مع سقوط إشبيلية، التي تعد أحد آخر معاقل الحضارة العربيّة في الأندلس، بأيدي الإسبان، بعد حصار دَامَ عاماً و5 أشهر، لم تُفلح جهود دولة الموحدين في إنقاذ جامع إشبيلية الكبير، الذي تم تحويله فيما بعد إلى كنيسة تُدعى اليوم كاتدرائية سيفييا.
جامع إشبيلية الكبير.. آية في الفن والزخرفة الإسلامية
استمرَّت عملية بناء جامع إشبيلية الكبير 10 سنوات كاملة، وافتُتح بتاريخ 14 أبريل/نيسان 1182، وكان آية في الجمال العمراني الذي يعكس الفن الإسلامي في تلك الحقبة.
بناه الخليفة أبو يعقوب يوسف
تمّ تشييد الجامع إبان خلافة الموحدين في عهد الخليفة أبي يعقوب يوسف بن عبدالمؤمن، الذي أمر ببدء أعمال البناء به، وأكمله ابنه أبو يوسف يعقوب.
وكان الخليفة يرغب في أن يُحاكي جامعه الجامع العتيد لقرطبة، سعةً وارتفاعاً وزخرفة.
وقيل إنّ أساسات جدرانه حُفرت حتى ظهر الماء من باطن الأرض، ثم وضعت الأساسات من آجر وجص وأحجار، وتولى شيخ عرفاء البناء أحمد بن باسه قيادة أعمال التشييد فيه، ومعه نخبة من البنَّائين من أهل الأندلس، وفاس، ومراكش.
وظلَّ العمل قائماً إلى أن افتُتح الجامع للصلاة بحضور الخليفة يوسف وولي عهده الخليفة الناصر.
وقد أودع الفنانون نتاج العبقرية الفنية الأندلسية في فنون الزخرفة بالجص والرخام في قبة المحراب، التي جاءت عملاً فنياً متكاملاً، من وثاقة البناء وإحكامه، وجمال الزخارف الثرية في القبة، التي تعد أجمل قباب العمارة الإسلامية.
رفعت المئذنة بعد النصر في موقعة الأرك
ثم شُيدت المئذنة بعد النصر في موقعة الأرك، في 10 يوليو/تموز عام 1195م/591هـ، لتكون حسب طلب الخليفة أعلى من مئذنة جامع قرطبة.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
وارتفعت في رشاقة مشرفة على سهول إشبيلية، ويزين كل جدار من جدران المئذنة شبكتان من المعينات البارزة، تختلف في كل وجه من وجوهها، وتحتل المنطقة الوسطى بين الشبكتين أقواساً متجاوزة ومفصصة في غاية الروعة والجمال.
ثم أمر أبو يوسف بصنع التفاحات الأربع المذهبة لتتوج المئذنة، تخليداً لانتصار الموحدين على الإسبان في موقعة الأرك الشهيرة.
ورفعت في السفود البارز بأعلى قبة المئذنة، ثم أزيحت عنها الأغشية التي كانت تغطيها، في احتفال حضره الحاكم وولي عهده الناصر وجميع بنيه وأشياخ الموحدين والقاضي وأعيان المدينة.
ومن ساحة هذا المسجد الأخير كانت تتشعب كل طرق المدينة مؤدية إلى الأبواب المفتوحة بالأسوار.
سقوط إشبيلية بيد الإسبان حوّل الجامع لكنيسة
عقب سقوط إشبيلية بيد ملك قشتالة فرناندو الثاني، تم تحويل الجامع إلى كنيسة ماريا، وظلَّ محافظاً على شكله القديم، وأقيمت به عدة مصليّات منها المصلى الملكي.
بعد ذلك تلاحقت المصائب عليه إثر عدة زلازل ضربت المنطقة، فاتخذ المجلس الكنسي بإشبيلية قراراً بهدمه وبناء كاتدرائية قرطبة مكانه.
وبالفعل تم هدم عدّة أجزاء منه، فيما بقي بهو الجامع المعروف ببهو البرتقال محافظاً على سلامته بشكل كبير، حتى تهدَّمت مجنبته الغربية عام 1618.
المئذنة تحوّلت إلى برج نواقيس
أمّا المئذنة فقد تحولت عام 1246 إلى برج للنواقيس، ملحق بالكنيسة، وسقطت تفاحاتها الذهبية إثر زلزال ضربها في العام 1355، ثم أزالت صاعقة الجزء العلوي من المئذنة في العام 1494، كما سقط جزء آخر منها في زلزال عام 1504م.
وأقام الإسبان مكان هذا الطابق العلوي طابقاً جديداً من البناء عام 1567، عليه تمثال من البرونز يدور مع الرياح، ومن هنا أطلق عليه اسم خيرالديو، أو دوارة الهواء، وتحول هذا الاسم إلى “خيرالدا”، وأصبح يطلق منذ أوائل القرن الثامن عشر على البرج بأكمله.
دفن فيه كريستوفر كولومبوس
بعد كل هذه التغييرات تعرَّضت أروقة الجامع لتغييرات فنية من قبل الملوك الإسبان لإقامة أضرحة مختلفة، ثم بني قبر يضم رفات فرناندو الثاني ملك قشتالة.
وفي العام 2006 كشفت نتائج بحث قام به فريق من جامعة غرناطة حول عظام الشخص المدفون في كاتدرائية سيفييا (الاسم الحالي لجامع إشبيلية الكبير) أنها تعود إلى كريستوفر كولومبوس، الذي عاش من العام 1451 حتى العام 1506.
وتعد حالياً كاتدرائية إشبيلية أكبر كاتدرائيات القرون الوسطى، وقد اختيرت سنة 2007 لتكون واحدة من كنوز إسبانيا الاثني عشر.