وَأَمَّا فَصَاحَةُ اللِّسَانِ وَبَلاغَةُ الْقَوْلِ فَقَدْ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ بِالْمَحَلِّ الْأَفْضَلِ وَالْمَوْضِعِ الَّذِي لَا يحهل سَلَاسَةَ طَبْعٍ وَبَرَاعَةَ مَنْزِعٍ وَإيجَازَ مَقْطَعٍ وَنَصَاعَةَ لَفْظٍ وَجَزَالَةَ قَوْلٍ وَصِحَّةَ مَعَانٍ وَقِلَّةَ تَكَلُّفٍ أُوتِيَ جَوَامِعَ الْكَلِمِ وَخُصَّ بِبَدَائِعِ الْحِكَمِ وَعُلِّمَ أَلْسِنَةَ الْعَرَبِ فَكَانَ يُخَاطِبُ كُلَّ أُمَّةٍ مِنْهَا بِلِسَانِهَا وَيُحاوِرُهَا بِلُغَتِهَا وَيُبَارِيهَا فِي مَنْزَعِ بَلَاغَتِهَا حَتَّى كَانَ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يَسْأَلُونَهُ فِي غَيْرِ مَوْطِنٍ عَنْ شَرْحِ كَلَامِهِ وَتَفْسِيِرِ قَوْلِهِ. مَنْ تَأَمَّلَ حَدِيثَهُ وَسِيَرَهُ عَلِمَ ذَلِكَ وَتَحَقَّقَهُ وَلَيْسَ كَلَامُهُ مَعَ قُرَيْشٍ وَالْأنْصَارِ وَأَهْلِ الْحِجَازِ وَنَجْدٍ كَكَلَامِهِ مَعَ ذى المشعار الهَمْدَانِيِّ وَطِهْفَةَ النَّهْدِيِّ، وَقَطَنِ بْنِ حَارِثَةَ الْعُلَيْمِيِّ وَالْأَشْعَثِ بْن قَيْسٍ وَوَائِلِ بْنِ حُجْرٍ الْكِنْدِيِّ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَقْيَالِ حَضْرَمَوْتَ وَمُلُوكِ الْيَمَنِ، وَانْظُرْ كِتَابَهُ إِلَى هَمْدَانَ: (إنَّ لَكُمْ فرَاعَهَا وَوَهَاطَهَا وَعَزَازَهَا. تَأْكُلُونَ عِلافَهَا، وَتَرْعُونَ عَفَاءَهَا، لَنَا مِنْ دِفْئِهمْ وَصِرَامِهِمْ مَا سَلَّمُوا بِالْمِيثَاقِ وَالْأَمَانَةِ. وَلَهُمْ مِنَ الصَّدَقَةِ الثّلْبُ وَالنَّابُ وَالْفَصيلُ وَالْفَارِضُ الدَّاجِنُ وَالْكَبْشُ الْحَوارِيُّ وَعَلَيْهِمُ فِيهَا الصَّالِغُ وَالْقَارِحُ وَقَوْلُهُ لِنَهْدٍ: (اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي مَحْضِهَا وَمَخْضِهَا وَمَذْقِهَا وَابْعَثْ رَاعِيَهَا فِي الدَّثْرِ وَافْجُرْ لَهُ الثَّمَدَ وَبَارِكْ لَهُمْ فِي الْمَالِ وَالْوَلَدِ، مَنْ أَقَامَ الصَّلَاةَ كَانَ مُسْلِمًا، وَمَنْ آتَى الزَّكَاةَ كَانَ مُحْسِنًا، وَمَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ كَانَ مُخْلِصًا، لَكُمْ يَا بَنِي نَهْدٍ ودائع الشِّرْكِ وَوَضَائِعُ الْمُلْكِ، لا نلطط فِي الزَّكَاةِ وَلَا تُلْحِدْ فِي الْحَيَاةِ وَلَا تَتَثاقَلْ عَنِ الصَّلَاةِ، وَكَتَبَ لَهُمْ، فِي الْوَظِيفَةِ الْفَرِيضَةَ ولكم الفارض والقريش وَذُو الْعِنَانِ الرُّكُوبُ وَالْفَلُوُّ الضَّبِيسُ، لَا يُمَنَعُ سرحكم وَلَا يُعْضَدُ طَلْحُكُمْ وَلَا يُحْبَسُ دَرُّكُمْ مَا لَمْ تُضْمِرُوا الرَّمَاقَ وَتأْكُلُوا الرَّبَاقَ، مَنْ أَقَرَّ فَلَهُ الْوَفَاءُ بِالْعَهْدِ وَالذِّمَّةِ وَمَنْ أَبَى فَعَلَيْهِ الربوة) * ومن كتابه لوائل بْنِ حُجْرٍ: (إِلَى الأَقْيَالِ الْعَبَاهِلَةِ وَالْأَوْرَاعِ الْمَشَابِيبِ، وَفِيهِ: فِي التَّيْعَةِ شَاةٌ لَا مُقَوِّرَةُ الْألْيَاطِ وَلَا ضِنَاكَ وأنطوا الشبجة وَفِي السُّيُوبِ الْخُمُسُ ومن زنى مم بِكْرٍ فَاصْقَعُوهُ مِائَةً واستوفضون عَامًا وَمَنْ زَنَى مم ثِيِّبٍ فَضَرِّجُوهُ بِالأَضَامِيمِ وَلَا تَوْصِيمَ فِي الدِّينِ ولا عمه فِي فَرَائِضِ اللَّهِ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ) وَوَائِلُ بْنُ حُجْرٍ يَتَرَفَّلُ عَلَى الْأَقَيَالِ.
أيْنَ هَذَا مِنْ كِتَابِهِ لِأَنَسٍ فِي الصَّدَقَةِ الْمَشْهُورِ لَمَّا كَانَ كَلَامُ هَؤُلَاءِ عَلَى هَذَا الْحَدِّ وَبَلاغَتُهُمْ عَلَى هَذَا النَّمَطِ وَأَكْثَرُ اسْتِعَمَالِهِمْ هَذِهِ الْأَلفَاظُ؟ استَعْمَلَهَا مَعَهُمْ لِيُبَيِّن لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلِيُحَدِّثِ النَّاسَ بِمَا يَعْلَمُونَ، وَكَقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ عَطِيَّةَ السَّعْدِيِّ: (فَإِنَّ الْيَدَ الْعُلْيَا هِيَ الْمُنْطِيَةُ) وَالْيَدَ السُّفْلَى هِيَ الْمُنْطَاةُ قَالَ فَكَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلُغَتِنَا
وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ الْعَامِرِيِّ حِينَ سَأَلَهُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (سَلْ عَنْكَ) أَيْ سَلْ عَمَّا شِئْتَ وَهِيَ لُغَةُ بَنِي عَامِرٍ وَأَمَّا كَلَامُهُ الْمُعْتَادُ وَفَصَاحَتُهُ الْمَعْلُومَةُ وَجَوَامِعُ كَلِمِهِ وَحِكَمِهِ الْمَأْثُورَةِ فَقَدْ ألَّفَ النَّاسُ فِيهَا الدَّوَاوِينَ وَجُمِعَتْ فِي ألْفَاظِهَا وَمَعَانِيهَا الْكُتُبُ، ومِنْهَا مالا يُوَازَى فَصَاحَةً وَلَا يُبَارَى بَلاغَةً كَقْوِلِهِ: (الْمُسْلِمُونَ تتكافؤ دماؤهم ويسعىبِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ) * وَقَوْلهُ (النَّاسُ كأسنان المشط والمرء مَعَ مَنْ أَحَبَّ ولا خَيْرَ فِي صُحْبَةِ مَنْ لَا يَرَى لَكَ مَا تَرَى له والناس معادن وما هَلَكَ امْرُؤٌ عَرَفَ قدره والمستشار مؤتمن وهو بالخيار مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ ورحم اللَّهِ عَبْدًا قَالَ خَيْرًا فَغَنِمَ أوْ سَكَتَ فَسَلِمَ) * وَقَوْلُهُ (أَسْلِمْ تَسْلَمْ وَأَسْلِمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ، وَإِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبَكُمْ مِنِّي مَجَالِسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أحاسنكم أخلاقا الموطؤن أكنافا الذين يَأَلَفُونَ وَيُؤْلَفُونَ) وَقَوْلُهُ (لَعَلَّهُ كَانَ يَتَكَلَّمُ بمالا يَعْنيهِ وَيَبْخَلُ بِمَا لَا يُغْنِيهِ) وَقَوْلُهُ (ذُو الْوَجْهَيْنِ لَا يَكُونُ عِنْدَ اللَّهِ وجيها ونهيه عن قبل وَقَالَ وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ وَإِضَاعَةِ الْمَالِ وَمَنْعٍ وَهَاتِ وَعُقُوقِ الْأُمَّهَاتِ وَوَأْدِ الْبَنَاتِ وَقَوْلُهُ (اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقِ حَسَنٍ وَخَيْرٌ الأُمُورِ أَوْسَاطُهَا) وَقَوْلُهُ (أَحْبِبْ حبِيبَكَ هِوْنًا مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ بَغِيضَكَ يَوْمًا مَا) وَقَوْلُهُ (الظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) وَقَوْلُهُ فِي بَعْضِ دُعَائِهِ (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِكَ تَهْدِي بِهَا قَلْبِي وَتَجْمَعُ بِهَا أَمْرِي وَتَلُمَّ بِهَا شَعَثِي وَتُصْلِحُ بِهَا غَائِبِي وَتَرْفَعُ بِهَا شَاهِدِي وَتُزَكِّي بِهَا عَمَلِي وَتُلْهِمُنِي بِهَا رُشْدِي وَتَرُدُّ بِهَا أُلْفَتِي وَتَعْصِمُنِي بِهَا مِنْ كُلِّ سُوءٍ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْفَوْزَ عِنْدَ الْقَضَاءِ وَنُزُلَ الشُّهَدَاءِ وعَيْشَ السُّعَدَاءِ وَالنَّصْرَ عَلَى الْأَعْدَاءِ) إِلَى مَا رَوَتْهُ الْكَافَّةُ عَنِ الْكَافَّةِ مِنْ مَقَامَاتِهِ ومُحَاضَرَاتِهِ وَخُطَبِهِ وَأَدْعِيِتَهِ وَمُخَاطَبَاتِهِ وَعُهُودِهِ مِمَّا لَا خِلَافَ أنَّهُ نَزَلَ مِنْ ذَلِكَ مَرْتَبَةً لَا يُقَاسُ بِهَا غَيْرُهُ وحاز فِيهَا سَبْقًا لَا يُقْدَرُ قَدَرُهُ وَقَدْ جُمِعَتْ مِنْ كَلِمَاتِهِ الَّتِي لَمْ يُسْبَقْ إِلَيْهَا وَلَا قَدَرَ أَحَدٌ أَنْ يُفْرَغَ فِي قَالَبِهِ عَلَيْهَا كَقَوْلِهِ، حَمِيَ الْوَطِيسُ، ومات حتف أنفه، لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ والسعيد مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ) فِي أَخَوَاتِهَا مَا يُدْرِكُ النَّاظِرُ الْعَجَبَ في مُضَمَّنِهَا وَيَذْهَبُ بِهِ الْفِكْرُ فِي أَدَانيِ حِكَمِهَا وَقَدْ قَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ مَا رَأَيْنَا الَّذِي هُوَ أفْصَحُ مِنْكَ فَقَالَ، وَمَا يَمْنَعُنِي وَإِنَّمَا أُنْزِلَ الْقُرْآنُ بِلِسَانِي لِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى) أَنَا أَفْصَحُ الْعَرَبِ بَيْدَ أَنِّي مِنْ قُرَيْشٍ وَنَشَأْتُ فِي بني سعد، فَجُمِعَ لَهُ بِذَلِكَ صلى الله عليه وسلم قُوَّةُ عَارِضَةِ الْبَاديَةِ وَجَزَالَتُهَا وَنَصَاعَةُ ألْفَاظِ الْحَاضِرَةِ وَرَوْنَقُ كَلَامِهَا إِلَى التَّأْيِيدِ الْإِلهِيِّ الذى مدده الْوَحْيُ الَّذِي لَا يُحِيطُ بِعلْمِهِ بَشَرِيٌّ.
وَقَالَتْ أُمُّ مَعْبَدٍ فِي وَصْفِهَا لَهُ حُلْوُ الْمَنْطِقِ فَصْلٌ لَا نَزْرٌ وَلَا هَذْرٌ كَأَنَّ مَنْطِقَهُ خَرَزَاتٌ نُظِمْنَ وَكَانَ جَهِيرَ الصَّوْتِ حَسَنَ النَّغَمَةِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website