الشيخ عبد الحميد بن باديس، أحد أبرز علماء الجزائر الذين قاوموا الاستعمار الفرنسي بنشر العلم والوعي في صفوف الشباب الجزائري رجالاً وإناثاً.
الشيخ عبد الحميد بن باديس.. حفظ القرآن في سن الـ13
ولد عبدالحميد بن باديس بمدينة قسنطينة عام 1889 ونشأ في كنف أسرة تعنى بالعلم والأدب.
حفظ القرآن وهو في الثالثة عشرة من عمره، وتعلم ابن باديس مبادئ العربية والعلوم الإسلامية على يد الشيخ “أحمد أبوحمدان الونيسي” بجامع سيدي محمد النجار.
عندما بلغ التاسع عشر من العمر توجّه إلى تونس لطلب العلم وانتسب إلى جامع الزيتونة.
تلقى هناك العلوم الإسلامية على جماعة من أكابر علمائه، أمثال العلّامة محمد النخلي القيرواني، والشيخ محمد الطاهر بن عاشور، والشيخ محمد الخضر الحسين.
بعد أربع سنوات قضاها في تحصيل العلم في تونس توجه إلى الحجاز، حيث أدى فريضة الحج وتتلمذ على الشيخ حسين أحمد الهندي الذي نصحه بالعودة إلى الجزائر، واستثمار علمه في الإصلاح، إذ لا خير في علم ليس بعده عمل.
لماذا قرر ابن باديس العودة إلى الجزائر؟
قرر ابن باديس العودة إلى الجزائر بناءً على نصيحة شيخه، حيث أدرك أن التعليم هو الخطوة الأولى لمحاربة الاستعمار الفرنسي.
لا سيما أن فرنسا ومنذ بداية احتلالها للجزائر عملت على القضاء على منابع الثقافة الإسلامية، فأغلقت نحو 1000 مدرسة ابتدائية وثانوية، كانت تضم 150 ألف طالب.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
كما وضعت قيوداً مهنية على فتح المدارس، التي قصرتها على حفظ القرآن لا غير، مع عدم التعرّض لتفسير آيات القرآن خاصة الآيات التي تدعو إلى التحرر، وتنادي بمقاومة الظلم والاستبداد.
وحرصت على عدم دراسة تاريخ الجزائر، والتاريخ العربي الإسلامي، والأدب العربي، وتحريم دراسة المواد العلمية والرياضية.
أشعل ابن باديس ثورة في مجال التعليم
منذ أن عاد إلى الجزائر باشر ابن باديس بنشر أفكاره التوعية.
فعمل على نشر التعليم، والعودة بالإسلام إلى منابعه الأولى، ومقاومة الزيف والخرافات، ومحاربة الفرق الضالة التي تكاتفت مع المستعمر.
وبدأ ابن باديس جهوده الإصلاحية بإلقاء دروس في تفسير القرآن بالجامع الأخضر بقسنطينة، فجذب حديثه العذب المئات من طلاب العلم الذين تبنوا فكره الجديد ودعوته إلى تطهير العقائد من الأوهام والأباطيل التي علقت بها.
كانت إصلاحات ابن باديس في مجال التعليم في الجزائر تعتبر ثورة في وجه الاستعمار الفرنسي الذي حاول ترسيخ الجهل بشتى الطرق.
الجوامع ميادين ابن باديس
أهم إنجازات عبدالحميد بن باديس كانت في مجال التعليم الذي شمل الصغار والكبار، حيث عمل على إصلاح التعليم وتطوير مناهجه.
وكانت المساجد هي الميادين التي يلقي فيها دروسه، مثل الجامع الأخضر، ومسجد سيدي قموش، والجامع الكبير بقسنطينة.
كما أسس ابن باديس جمعية التربية والتعليم الإسلامية التي تكونت من 10 أعضاء برئاسته.
تدرس الفتيات مجاناً في جمعية ابن باديس
كان الهدف من الجمعية نشر الأخلاق الفاضلة، والمعارف الدينية والعربية، والصنائع اليدوية بين أبناء المسلمين وبناتهم.
يجدر بالذكر أن قانون الجمعية نصَّ على أن يدفع القادرون من البنين مصروفات التعليم، في حين يتعلم البنات كلهن مجاناً.
كوّن ابن باديس لجنة للطلبة من أعضاء جمعية التربية والتعليم الإسلامية، للعناية بالطلبة ومراقبة سيرهم، والإشراف على الصندوق المالي المخصص لإعانتهم.
ودعا المسلمين الجزائريين إلى تأسيس مثل هذه الجمعية، أو تأسيس فروع لها في أنحاء الجزائر.
كما حثّ ابن باديس الجزائريين على تعليم المرأة، وإنقاذها مما هي فيه من الجهل، وتكوينها على أساسٍ من العفة وحسن التدبير.
وحمّل مسؤولية جهل المرأة الجزائرية أولياءها، والعلماء الذين يجب عليهم أن يعلّموا الأمة، رجالها ونساءها، وقرر أنهم آثمون إثماً كبيراً إذا فرطوا في هذا الواجب.
مشاركته في تطوير التعليم بتونس
حياة عبدالحميد بن باديس كانت مكرسة للعلم والتعليم.
فلم تقتصر إصلاحاته في مجال التعليم على الجزائر، بل تعدتها إلى جارتها تونس.
حيث شارك ابن باديس في محاولة إصلاح التعليم في جامع الزيتونة بتونس، وبعث بمقترحاته إلى لجنة وضع مناهج الإصلاح.
تضمن اقتراحه خلاصة آرائه في التربية والتعليم، فشمل المواد التي يجب أن يدرسها الملتحق بالجامع، من اللغة والأدب، والعقيدة، والفقه وأصوله، والتفسير، والحديث، والأخلاق، والتاريخ، والجغرافيا، ومبادئ الطبيعة والفلك، والهندسة.
وجعل الدراسة في الزيتونة تتم على مرحلتين: الأولى تسمى قسم المشاركة، وتستغرق الدراسة فيه ثماني سنوات، وقسم التخصص ومدته سنتان، ويضم ثلاثة أفرع: فرع للقضاء والفتوى، وفرع للخطاب والوعظ، وفرع لتخريج الأساتذة.
جمعية العلماء المسلمين الجزائريين
احتفال الاستعمار الفرنسي بالعيد المئوي لاحتلال الجزائر في عام 1930، أثار حمية علماء المسلمين الجزائريين.
فتنادوا إلى إنشاء جمعية تناهض أهداف المستعمر الفرنسي، وجعلوا لها شعاراً يعبر عن اتجاههم ومقاصدهم هو: “الإسلام ديننا، والعربية لغتنا، والجزائر وطننا”، وانتخبوا ابن باديس رئيساً لها.
وقد نجحت الجمعية في توحيد الصفوف لمحاربة المستعمر الفرنسي وحشد الأمة الجزائرية ضدها، وبعث الروح الإسلامية في النفوس، ونشر العلم بين الناس.
كان إنشاء المدارس في المساجد هو أهم وسائلها في تحقيق أهدافها، بالإضافة إلى الوعّاظ الذين كانوا يجوبون المدن والقرى، لتعبئة الناس ضد المستعمر، ونشر الوعي بينهم.
فرنسا تتنبه إلى الخطر المحدق
انتبهت فرنسا إلى خطر هذه التعبئة، وخشيت من انتشار الوعي الإسلامي، فعطّلت المدارس، وزجّت بالمدرسين في السجون.
كما أصدر المسؤول الفرنسي عن الأمن في الجزائر، تعليمات مشددة بمراقبة العلماء مراقبة دقيقة، وحرّم على غير المصرح لهم من قبل الإدارة الفرنسية باعتلاء منابر المساجد.
ووصل به الأمر إلى حد تعيين نفسه رئيساً للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، ليتسنى له الإشراف على تنفيذ هذه الأوامر بنفسه.
دور ابن باديس في محاربة الاستعمار الفرنسي
إلى جانب كون ابن باديس أحد أشهر علماء عصره المتفانين في نشر العلم والمعرفة، كان ابن باديس أيضاً مجاهداً سياسياً.
حيث جاهر عبدالحميد بن باديس بعدم شرعية الاحتلال الفرنسي، وأحيا فكرة الوطن الجزائري بعد أن ظنّ كثيرون أن فرنسا نجحت في جعل الجزائر مقاطعة فرنسية.
من أبرز أعمال عبدالحميد بن باديس أنه كان من المساهمين في إفشال فكرة اندماج الجزائر مع فرنسا التي خُدع بها كثير من الجزائريين.
كما دعا نواب الأمة الجزائريين إلى قطع حبال الأمل في الاتفاق مع الاستعمار، وأعلن رفضه مساعدة فرنسا في الحرب العالمية الثانية.
وكان دخوله في معركة مع الحاكم الفرنسي في عام 1933 أكبر دليل على مدى تأثيره على الشارع الجزائري.
حيث تم اتهامه بالتدخل في الشئون الدينية للجزائر على نحو مخالف للدين والقانون الفرنسي.
الصحف إحدى وسائله في نشر الوعي
كانت الصحف التي يصدرها العلامة عبدالحميد بن باديس أو يشارك في الكتابة بها من أهم وسائله في نشر أفكاره الإصلاحية.
أصدر جريدة “المنتقد” عام 1926 وتولى رئاستها بنفسه، لكن سرعان ما عطلها الاحتلال الفرنسي.
فأصدر جريدة “الشهاب” واستمرت في الصدور حتى عام 1939 واشترك في تحرير الصحف التي كانت تصدرها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، مثل “السنة” و”الصراط” و”البصائر”.
مؤلفات عبدالحميد بن باديس
لم ينشر ابن باديس في حياته أية أعمال، ويقال إنه ألّف الرجال ولم يؤلف الكتب.
إلا أن تلامذته قاموا لاحقاً بجمع مؤلفاته في أعمال منشورة أهمها:
تفسير ابن باديس طبعه أحمد بوشمال في عام 1948، ثم طبعته وزارة الشؤون الدينية بالجزائر تحت عنوان “مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير” في عام 1982.
كما طبعته مرة أخرى وزارة الشؤون الدينية بالجزائر تحت عنوان مجالس التذكير من حديث البشير النذير عام 1983.
أيضاً، من كتب عبدالحميد بن باديس كتاب “العقائد الإسلامية من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية” الذي طبعه تلميذه محمد الصالح رمضان في عام 1963، ثم على يد الشيخ محمد الحسن فضلاء في 1984.
كما طبع كل من توفيق شاهين ومحمد الصالح رمضان كتاب رجال السلف ونساؤه في عام 1966، ثم كتاب مبادئ الأصول الذي حققه ونشره الدكتور عمار طالبي في عام 1988.
يوم العلم الجزائري
يحتفل الجزائريون كل عام في 16 أبريل/نيسان بيوم العلم، تمجيداً لعلماء من أمثال ابن باديس أفنوا حياتهم في محاولة نشر العلم وانتشال الشباب الجزائري من محاولات فرنسا الدؤوبة لتجهيلهم.
يصادف هذا التاريخ ذكرى وفاة عبدالحميد بن باديس، أبرز علماء الجزائر.
وقد تم اختيار هذا التاريخ عرفاناً بأثر ابن باديس في مجال العلم والتعليم في الجزائر.