كثيراً ما يحتفل التاريخ ويحفل بإنجازات الغرب العظيمة في شتّى العلوم والمعارف، وكثيراً ما يتغنّى بأسماء الفلاسفة والمفكرين الذين ينتشر ذكرهم في كل مكان، الذين لا يكاد يوجد أحدٌ إلا وقد عرف بسيرة حياتهم وسمع إنجازاتهم، وإن لم يكن يعرف إنجازاتهم، إلا أنه قد سمع بإسمهم ورُسِخ في ذاكرته بأن هذا الإسم هو لعالم فذٍ عظيم قد أنار بعلمه عصوراً من الظلام وبنى بفكره بنياناً من العلم مثل: ماري كوري، وجاليلو جاليلي، وأينشتاين، وأرسطو ونيوتين وغيرهم الكثير.
وصلَ صيت هؤلاء العلماء إلى كل مكان وأخذوا حقهم في ذِكر بحوثاتهم وفي جعلهم مفخرة للأمم، وكنّا نحن الشعوب العربية من الأوائل الذين دعمنا هذه الأعمال وعظمناها، ولم نتوقف هنا بل سعينا إلى إدخالهم إلى مناهجنا وكتب أولادنا وأعطيناهم الأولوية ليعرفوا من هم، ونسينا أنَّ تاريخنا العربيّ والإسلاميّ يزخر بالعلماء والمفكرين الذين قد يكونوا سبقوا هؤلاء العلماء بإنجازاتهم، وحتى أن بعض علماء الغرب قد إستندوا في دراساتهم على أبحاث العلماء المسلمين.
لم يكن تاريخنا يوماً يفتقر إلى العلم والعلماء، وعصور الظلام التي تحدثت عنها أوروبا كانت هي عصور النور والمعرفة على الحضارة الإسلامية، ففي الوقت الذي عانت فيه أوروبا من النزاعات الداخلية والصراعات كانت الحضارات العربية الإسلامية تبني المكتبات وتؤلف المؤلفات الطبيّة والعلميّة والهندسيّة التي سرقها الغرب لاحقاً أو أكلتها نيران الحقد والكره ضدهم. لم نكن مثل الغرب منصفين في حقِّ مفكرينا، بل سعينا إلى تمجيد غيرهم متناسين فضلهم على حياتنا اليوم، فالذي لا ندريه أنَّ علماءَنا هم من وضعوا أسس الهندسة وأسس الطب، ومنهم من فسّر كيف نرى، وكيف ممكن أن نطير ولولاهم لما عرفنا اليوم البوصلة.
ولكن ولأن ما أنجزوه عظيمٌ جداً، هناك من دفعت به الحميّة للبحث عنهم وإظهار الحقيقة للناس، وهي أنّ لنا تاريخٌ مشرّف، تاريخٌ قامت عليه حضارات العالم قديماً وحديثاً، فكانت فكرة “ألف اختراعٍ واختراع” من أوائل المشاريع التي سعت لإظهار العلماء المسلمين إلى النور ليراهم الناس بوجههم الحقيقي الذي ظلمه التاريخ والذي سعى البعض عمداً لمحو اسمهم؛ لإظهار أنه لا حضارة للعرب ولا للمسلمين، ولم تقم لهم قائمة في التاريخ. “ألف اختراعٍ واختراع” من أعظم المشاريع التي ظُلِمت أيضاً ولم تنال شهرة واسعة، وأظن أن من واجبنا الأن أن ندعمها وأن نكون من أوائل الذاكرين لإسم المشروع وابداعاته.
استند البعض على فكرة هذا المشروع ليوصل إلى العالم العربيّ قبل الغربيّ حقيقة التاريخ، فكانت الأردنّ من أوائل الساعين لرفع إسم المشروع من خلال إفتتاح ما يعرف الأن بـ”متحف الأردنّ” الواقع في وسط البلد، الذي يضم قسم خاص يشرح فيه عن العلماء العرب النوابغة وعن تاريخهم. يحتوي المتحف على مجسماتٍ لهم وعن فعالياتٍ وألعابٍ وصورٍ حركيَّة تجذب الصغير قبل الكبير ليكون على إطلاعٍ كامل بالحضارة الإسلامية. لا أكاد أُخفي إعجابي العظيم بهذا العمل، الذي استطاع القائمين عليه على تطبيق الفكرة بأسلوب ذكيّ، علميّ، أنيق يوصل المعلومة بسلاسة، ويليق بمكانة علمائِنا الأفاضل الذين لولاهم لما عرف العالم الكثير من العلوم.
تضَمن المتحف ذِكراً للكثير من الشخصيات المهمة وسأذكر خلال المقال أهم الشخصيات التي تم شرحها بالتفصيل، بالإضافة إلى تواجد مجسمات عظيمة لإنجازاتهم تكاد تكون أقرب للواقع، فخلال رحلتك هناك تشعر وكأنك تجلس مع إبن الهيثم، أو تطير إلى جانب عبّاس بن فرناس أو تُتَابع مع أبو القاسم الزهراوي عملية صنع الأدوية وغيرها من الألعاب التفاعلية التي تجعلك تعيش التاريخ بأجمل مراحله.
عندما تُمسِك الكاميرا وتقوم بتصوير كل ما يدور من حولك، فكّر قليلاً كيف توصّل العالم إلى هذا الإختراع العظيم، الإختراع الذي تستند عليه كُبرى الشركات اليوم والذي ساهم بتسهيل حياتنا، ومما لا نعرفه أنّ الحسن بن الهيثم هو من توصّل للإجابة على سؤال “كيف نرى؟” وشرح هذا السؤال شرحاً تفصيلياً أفضى إلى ما يُعرَف الأن بالكاميرا. ولم تقتصر انجازاته على هذا المجال فقط، بل شملت الفيزياء وعلم الفلك والهندسة، درس بحوث “أرسطو” وشرحها. كان عالماً فذاً يُحتذى به يستحق أن نذكره ولو ببضع كلمات.
لا بدَّ عزيزي القارىء أنك تذكر اسم “الأخوين رايت”، فبالتأكيد كلنا درسنا أعمالهم وإنجازاتهم في كتب المدرسة، ولكن غَفَلت الكتب المدرسية عن تعليمنا أنّ هناك من سبق الأخوين في محاولة الطيران وهو العالِم المسلم المُلَقَب بـ”حكيم الأندلس”، فكان هو أول من قام بمحاولة للطيران عبر التاريخ. بالإضافة إلى بحوثه وكتاباته في عدة مجالات التي لن يكفي المقال ذكرها وعدّها.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
يُعرَف بـ”عميد الجراحين”، أعظم الجراحين المسلمين في الأندلس، شرَح الجراحة وكان من أوائل المخترعين للكثير من الأدوات الطبيّة التي تستخدم في وقتنا الحالي، جعل الناس من جميع أنحاء العالم يذهبون لإجراء الجراحة في قرطبة. له العديد من الإنجازات العظيمة في مجال الطب، وكتابه العظيم “التصريف لمن عجز عن التأليف” تناول بحوثاته ودراساته التي قامت على التجربة الدقيقة والمتابعة المستمرة لمرضاه.
ذخَرَت الحضارة الإسلامية بالعديد من العلماء رجالاً ونساء، وفي هذه المحطة نتناول اسم عالمة الفلك التي لم يَسمَع بإسمها سوا القليل رغم انجازاتها العظيمة والمبتكرة في علم الفلك. أما الاسطرلاب فهو جهاز معقد جداً يظهر لنا السماء في أوقات محددة، من أجل تحديد الأجرام السماوية وتحديد مواقعها، وبفضل أفكارها وابحاثها وعلومها استطاع العالم دراسة علم الفضاء، والتوصّل إلى ما يعرف اليوم “بالبوصلة” و”علم الفلك”.
العالِم المسلم العظيم الذي أنصفته أوروبا بينما خذلناه نحن، فإسمه يملأ المتاحف العالمية بينما لم يسمع العرب بإسمه. الجزري هو من أكثر العلماء المسلمين الذين أدهشوا علماء الغرب بإنجازاتهم، اخترع مضخات الماء، والعديد من الآلات الموسيقية، وساعات مائية تحتوي على تنبيه ذاتي وأهم ما تم ذكره عنه هو اختراعه العظيم “ساعة الفيل الأسطوريَّة”. يحتوي “متحف الأردنّ” على تمثال محاكي لهذه الساعة وشرحٌ لكيفية عملها، فأنصحك إمّا التوجه هناك لرؤيتها أو البحث عبر اليوتيوب عنها، كما أنصحك بدعم فكرة هذا المشروع في بلدك لدعم تاريخنا. لم أذكر إلا بضعاً من علمائِنا العظماء الذين ظلمناهم بأيدينا، وأظن أن أبسط ما يمكننا فعله هو إعادة إحياء ذكراهم، ومعرفة إنجازاتهم وإنصافهم أمام العالم وأمام أنفسنا وأولادنا، لنخرج جيل فخور بتاريخه وبنفسه.
المصدر: الجزيرة نت