عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (كنّا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أخبروني بشجرة تشبه، أو كالرّجل المسلم لا يتحاتّ ورقها، ولا تؤتي أكلها كلّ حين» . قال ابن عمر: فوقع في نفسي أنّها النّخلة، ورأيت أبا بكر وعمر لا يتكلّمان، فكرهت أن أتكلّم، فلمّا لم يقولوا شيئا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هي النّخلة» . فلمّا قمنا. قلت لعمر: يا أبتاه والله لقد كان وقع في نفسي أنّها النّخلة. فقال: ما منعك أن تكلّم؟ قال: لم أركم تكلّمون، فكرهت أن أتكلّم، أو أقول شيئا. قال عمر: لأن تكون قلتها أحبّ إليّ من كذا وكذا)
[الفائدة الأولى:]
حسن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه حيث ألقى عليهم المعلومة المراد تعليمهم إياها، عل هيئة لغز، ليجعل المتعلم يفكر ويتأمل ويعمل عقله، لمعرفة الحل، فإذا عجز عن الإجابة، كان أشد اشتياقا لمعرفة الجواب، فيكون ذلك أدعى لحفظ اللغز وما اشتمل عليه من أقيسة وتشبيهات، وهذا يحقق فائدة اكتساب العلم على أفضل وجه، بالإضافة إلى دفع الملل عن المتعلم، الذي قد يحدث إذا كانت كل أساليب التعلم على وتيرة واحدة، مع ما يحققه هذا الأسلوب من إدخال السرور والبهجة في نفوس السامعين. ويتضح من ذلك خطأ أسلوب التلقي البحت الذي ينتهجه بعض الشيوخ، رحمهم الله، لأنه يصنع من طالب العلم آلة صماء، كل هدفه أن يحفظ ما يلقى عليه من المسائل، دون إعمال للعقل.
[الفائدة الثانية:]
عظيم بركة المسلم، وما يجب أن يكون عليه من نفع له ولغيره، في حياته وبعد مماته، والعجيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قد شبه النخلة بالمؤمن ولم يشبه المؤمن بالنخلة، وكأن المؤمن هو الأكمل في نفعه وبركته، والنخلة أقل منه نفعا، وقد وصف ابن حجر في الفتح النخلة بأوصاف جميلة حيث قال ما نصه: (وبركة النخلة موجودة في جميع أجزائها، مستمرة في جميع أحوالها، فمن حين تطلع إلى أن تيبس تؤكل أنواعا، ثم بعد ذلك ينتفع بجميع أجزائها، حتى النوى في علف الدواب والليف في الحبال وغير ذلك مما لا يخفى، وكذلك بركة المسلم عامة في جميع الأحوال ونفعه مستمر له ولغيره حتى بعد موته) أعلمت أخي القارئ، بعد هذا الوصف الجميل للنخلة، مقدار المسلم في ميزان الشرع، فعليك أن تقارن نفسك بأوصاف النخلة، لتعلم أين أنت في ميزان الشرع
الفائدة الثّالثة
ما ينبغي أن يكون عليه المسلم الأصغر سنا مع الأكبر منه سنا، من أدب واحترام وعدم الإكثار من الكلام، إذا لم يترتب على عدم الكلام كتمان علم أو تفويت مصلحة أو هضم حق، وحتى إذا بدت مصلحة وتكلم الصغير يجب عليه أن يراعي آداب الحديث المعروفة، فهذا ابن عمر رضي الله عنهما قد سمع المسألة التي ألقاها النبي صلى الله عليه وسلم وقد ألقاها على مسامع كل الحاضرين، ولم يخص بها الكبير دون الصغير، وقد علمها ابن عمر، وكان هناك مصلحة أن يجاوب الرسول صلى الله عليه وسلم ليظهر فضله ويقر عين الرسول صلى الله عليه وسلم بما عليه أبناء الصحابة من علم وفكر، إلا أنه مع كل ذلك، آثر السكوت، كراهية التكلم في حالة سكوت أبي بكر وعمر- رضي الله عنهم- فهلا علمنا أولادنا هذا الأدب الرفيع من آداب المجالس والحديث، أم تركناهم يتجادلون ويتخاصمون بل ويحتدون في الكلام معنا، قال ابن عمر: (ورأيت أبا بكر وعمر لا يتكلمان فكرهت أن أتكلم)
الفائدة الرّابعة
حرص الآباء على إظهار فضل أولادهم، خاصة في مجالس العلم وبحضرة أهل الفضل، وأن يكون ذلك أحب عند الأب من الدنيا وما فيها، قال عمر لابنه رضي الله عنهما: (لأن تكون قلتها أحب إلي من كذا وكذا)
[الفائدة الخامسة:]
التفاوت بين أهل العلم في ملكة الاستنباط والفهم، وقد مر ذلك مبسوطا في موقع آخر من الكتاب، ودليله من حديث الباب، أن ابن عمر فهم مراد الرسول صلى الله عليه وسلم من المثل المضروب، بينما استشكل حله على بقية الصحابة الحاضرين، مع أن فيهم من هو أعلم كأبي بكر وعمر رضي الله عنهم جميعا
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website