقع TRT World..
وقد استطاع الفرنسيون الاستيلاء على مدينتين من مدن ساموري توري، وهما: كانكان، وبيساندوجو، لكن الزعيم الإفريقي أحرقهما قبل الخروج منهما، كي لا يشكلا أي فائدة للفرنسيين.
أما مملكة ساموري فقد أطلق عليها الفرنسيون اسم “المملكة المتنقلة”، وذلك لأن ساموري كان كلما فقد جزءاً من أراضيه أمام الفرنسيين قام بتعويض هذا الجزء بضم أجزاء أخرى من الممالك الوثنية المجاورة، فلا يتغير حجم مملكته، بل تتغير حدودها فقط.
وتوالى على الجيش الفرنسي عدة قادة، لم يستطع أي منهم إخضاع ساموري، فقد توالت الحملات على مملكته، لكنها كلها باءت بالخسائر الكبيرة التي تكبدها الفرنسيون.
حفيده أول رئيس لغينيا المستقلة
لجأت فرنسا إلى الحيلة بعد خسارتها عدة حروب أمام ساموري توري، فعقدت معه هدنة، قبِلها لحاجته إلى الراحة، وليتفرغ لنشر الإسلام في القبائل المجاورة، لكن الفرنسيين نكثوا ميثاقهم عام 1898، حيث عادوا لقتال توري، الذي أخطأ فدخل الغابات الاستوائية وجبال الدان في فصل الأمطار، فأصابت جنده المجاعة.
واشترط الفرنسيون على توري أن يأتي بأبنائه كرهائن ويسلم أسلحته كي يسمحوا له بالنجاة بنفسه، لكنه آثر مواصلة القتال حتى تم القبض عليه ونُفي إلى جزيرة أوجويه، حيث توفي عام 1900.
وعقب هذه المعركة فرضت فرنسا سيطرتها في غرب إفريقيا، وتولى أحمد أحمد سيكو توري، حفيد ساموري توري، المقاومة من بعد جده، ليصبح أول رئيس لغينيا، التي حصلت على استقلالها عام 1958.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website