بالنسبة لأمريكا فقد كانت معروفة عند كثير من الشعوب البدائية، الذين تم تسميتهم فيما بعد بالهنود الحمر، وهم أمم وأعراق سكنوا قارتي أمريكا قبل مجيء كولومبس بآلاف السنين، وهم ليسوا الوحيدين الذين عرفوا أمريكا، فقد عرفها الفايكنج عام 1003م وأسسوا مستعمرة سميت فينلاند في شمال شرق كندا. فأمريكا كانت معروفة لدى شعوب كثيرة، ولكنها وما عليها من بشر كانت عالما مجهولا للبشرية حتى جاء الرجل الأبيض وضمها إلى العالم المتحضر، فأصبحت بلاداً معروفة، وصارت مسيحية الديانة أوروبية الثقافة. وكلامنا هذا لا يعني أننا معجبون بما فعله الأوروبيون من قتل ودمار، ولكنها حقائق التاريخ التي لا تغيرها أكاذيب المدلسين.
لو افترضنا جدلا أن المسلمين عرفوا أمريكا قبل كولومبس، فهذه نقطة تؤخذ عليهم؛ فهم بذلك مقصرون تـجاه سكان تلك البلاد، والواجب الديني يُـحتم عليهم تبليغ رسالة الإسلام للهنود الـحمر، وإرسال جماعات من الدعاة لنشر الإسلام في تلك الربوع، ولو أنَّـهم فعلاً وصلوا فهذا لا يدل على تقدمهم، بل هو دليل على تـخلُّفهم الحضاري، فهم بذلك يتساوون مع الفايكنج والشعوب الآسيوية البدائية التي عرفت أمريكا ولـم تستثمر تلك المعرفة. فاستثمار المعرفة هو جوهر الأمر، فما الفائدة من معرفة وجود بلاد جديدة دون العمل على استثمار تلك المعرفة، وضم تلك البلاد دينيا وحضاريا وثقافيا للأمة الإسلامية.
وإذا قلنا إن الـمسلمين أرسلوا دعاة إلى قارتـي أمريكا وأسلمت الشعوب هناك فأين الدليل على ذلك في كتب كبار الـمؤرخيـن، فابن خلدون مؤرخ البربر ومؤسس علم الاجتماع والذي مات في نفس القرن الذي تم فيه اكتشاف أمريكا لم يذكر أي شيء عن أي حضارة خلف بحر الظلمات، وابن كثير المعاصر لابن خلدون وأشهر مؤرخي الإسلام، لم يذكر أي خبر عن الهنود الحمر، فالرجل كان متساهلا في نقل روايات التاريخ، ولم يفوت أي رواية إلا ونقلها في كتابه الضخم (البداية والنهاية)، ومع ذلك جهل تماماً أمر الهنود الحمر، وابن الأثير كذلك وكل مؤرخي أمة محمد لم يسمعوا أي خبر عن وجود أمة خلف بحر الظلمات، فهل قامت دول وممالك إسلامية في أمريكا قبل كولومبس لم يسمع بها أي مؤرخ مسلم؟ وهل أسلمت أمة كاملة ولم يأت أحد منها زائراً لبيت الله الـحرام؟ فلا يبقى أمامنا سوى أن نقول أن الـمسلمين جهلوا تماماً أمر تلك القارات وأن اكتشافها من قبل الأوروبيين كان بالـمصادفة، فهذا هو القول الصحيح، ولا نـَجدُ قولاً صحيحاً غيره.
وقصة اكتشاف أمريكا ترجع بداياتها إلى زمن الحروب الصليبية، عندما تم طرد الصليبيين من بلاد الشام سنة 1291م على يد المماليك، ويئسوا من المواجهة البرية. عندها عقدوا العزم على احتلال مكة الـمكرمة والـمدينة المنورة ومقايضتها بالقدس، وذلك بالإبـحار حول إفريقيا والوصول إلى الـمحيط الـهندي ثم دخول البحر الأحـمر عبر باب المندب. وقد نجح البرتغاليون بالوصول إلى رأس الرجاء الصالـح سنة 1487م. وبعد أن رأى الإسبان نجاح البرتغاليين، عقدوا العزم على أن يسـبقوهم إلـى الـمحيط الهندي وذلك من طريق آخر، فقد كانوا يظنون أن الطريق مفتوحة من إسبانيا إلى الهند، ولا يفصل بينهم وبين الـهند إلا جزر صغيرة، وفعلاً كانت حـملة كولومـبس عام 1492م، الـتـي نجحت بالوصول إلى جزر الكاريبي.
إن اكتشاف الأوروبيين لأمريكا حدث غير مجرى التاريخ البشري، فبعد أن كانت المسيحية محصورة في أوروبا والحبشة، أصبحت منتشرة في أربع قارات خارج أوروبا. وبعد أن أفلست دول أوروبا اقتصاديا نتيجة حروبها الداخلية المستعرة، وحروبها مع المماليك والعثمانيين التي طالت قرونا عديدة، وبعد أن قضت الأوبئة على ثلث سكان أوروبا، جاء هذا الحدث الذي أنقذ الأوربيين، فاستغلوه أقذر استغلال، فأبادوا سكان ثلاث قارات واستعبدوا سكان أفريقيا، فانتعشت قارة أوروبا وازدهرت وبنت حضارتها وتقدمها على جماجم مئات الملايين من الأبرياء، فحضارة الغرب قامت على العرق والدماء والأشلاء.
إن الحديث عن إسلام الهنود الحمر الذي يدعيه البعض، لا يكفيه مقال، فكلامهم كثير، وأدلتهم الواهية تحتاج لصفحات كثيرة للرد عليها، فالرد عليها سهل وبسيط، ولكنه يحتاج إلى تفصيل وبيان حقائق، ولقد أفردت عدة صفحات في كتابي (بيان حقيقة كتاب مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ) فندت فيها تلك الدعوة الباطلة، وبينت حجم المغالطات التي ساقها جهاد الترباني في كتابه حيث دافع بشدة عن فكرة إسلام الهنود الحمر، واعتبرهم من عظماء أمة الإسلام، وأورد أدلة يرى أنها دامغة تثبت إسلام تلك الأمة، وتلك الأدلة تعتمد على المغالطات والمبالغات؛ ومثال ذلك أنه ذكر قصة فتية أندلسيين عبروا البحر ووجدوا أنفسهم في أرض مجهولة ويحيط بهم أناس أصحاب بشرة شقراء ويتكلم بعضهم اللغة العربية، هذه القصة موجودة فعلاً في كتاب الإدريسي (نزهة المشتاق). والمتأمل فيها يدرك أن الشباب أبحروا من لشبونة ووصلوا إلى جزر الكناري شرق الأطلسي، وتلك الجزر كانت تحت سيطرة النورمان، وكان عندهم بعض المترجمين البربر الذين يتحدثون اللغة العربية، هذا الكلام حسب رواية الإدريسي.
ثم تحدث الترباني عن خارطة بيري ريس ووصفها بأنها معجزة وأنها حيرت علماء وكالة ناسا، وهذا كله تضليل للقارئ، فالخارطة مرسومة سنة 1513م نقلا عن خرائط إسبانية، وهي بدائية جداً لدرجة أن شواطئ قارة أمريكا تمتد أسفل الخريطة مما يدفع البعض للاعتقاد أنها القارة المتجمدة الجنوبية، ولكن عند التدقيق فيها يتبن أنها سواحل أمريكا الجنوبية، فالخارطة بدائية ولم يذكر مؤرخو الدولة العثمانية أي نشاط لبيري ريس في المحيط الأطلسي. فهل جهل المؤرخون أمر اكتشاف بيري ريس لأمريكا والقارة المتجمدة الجنوبية، وعلم بها باحثون معاصرون؟
إن جميع الآثار المشاهدة في الأمريكيتين، لا تدع مجالاً للشك أن الهنود الحمر أمم وثنية، عبدوا الأرواح والنجوم والكواكب، فمعابدهم وأصنامهم شاهدة عليهم، ومهما حاول البعض تشويش عقول الشباب بمعلومات مغلوطة ومضللة، إلا أن حقائق التاريخ واضحة جلية؛ فالهنود الحمر أمم وثنية، ووثنيتهم هي أهم أسباب فناءهم، فقد نظروا للرجل الأبيض نظرة قداسة، وذهب سكان امبراطورية الأزتيك إلى عبادة القائد الإسباني أرنان كورتيس على اعتبار أنه إله العواصف، واستطاع ذلك القائد بجنوده ال600 من تدمير الإمبراطورية.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website